الشهـــــــيد الشـــــــاب / حـــــــــــزام البهلولي
اعداد : عبدالرحمن حزام البهلولي
هو حزام بن علي بن محمد بن قاسم بن علي بن قاسم بن بشير البهلولي ولد في السدة (دار التويتي) محافظة إب – اليمن عام 1373هـ الموافق 1953م .
مكث في مسقط رأسه إلى سن السابعة ثم نقل إلى حيث مقام جده محمد بن قاسم البهلولي وكان جده معروفاً بالفقه والصلاح ، حيث كان معلماً وفقيها في قرية ريد بني مطر - صنعاء ، وعندما بلغ سن الثانية عشر انتقل إلى مكة المكرمة حيث كان يتواجد هناك أبوه وأمه ، وقد درس في دار الحديث ، وقد ألزمه أبوه في تلك الفترة بالجلوس مع إمام الحرم آنذاك الشيخ عبدالمهيمن الذي كان يجلس عنده الفتى حزام ، وهو إمام مصري كان بيته مجاوراً للحرم المكي ، يمتاز بالاتقان والصوت الحسن ، وكان حزام فيه شبه من شيخه فمن رآه عند الشيخ ظن أنه ولده ، لكثرة جلوسه عند الشيخ وعند غياب الشيخ كان يجلس على كرسيه في الحرم المكي ، ويحدث الناس وهو ما يزال فتى حتى أن بعض الحجاج يجتمعون ويظنون عندما يتحدث حزام فوق كرسي الشيخ أنه ابنه ، وكان جلوسه عند الشيخ أكثر من جلوسه في بيته ، وقد حفظ القرآن الكريم كاملاً على يد الشيخ عبدالمهيمن .
درس حزام في دار الحديث التي كان فيها كبار العلماء آنذاك ، والتي فيها كتب ومراجع هامة ونادرة ، وكان منهج الدار قوياً يوازي ما يدرس في الجامعات ككتاب ابن عقيل في النحو ، وسبل السلام في الاحكام ، وكان يرأس الدار آنذاك الشيخ علي عامر ، ولم يكن يكتفي بمنهج الدار ، بل كان يمكث طويلاً في الدار للاستفادة من بعض شيوخ الدار ، إلى جانب حضوره الحلقات العلمية في الحرم المكي ، واستمر الحال كذلك حتى أكمل المرحلة الاعدادية ، ومن أهم زملائه في تلك المرحلة القاضي مرشد العرشاني ، ثم انتقل لدراسة المرحلة الثانوية والجامعية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1391هـ ، التي تتبعها دار الحديث .
( كان له مع طلب العلم مرحلتان .. الأولى : من بداية نشأته حتى بلغ مرحلة الثاني الثانوي وهي فترة المراهقة والطيش البريء وكان من الذين نالوا حظاً من الخفة والطيش والمشاكسة مع أقرانه في هذه السن ، وكان لا يمضي في دروسه إلا بقوة الضغط من والده ، ولما أصبح في الصف الثاني الثانوي تحول تحولاً جذرياً ، وانهمك في طلب العلم والدعوة بجد وهمة لا نظير لها ) .
الجدير بالذكر أن الجامعة الإسلامية لا تقبل في الانتساب إليها إلا للطلبة الذين يحفظون القرآن الكريم ، ومن زملائه في الجامعة الاسلامية القاضي مرشد العرشاني ، وأخوه القاضي علي العرشاني ، والاستاذ : حمود شمار ، والاستاذ : محمد الغيلي ، وغيرهم .
أكمل الثانوية في العام 1394هـ وحصل على الترتيب الثالث من بين زملائه الذين بلغ عددهم (147) طالباً ثم التحق بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية ، وعن تميز الشيخ حزام في الجامعة قال الشيخ عبدالمجيد الزنداني : (عرفت الشيخ حزام البهلولي رحمه الله وهو طالب يدرس في الجامعة الإسلامية ، وكان متميزاً يشار إليه بالبنان ، ومن بين زملائه كان شخص آخر يشار إليه أيضاً ، وهو الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ، وقد تأثر كلاهما بالشيخ ناصر الدين الألباني ، والشيخ أبو بكر الجزائري ، ومشائخ الجامعة الإسلامية ، وكان الشيخ حزام إذا ألقى درساً في الحرم النبوي تحلق حوله الناس ، وكان لا يقف عند حدود رواية الحديث بل ينبش معه الواقع ، الذي يعيشه الناس ويحدثهم عن المضامين التي يشير إليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك تعلقت به ، وأحببته ، وتفاهمت معه في موضوع الدعوة ، وهو لا يزال طالباً هناك ، فأصغى وسمع ، وتجاوب وتحمس ، ثم كان من أوائل وطلائع الطلاب الذين حملوا راية الدعوة الإسلامية هناك وهو يدرس ثم بعد أن خرج إلى اليمن).
وكان أثناء دراسته لا يصلي غالباً إلا في المسجد النبوي ، وكثيراً ما يلقي درساً أو خاطرة بعد الفرائض في مقدمة الحرم ، وكان الناس يجتمعون عليه بكثرة أثناء ذلك ، وكان يقوم بعد صلاة الجمعة يقدم تفسيراً لسورة من سور القرآن القصار ويأتي الناس من أطراف الحرم ليستمعوا إليه ، وقد انضم حينها إلى جماعة الدعوة كما كانت تسمى، وهو الوحيد الذي يسمح له بالتحدث حيث وأنه لا توجد عليه أي انتقادات ، فكلامه حول الإيمانيات والتزكية والروحانيات والقرآن والسنة فقط ، وقد تميز بالجرأة منذ نعومة أظفاره رحمه الله ، وكان يلقي للنساء درساً أسبوعياً يوم الثلاثاء ، إضافة إلى حلقات كان يقيمها للعمال اليمنيين بعد صلاة العصر .
وقد اهتم بالقراءة والاطلاع والمراجعة أكثر من اهتمامه بالكتب المنهجية مع الأنشطة الدعوية ، والخروج إلى القرى للدعوة إلى الله ، حتى أن بعض أهل البوادي عندما يطلبون دعاة يعلمونهم من الشيخ الجزائري كان يرسل لهم في بعضها حزاماً ومعه نفر من الدعاة آنذاك ، وفي الاجازة الصيفية كان يخرج إلى اليمن للزيارة والدعوة إلى الله تعالى ، ومن هذه الخروجات خروج مع جماعة من اخوانه منهم الاستاذ عبدالعزيز زهرة والاستاذ حسن الحكيمي ، والاستاذ محمد البهلولي إلى بني مطر ، ومكثوا شهراً وكان لهذا الخروج أبلغ الاثر في قلوب وسلوك الناس ، وقد مروا على أكثر من عشر قرى خلال الشهر وكان نزولهم في المساجد وهو قائد الرحلة .
تزوج حزام أثناء دراسته في الجامعة الإسلامية وهو في الثامنة عشر من عمره ، وقد تخرج من الجامعة سنة 1398هـ الموافق 1978م .
ثم عاد واستقر في صنعاء في جامع الدعوة باب اليمن ، حيث مكث فيه عاماً واحداً ، ولمَّا اكتمل بناء جامع الدعوة في منطقة شعوب استدعاه باني المسجد الوالد غيلان أبو فارع رحمة الله عليه حتى يكون إماماً وخطيباً للجامع الجديد ، وقد هيأ للشيخ حزام سكناً بجوار المسجد الذي قضى فيه بقية عمره ، من العام 1979 إلى 1982م .
وفي الأشهر الأخيرة من عمره مرّت اليمن بواقع سياسي خطير وأهم هذه الظروف وأخطرها تفشي وزحف الفكر الاشتراكي القومي والعلماني عندما تبلور وصار تياراً يهدد أمن واستقرار البلاد ، وبجانبه الأمية المتفشية في المجتمع اليمني والجهل ، ومضت الدعوة تشق طريقها في تلك الظروف ، وقد كان الوضع في صنعاء صعباً للغاية مما اضطر الشيخ حزام مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني للذهاب إلى خمر وهي مدينة تقع شمال صنعاء في محافظة عمران حالياً ، وقد تحدث الشيخ عبدالمجيد عن تلك المرحلة قائلاً : ( كانت فترة حرجة ، وكانت الضغوط علينا في العاصمة صنعاء شديدة ، فاتجهنا إلى خمر ندعو ، ونعلم ، ونبلغ ، ونساعد ، ونؤيد من يقفون في وجه التخريب والمخربين ، وقد سكنا متجاورين ، وكانت صحبتنا نحن والشيخ حزام في خمر هي أطول فترة نتطارح فيها الآراء والمقترحات ، وفرق بيننا حين قال : الآن حان وقت الجهاد ، سأذهب إلى الجهاد ، وقضى نحبه في جبل هكمان – كما نحسبه- شهيداً في سبيل الله) .
تعليمه للناس والعلوم التي قام بتدريسها وتلاميذه
الزنداني : أول لقاء لي بالشيخ حزام كان أثناء دراستي في المدينة المنورة حيث وجدت شاباً يتصدر حلقة الدرس ، ويتكلم بطلاقة ووعي لما يقول ، ويشد أسماع الحاضرين ، وكان في ذلك الوقت لا توجد قيود على الدعوة في المساجد كما حدث فيما بعد فسألت الناس من هذا الشيخ الصغير (صغير السن) الذي يلتف الناس حوله هذا الالتفاف فعرفت أنه الشيخ حزام البهلولي طالب بالجامعة الإسلامية ، وعلمت أنه من اليمن ، فحرصت على السؤال عنه واللقاء به وقد تيسر لي ذلك ، والحمد لله فالتقيت به هناك .
العرشاني : رجل الأمة لا بد أن يكون قدوة لغيره وكان الشيخ حزام من هذا الطراز فكان يدعو الناس إلى الخير ، وهو أول المبادرين إليه ، ومن أجل ذلك نال حب الجميع ، وتهافت على مسجده الناس على اختلاف مشاربهم ولقد كان مسجده أشبه بخلية نحل بين دروس عامة وحلقات وحفظ للقرآن والحديث وغير ذلك .
محمد البهلولي : فأي مجلس يجلسه لابد أن يحفظ الحاضرون حديثاً أو أكثر في الآداب والأخلاق وغيرها من التربويات ، ويجعل الحاضرين يُسمِّعون الحديث عن ظهر قلب في مجالسه العادية .
علي ****يب : كان قد ألزمنا بحفظ عشر آيات يومياً حفظاً والذي لا يحفظ يحثه على الحفظ كثيراً ، وقد وصلت حلقة بعد الفجر إلى مائة طالب من أنحاء العاصمة ، وكان الناس يحبونه جميعاً ، وكان يخطب ارتجالاً ، وكان حافظاً للقرآن وتفسيره ، وإذا أحس أن هناك شخصاً له مسئولية في الدولة فإنه يركز على نصحه أثناء الخطبة بدون تصريح وبجرأة ولا يخاف إلا من الله تعالى .
محمد صالح غيلان : كنا عنده ذات يوم فبعد الغداء أخذ يحدثنا عن غزوة مؤتة في مجلسه ، وكان يتحدث عن الثلاثة القادة الذين استشهدوا ، ويحدثنا وهو يبكي إلى حين أذان العصر .
محمد عزان : كنا إذا دخلنا عنده لا نخرج إلا وقد حفظنا عشر آيات ، أو حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم
اهتمامه باسرته وأقربائه
يقول أهله عنه : أنه كان يهتم كثيراً بصلة أرحامه ، ويهتم كذلك بتعليمهم فقد أهدى لنا ذات مرة مسجلات لنحفظ القرآن ، ونجوده ، ونراجعه بأشرطة الكاست ، وكان يستخدم معنا أسلوب الثواب والعقاب ، وبعد أن يلقي الدروس في المسجد يدخل المنزل ، ويسأل أهله عما استفادوه من الدرس ، وكان يتابعهم ويتواصل معهم بالنصح والتوجيه حتى في الأسفار ومن ذلك أنه أثناء سفره إلى مدينة خمر أرسل إلى أهله رسالة يحثهم فيها على سماع المحاضرات ، والدروس ، وكتب فيها آيات قرآنية من سورة الاحزاب ، ومن ضمنها قوله تعالى : (وقرن في بيوتكن ... الخ ) وأمرنا بحفظها ، وكان يقوم بتطبيق كل ما يتعلمه ، وكان قدوة بعمله أكثر من كلامه .
كان بشوشاً مع أهله ، متسامحاً معهم ، لا يغضب من أجل تأخير طعام ، ويساعد أهله في الطبخ وأعمال المنزل ، ويقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُساعد أهله ، كما كان يمازح زوجه وأمه وإخوانه .
أخلاقه
مكارم أخلاقه وتأثيره في الآخرين
الزنداني : كنا إذا أردنا أن يتأثر الشباب بشخص نحيلهم إلى الشيخ حزام ، ليجالسوه وليتعلموا على يديه وأنا شخصياً كنت أعرف أنهم سيأخذون أخلاقاً وعلماً وزهداً وتقوى وجهاداً فقد كان له تأثير بالغ في من يستمع إليه من تلاميذه وجمهوره .
الصادق : كان مظهره الخارجي وملامحه البارزة ، وكلماته النافذة تجلب الشخص إليه من أول وهلة ، ولو لم تكن هناك سابق معرفة ، وقد كان من يلقاه أو يجلس إليه يجد تأثيراً عجيباً له ويلمس في نفسه تأثراً واضحاً به ، وذلك رغم بساطته في ملبسه وتعامله وحديثه ، ولقد كان مظهر صلاح الشيخ لا تخطئه العين ، وكنت تشعر في الغالب بأن كل كلمة أو تصرف تعبر عن هذا الصلاح .
الدكتور حسن مقبول الأهدل : كانت أخلاقه عالية وكان متودداً لأصحابه وما كان يرى منه تضجر ، ويبتسم دائماً ، مؤدباً مع المشائخ في أسئلته .
• رحمته بالناس
محمد صالح غيلان : ذات يوم وأنا في المدينة المنورة مرض ولدي فأخذته أنا إلى المستشفى وحمله معي حزام ، وكان يبكي عليه وأنا لا أبكي ، يتألم لتألم أبويه عليه ، ولما زارنا في قريتنا في اليمن حدث وأن انقلبت سيارة بركابها تحت قريتنا فمات بعض ركابها وجرح البعض الآخر ، فبكى الشيخ حزام لذلك بكاءً شديداً ، وكان الناس يتعجبون كون الشيخ لا يعرفهم ، وقد استغل ذلك الحادث في وعظ الناس وذكرهم بالموت في خطبة الجمعة .
• جرأته في قول الحق وشجاعته وغضبه لله تعالى
العرشاني : أما شجاعته فظاهرة في الصدع بالحق ، والدعوة إلى الجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويكفي أن يطلب ذلك عملياً ، ويسقط الشيخ شهيداً في المناطق الوسطى .
كان لا يمر حدثٌ ذو بال يستدعي الأمر التحذير منه ، أو التنويه عليه إلا وعرض له في خُطبه ، وكان يصدع بكلمة الحق ، ولا يخاف في الله لومة لائم .
محمد عزان : كان يتلقى الشيخ تهديدات من الأمن السياسي (الوطني) سابقاً ، ومن رئيس هيئة الاركان العامة آنذاك عبدالعزيز البرطي ، وذلك بسبب الأذانين الأول والثاني في الفجر حيث أنه أول مسجد يقوم بذلك ، وقد أخذ يقنع الرجل بالأدلة الشرعية .
عبدالله قشوة : سافرنا مع الشيخ حزام في مجموعة من الدعاة إلى مسور ريمة للدعوة والتعلم على استخدام السلاح فقام الشيخ حزام بتجميع الناس وأخذ يسير بهم ويرفع معهم الهتافات بشكل ملفت أمام الشيوعيين (المخربين) و ولم يستطع أن يمسهم أحد بسوء ، ويعتبر تجمعاً كهذا في ذلك الزمان والمكان كفيل بالقضاء عليهم ، ولكن مع الشجاعة الإيمانية يتبدد الرعب ويتلاشى الخوف .
• الابتسامة والإيثار
محمد صالح غيلان : لا يزال مبتسماً عندما يمشي أو يتحرك أو يلقي دروسه .
الغيلي : يمتاز بالإيثار ويقدم المحتاج على نفسه ولو بماله ، ويمتص غضب الناس بالابتسامة .
• من لطائفه
يذكر أبو عبدالرحمن اليماني أن الشيخ حزام اشترى يوماً مجموعة من أعواد الأراك فقلت له : أريد مساويك ، فرد على الفور : أعوذ بالله من هذا الطلب ، فقلت مستغرباً : لماذا ؟! قال : ماذا تريد من مساوئي (سيئاتي) أطلب حسناتي .. وضحك وأعطاني أكثر من مسواك .
ويقول : ذهبت يوماً مع الشيخ إلى عيادة طبية للمعالجة ، وبعد الخروج من عيادة الدكتور وشراء العلاج نظر إلى العلاج وقال بصوت مسموع : يا رب هذا السبب ، وأنت المُسَبِّب فاجعل فيه الشفاء وأنشد بيتاً من الشعر طلبت منه أن يردده حتى أحفظه وهو :
ذهبت أنادي طبيب الورى
فذاك الطبيب ليعطي الدواء
وروحي تناجي طبيب السماء
وربي ليجعل فيه الشفاء
أدبه وخدمته لإخوانه
الزنداني : خرجنا للدعوة إلى الله معه وكان صائماً ، وكنا نراه يحرص أن يطبخ للناس وأكثر من يتعب من أجلهم ، وكنا نظن أنه أول من سيتناول الطعام فإذا به يكون آخر من يتناوله .
الصادق : ورغم سعة علمه وحبه للناس ، وحب الناس له فقد كان متواضعاً جم الأدب يراعي الأسلوب الحكيم في النصح والتعليم ، وقد ألقيت ذات مرة درساً في حضوره وأوردت حديثين لم أكن أعلم ضعفهما ، وبعد انتهاء الدرس ، ومرور الوقت ، كتب لي ورقة وأخفاها عند تسليمها لي وبين لي ضعف الحديثين مع ذكر المرجع وختم الورقة بقوله : (بارك الله فيك يا أخي والله ما المراد إلا الفائدة ونحن إخوة فالعفو يا أخي !! ) ولا زلت أحتفظ بالورقة في نسختي الخاصة من رياض الصالحين ، رحمك الله أيها الشيخ الرفيق الرقيق الكريم ، وكان لين القول حتى مع من يسيء إليه فقد كانت تجري بينه وبين بعض المغالين في التشيع نقاشات فيكلمهم بالحجة والبيان ، وهو مبتسم طليق الوجه ، وكان يتابعه ويتابع حلقاته شخص مُتهم بأنه من المخابرات ، وقد اعترف له مرة بذلك ، ومع هذا فلم يكن ينهره ويطرده بل يكتفي بالنصح البليغ الهادئ ، وكانت معه سيارة مستعملة وهي مقدمة من بعض المحسنين يستخدمها للتنقل للدعوة إلى الله ، وقد كان بعض زملائه من طلاب معهد القضاء ممن في قلبه مرض يغمزه بأن معه سيارة دون زملائه في المعهد فقال له : كل ما معي وقْف هذه السيارة وقْف وبيتي الذي أسكنه تابع للجامع وهو وقْف وأنا أيضاً وقف لله تعالى .
العرشاني : عندما كنا نزور الشيخ إلى منزله يقوم على ضيوفه بالخدمة ، وتوفير كلِّ ما يُدخل السرور إلى نفوسهم ، وما يتطلبه واجب الضيافة ، وبدون تكلف ، وكان ديدنه تقديم العون للآخرين ، وإصلاح ذات البين لأنه كان الواجهة من خلال مسجده الذي كان رواده من مختلف الاطياف .
أ.ياسين عبدالعزيز : هو عالم فاضل محبوب خفيف الظل .
الغيلي : كان يطيل الاستماع للآخرين عندما يتحدثون .
دعــوتــه
قال القاضي العرشاني : إن الدعوة لا تأتي أُكلها ، وتحقق أهدافها ، إلا بجهد وجهاد ومعاناة ، وتضحيات جسام ، وكان الشيخ رحمه الله من أصحابها الذين افنوا حياتهم من أجل الدعوة إلى الله .
ويقول الشيخ الصادق : كان الشيخ حزام فقيها داعية ، وكانت له حلقاته التعليمية ، والدعوة في مسجده مسجد الدعوة بصنعاء على مدار الأسبوع ، وكان له طلابه الذين يحرصون على حضور هذه الحلقات ، وبعض هذه الحلقات كان بعد صلاة الفجر ، وقد كان بعض الطلاب يحضرونها من أطراف صنعاء مشياً على الأقدام لعسر المواصلات في ذلك الوقت ، ولا يتخلفون عنها حتى في شدة البرد مما يدل على مدى حبهم للشيخ ، ومدى استفادتهم منه ، وقد نفع الله به العديد من الناس منهم من استفاد علماً ومعرفة ، وتمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من استفاد صلاحاً ، وتزكيةً ، وقوة صلة بالله جل وعلا ، ومنهم من استفاد أدباً ، وسلوكاً ، وخلقاً رفيعاً ، ومنهم من استفاد هذا كله ، أومعظمه ، وكان للشيخ نشاطه الدعوي الواسع في صنعاء ، وفي مختلف مدن وقرى اليمن ، وكثيراً ما كان يخرج في القوافل الدعوية مع الشيخ الزنداني ، وهكذا عرفته مساجد اليمن ، وعرفه العلماء ، والوجهاء ، والمشائخ ، وعرفته القبائل خلال سنوات قليلة في مختلف أنحاء البلاد .
محمد البهلولي : كان له الفضل الكبير بعد الله في إقامة التراويح ، والأذان الأول لصلاة الفجر ، وكذلك كان هو أول من أحيا سنة الاعتكاف ، بدأ بها بنفسه في مسجد الدعوة ، وكان يقيم فيه مبيتاً شهرياً في آخر خميس من كل شهر هجري ، وكان يؤتى إليه من القرى لما يجدون فيه من فائدة ، وكذلك لحبهم للشيخ حزام رحمه الله كذلك كان له الأثر الكبير في نشر مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، والفضل كذلك في الاهتمام بالرحلات الدعوية ، واهتم كذلك بإقامة الدروس والمحاضرات وتعليم القرآن في المسجد ، وبالرغم من أن صوته لم يكن جميلاً ، ولكن كان يقرأ بحزن ، وتشعر بالخشوع في صلاته ، وكان مسجده كخلية نحل لوجود طلاب العلم ومحبي الخير والقرآن الكريم ، بين ذاكر لله ، وتال للقرآن حتى أن جيران المسجد وغيرهم ممن يسكنون بعيداً عنه مازالوا إلى اليوم يحبون المسجد ويتعلقون به ، لما يشعرون به من روحانية خاصة ، والمعتكفون في أيامه وبعد أيامه إلى اليوم لا ينسون حلاوة تلك الاعتكافات ، وروحانيتها ، والذكرى الطيبة والأخوة في الله ، وكان لا يترك جاراً إلا وزاره ملتزماً أو غير ملتزم .. ضباطاً ، ومدنيين كلهم كانوا يحبونه ، وما يزال الأثر الطيب والخيرية موجودة فيهم إلى اليوم ، ومن جمهور المسجد آنذاك الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وقد تأثر لموت الشيخ حزام ، وما يزال الشيخ الأحمر يرتاح لمسجد الدعوة إلى هذه الأيام ويصلي فيه صلاة الجمعة .
محمد عزان : جاء الشيخ حزام إلى مسجد الدعوة ، وأغلبية الناس حول المسجد لا يصلون فكان كلما وجد أحدهم يتعرف عليه ، وينصحه ، ويزوره ، وهكذا صار معظم جيران المسجد يصلون في المسجد ، وكان الناس يحبونه بمجرد السماع عنه أو سماع محاضراته وخطبه ، ودروسه ، وكان يمتلئ المسجد والصرح و الشارع في بعض الأحيان .
قصة الشهادة وكرامة الشهداء
الشيخ المؤيد : تذكرت ما حصل لنا مع الاخ الشهيد حزام البهلولي عليه من الله شآبيب الرحمة والغفران ، وحظي إن شاء الله بالشهادة ، وقد ظل ثلاثة أيام يكثر قراءة القرآن الكريم ، ويُقِل الكلام ، ولقد سألنا سؤالاً : يا شباب ما هي أنواع الشهادة ومن الشهيد الذي يغسل والذي لا يُغسل .
أحمد العيدروس : خرجنا نحن والشيخ حزام إلى منطقة شمير ونحن قرابة عشرين شخصاً من الاخوان المسلمين في سبيل الله ، وبعد أن وصلنا إلى منطقة شمير (منطقة بجوار المخربين الاشتراكيين) جلسنا في أحد الأماكن ، وهم يشرحون لنا عن السلاح ، وكان القائد عبدالولي الشميري ، وكنا نعلم أن الاشتراكيين يعيثون في الأرض الفساد فصلى بنا الشيخ حزام الظهر داخل الخيمة في نفس الموقع ، وكانت الشمس قوية ، وكنت أصلي خارج الخيمة ، وكان في ذلك اليوم يطبخ لإخوانه ثم بدأنا نتدرب على الضرب الحي بالسلاح الثقيل (الهاون) وغيره ، وكان عند بعض الأفراد مسدس فردي وعلم العدو بمكاننا في وقت متأخر من النهار وطلب بعضنا من حزام أن يبدل ملابسه ، وكان يلبس ثوباً أبيض فاستبدل به ثوباً مائلاً للسواد ، وكانت عمامته بيضاء ، ولم يقم باستبدالها ، فقال للشيخ المؤيد إذا مت فغسلوني ، وكفنوني ، فقال له المؤيد : لا تخف سنغسلك ونكفنك ، ثم ما لبثنا أن فوجئنا بوابل من الرصاص ينهال علينا بشدة ، فانبطحنا جميعاً ، لكن رصاصة منها وقعت في صدر الشيخ حزام ، فصاح الأخ عباس الهادي ، قمنا وحملنا الشيخ المصاب إلى سيارة الأخ محمد الشيباني ، ومعنا الأخ علي ****يب وقمنا بإسعافه إلى تعز ، وبينما نحن في الطريق شممنا منه رائحة طيبة تنفح منه كأنها المسك بل أجمل من المسك ، فقلنا هذه رائحة القرآن الكريم ثم سمعنا الشيخ حزام وهو يقول : استودعكم الله .. استودعكم الله .. استودعكم الله .. ثم قضى نحبه ، ولسانه ملتصق إلى الأعلى .
علي ****يب : كنت أحبه أعظم من أبي أمي فقلت له ذات يوم : أنا مسافر إلى السعودية لأن لي غرضاً فقال : لا أنا بحاجتك ، وكان صاحب قرار سديد ، ولم يخبرني بالمكان الذي سنذهب إليه لما بيننا من ثقة ومحبة فلم أناقشه في ذلك ، وقال لي : احضر أغراضك بعد فجر الجمعة ، وانطلقنا مع مجموعة ، وبعد أن وصلنا إلى المناطق الوسطى كان يتم التدريب على الأسلحة المختلفة وفي أحد الأيام كان يراد منا الانتقال إلى مكان آخر فقام قبل الظهر ، واغتسل ، وغيّر الثياب ، وبعد الصلاة والغداء تم الانتقال إلى منطقة أخرى ، ووصلنا إلى المنطقة الأخرى ، وبدأنا نطلق بالمدفع الثقيل (الهاون) إلى جهة مناطق المخربين ، وكان يقول الشيخ حزام : اللهم لا تجعل هذه الطلقات في مسلم ، وقد أطلق رحمه الله طلقتين ثم تناوبنا في ذلك ، وكانت التعليمات إذا أحسسنا بخطر ننبطح ، وكان في الموقع ما لا يقل عن ستين شخصاً كلهم من الإخوان المسلمين من مناطق مختلفة ، الجميع قاموا بعد ذلك الانبطاح إلا الشيخ حزام لم يقم ، وكان بجانبي فقلت : سلامات يا شيخ حزام ، فقال : استودعكم الله يا إخواني الذي لا تضيع ودائعه ، قالها بكل ارتياح ، واطمئنان نفسي ثم وجدنا شيئاً من الدم على الثوب مقابل القلب ، لقد جاءته رصاصة من مكان بعيد فأخذنا سيارة المهندس محمد الشيباني ووضعناه في الكرسي الوسط ، فكنت في جانبه الأيسر ، والعيدروس في الجانب الأيمن منه ، وقد رأينا كرامات الشهيد التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشهيد لا يتألم إلا كألم القرصة تصيبه ، وقد كان وجهه يتلألأ نوراً أشد وأفضل وأجمل مما كان في حياته ، وهو بجواري ، وكان كأنه حي لم يتألم ، ولم يتأوه ، ولا يئن مُطلقاً ، وقد شممنا رائحة جميلة تفوح منه أثناء اسعافنا له ، ولم تكن موجودة من قبل ، وكان مبتسماً بعد موته ، وكان هذا بعد أن صلينا الظهر والعصر جمعاً ، وقصراً ، وفارق الحياة قبل المغرب بساعة ، وقد استقبله إخواننا في تعز ثم تم نقله إلى صنعاء ، وصُلِّي عليه قبل ظهر اليوم الثاني .
عبدالواحد حامد : يوم استشهاده كان يوزع ملابسه قبل الغداء يعطي هذا الغترة وذاك الكوفية ، وكنا نقول ما هذا الكرم يا شيخ ، ثم اغتسل وتنظف ، وبعد أن أصيب رحمه الله قمنا بإسعافه ، وفي الطريق إذا بنا نشم رائحة طيبة تخرج من فمه .
زوجته : استشهد يوم الاثنين وجاءوا به صباح الثلاثاء ، وقد رأيته ، وهو مبستم ، وجسمه طبيعي جداً كأنه نائم نومه المعروف ، وكنت أرفع يده فتعود إلى مكانها .
امه واخته : يقول لنا : إذا مت فلا تنوحوا علي ، ولا ترفعوا أصواتكم بالبكاء ولا تعذبوني بالنار ، يقول ذلك وهو يستحضر الحديث النبوي الصحيح (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) .
يذكر القاضي عبدالكريم الروضي : حدثني الشهيد عبدالله النهمي وقد بات عندي ذات ليلة أنه رأى الشهيد حزام البهلولي في المنام بعد موته وسأله : ماذا فعل الله بك ، فرد عليه الشهيد حزام : غفر لي وزوجني باثنتين وسبعين .
الشيخ الصادق : ذُكر لي أنه بعد أن تدرب الشيخ في دورة على إطلاق الرشاش في اتجاه العدو إذا برصاصة تأتي من اتجاه العدو ولم يكن ذلك في أثناء المعركة - كما ذكرنا- وإذا بالرصاصة تستقر في موضع القلب من الشيخ حزام ، وينتهي بذلك عمره في الدنيا ، لينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى شهيداً عند ربه فيما نحسبه ولا نزكيه على الله ، وقد تم نقله بطائرة هيلوكبتر إلى صنعاء ، وتمت الصلاة عليه في جامع الدعوة ، وحضر الصلاة عليه كما حضر دفنه خلقٌ كثير ، وتم دفنه رحمه الله رحمة واسعة ، وألحقنا به من الشهداء ، وقد كان ذلك في السنة الثانية أو الثالثة من القرن الخامس عشر الهجري ، وقد عدت إلى صنعاء ورثيته بقصيدة تحمل عنوان تحية إلى الشهيد ألقيتها في المعهد العالي للقضاء .
•
الخاتمة
(إن الدعاة إلى الله والمدَّعين لذلك كثيرون ، وإن العاملين للإسلام ، والمدَّعين لذلك كُثُر ، وما أكثر ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال ، ولكن ما أقل الدعاة والعاملين من الطراز المجاهد الماضي على نهج السلف الذي يدعو ويؤثر بحاله ومقاله ، وخشوعه وعلمه ، ودموعه ومنطقه ، وزهده وجهده ، ونفسه وماله ، وحله وترحاله ، وسمته وصمته ، ونيته وصوته ، ومظهره ومخبره ، وحياته وموته ، الذي صلته بالله أقوى من صلته بالناس ، وإذا أنزل حاجته بالله ، أو رفع كفيه إليه لم يرده خائباً ، تظلله المحبة من السماء ، ويسبقه القبول في الارض ، وقد تسنده الكرامات دون انتباه منه ، المتمثل بحق قوله تعالى : (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) ورحمة الله على حزام .. رحمة الله على الفقيه العلم الإمام) .
(لقد استشهد الشيخ وعمره بضعٌ وعشرون سنة فقط وترك بعده اسرة مكونة من زوجة وأربعة أولاد ، ترك الدنيا لأجل الآخرة ، التي ناضل من أجلها منذ طفولته ، ابتداءً بحفظه القرآن الكريم ، وانتهاءً بمنح روحه لله ، ثم لوطنه ، شهيداً ، هذا ما قدمه ابن التسعة والعشرين عاماً فماذا قدمه الباقون ، وماذا قدم الوطن له ، ولمن تركهم خلفه .
وما يزال جامع الدعوة بشعوب يئن ويبكي من بكاء الشيخ الروحاني ، أعمدته الشامخة برغم قدمها ، وزواياه الطاهرة ، وسطحه المتسامق ، ومكتبته المتواضعة ، ومطبخه الدافيء ، ومعهده الصغير ، ومداخله المتعرجة ، كل شيء يرنو إلى صوت حزام الشاب المتخشع ، خشوع الأبرار ، والشيخ المتواضع تواضع العلماء ، والخطيب الجريء جرأة القوي ، والشهيد المدافع عن وطن كبله النسيان ، فسلام الله عليك ورحمته أيها البهلولي المبتهل في جنات عدن بإذن الله) .
من مراجع البحث
1)تتمة الأعلام للزركلي - محمد خير رمضان يوسف - المجلد الأول دار ابن حزم الطبعة الثانية 1422هـ 2002م .
2)دموع على القـدس (ديوان شعر) لمحمد راجح الأبرش – دار عمار – الأردن 1988م .
3)عصارة الفؤاد (ديوان شعر) لمحمد كامل الأنى .
4)مجلة المجتمع الإٍسلامي – الكويت- العدد (563) 27/5/1402هـ .
5)مجلة الإرشاد – اليمن - العدد الخامس .
6)مجلة النور – العدد (147) شعبان 1424هـ 2003م .
7)صحيفة الصحوة العدد (802) رمضان 1422هـ .
8)الكتابات والتسجيلات المأخوذة من أقربائه وزملائه
ابن الشهيد*
المصدر موقع الاصلاح نت
Bookmarks