عبد الله حميد الدين : اليمن علي حافة الهاوية

[الجنرال مرحول]

عبد الله حميد الدين : اليمن علي حافة الهاوية

أزمة صعدة أحد تجليات فشل الدولة و الصراع علي مستقبل الحكم

بقلم عبد الله حميد الدين

تاريخ النشر: الجمعة 11 ديسمبر 2009 تم التحديث: الجمعة 11 ديسمبر 2009

الحوثيون يرددون شعار "الموت لأمريكا وإسرائيل" مثل حزب الله وإيران. ولديهم ميول شيعية أيضاً إذ يفضلون علياً على بقية الصحابة. أكثر من هذا هم يستعملون وسائل مقاومة عسكرية وإعلامية تشبه أسلوب حزب الله. وبالتالي فهم قطعاً شيعة إيرانيي الهوى والتأسيس والدعم. وهذه حقيقة لا ينكرها إلا مكابر لا يدري ما يجري.

هذا التفكير موجود على المستوى الرسمي أو الفردي. وما يؤسف له أن نجده يتكرر من خبراء. أنا أعرف أن وضع اليمن معقد، وأن المعلومات التي تأتي لا تساعد على التحليل، ولكن هذا لا يعني أن نطلق التفسيرات التبسيطية التي لا تتناسب مع أبجديات المنطق السياسي والاجتماعي. أبجديات من نحو كون التحالفات السياسية العابرة للدول لا تنشأ لمجرد تشابه سطحي بين طرفين. وكون من يقاتل مع الحوثيين من القبائل لديه هموم لا علاقة لها بإيران ومصالح إيران، ولن يرضى أن يقاتل لو علم أن القتال مدفوعاً من إيران. وكون الفقر والإهمال يجمع الناس ضد الحكومة في اليمن أكثر مما يجمعها المذهب. وكون الهوية المذهبية ليست بالضرورة مكون للهوية السياسية. فكون قيادة الحوثيين زيدية، لا يعني أن هوية الحوثيين ومشروعهم السياسي زيدي أو طائفي. وكون ميول القيادة الشخصية وأولوياته في المجتمعات القبلية لا تمثل بالضرورة ميول وأولويات من يلتفون حوله ويحمونه ويقاتلون معه أو ضد أعدائه. وبالتالي فأفكار حسين الحوثي أو أخيه عبدالملك لا تمثل أفكار كافة من يقاتل معه. وكون وجود أسلحة في أيدي الحوثيين لا يعني أن هناك دولة تقدم لهم ذلك. خصوصاً في اليمن الذي يتوفر فيها السلاح المتوسط والثقيل لدى كل قبيلة. وأما إذا أخذنا في الاعتبار ستة حروب خاضها الجيش اليمني بغير نجاح فيمكن أن نضيف هزائم الجيش مصدراً آخر للسلاح. وأكثر التفسيرات سطحية هي تلك التي تربط الأحداث بالهوية الطائفية، جاعلة من من التشابه المذهبي سبباً للحرب، والتي تذكر موقف الحوثيين من الصحابة في سياق تحليلها للاقتتال!

إذا لفهم أحداث صعدة لا بد من تجاوز سياسة البط هذه وقبول أن التشابه لا يعني التوافق أو التحالف أو الدعم. ولا بد من افتراض أن العلاقات والتحالفات السياسية أكثر تعقيداً مما نتصوره.

هناك أمر مؤكد وهو أن أحداث صعدة جزء الصراع السياسي والأمني في اليمن. وأغلب التحليلات السياسية تأتي من أطراف هي جزء من بالصراع، وبالتالي فلن تسعى للدقة بقدر ما ستسعى لعرض القصة بالشكل الذي يناسب مشروعها. فالحكومة اليمنية تواجه أزمة في الشرعية. أغلب أطراف المعارضة اليمنية لم تعد ترى أنه ممكناً حتى التصالح معها وأنه لا بد من تغيير كامل لها. ولمواجهة أزمة الشرعية هذه تحاول الحكومة أن تنسب إلى الحوثيين علاقة بإيران على أمل أن تكسب دعماً دولياً أو إقليمياً يساعدها على مواجهة أزمتها الداخلية. في المقابل نجد أن بعض المعارضة اليمنية ـ الجنوبية والشمالية ومؤخراً الشيخ حميد الأحمر ـ حريصة على نفي تلك التهم عن الحوثيين لأنهم لا يريدون من الحكومة أن تستفيد من هذه التهمة، ولكن أيضاً لأنهم يريدون التقارب مع الحوثيين باعتبارهم قوة مسلحة يمكن أن تخدم مشروعهم السياسي أو طموحهم الفردي. وبعض العرب يؤكدون تدخل إيران من باب التحذير لإيران لئلا تتدخل. ويبدو أن الرسالة وصلت لإيران ولذلك وجدنا التحول في الخطاب الإيراني الرسمي نحو أحداث صعدة والذي يفسره البعض على أنه تأكيد لدور إيران في اليمن، في حين إنه ليس إلا تأكيد منها أنها ليست هناك على الاطلاق.

ومؤكد أيضاً لمن يعرف اليمن أن حجم أزمة صعدة ومدى انتشارها ما هي إلا تجل من تجليات فشل الدولة من جهة والصراع على مستقبل الحكم في اليمن بين الرئيس علي عبدالله صالح الأحمر، والعميد علي محسن الأحمر، والشيخ حميد بن عبدالله الأحمر (علي عبدالله وعلي محسن من قرية بيت الأحمر من قبيلة سنحان. في حين أن حميد من أسرة الأحمر من قبيلة حاشد.). وبالتالي ففهمها وحلها يبدأ من صنعاء ويمر بصعدة ثم يعود لينتهي في صنعاء.

فالدولة في اليمن صارت تعد من الدول الفاشلة بسبب عجزها عن تقديم خدمات أساسية مثل الأمن، والسيطرة التامة على أراضيها، والقضاء، وحماية المال العام. والصراع على مستقبل الحكم في اليمن يقع بين أطراف مستعدة للاقتتال المسلح، ولكن تكافؤ قواها يردعها عن الاقتتال المباشر ويجعلها في حالة من الحرب الباردة المحلية. هذا الأمران ـ فشل الدولة والصراع على الحكم ـ حوَّلا محاولة اعتقال بسيطة لحسين الحوثي قبل عدة سنوات إلى ما يشبه حرب أهلية شاملة يتم فيها استخدام الأسلحة الثقيلة والطيران وكافة القوات المسلحة. لذلك فمحاولات فهم حجم الأزمة بالاستناد إلى تحليلات قوة الحوثيين لا تفيد كثيراً. لا شك أن للحوثيين قوة فاعلة، ولكن هذا وحده إنما يفسر صموداً محدوداً، ولكن ليس هذا الصمود الطويل الأمد. كما إنه لا يفسر انتشارهم. إن ما يفسر ذلك هو فشل مؤسسات الدولة الذي أدى إلى خلق سخط عام عليها. لذلك لا يجد الكثير من أفراد قبائل خسارة في القتال ضد الحكومة، في حين إن هناك مكاسب متعددة أقلها التعبير عن الذات. أيضاً يفسر قوة الحوثيين الصراع على الحكم الذي جعل من أجنحة الصراع تحول صعدة إلى ما يشبه أرض معركة بالوكالة، يقوم كل جناح بضرب خصمه من خلال إقحامه في المواجهة ضد الحوثيين. فالرئيس يقحم قوات علي محسن الأحمر هناك. وعلي محسن الأحمر يقحم قوات الرئيس. وهذا يخلق فرصة للحوثيين في المنتصف للاستفادة والتوسع.

أزمة صعدة تقع في سياق أزمة وحدة اليمن، وأزمة مستقبل الدولة اليمنية، وأزمة أمن منطقة الخليج. فاليمن الذي يعيش أكثر من نصف سكانه تخت خط الفقر، ومستوى البطالة فيه يزيد عن 35% في المائة لا يحتاج إلى أزمة تستنفذ موارده المحدودة. واليمن المهدد بانفصال لا يحتاج إلى أزمة تزيد من شق وحدة الصف الداخلية. وانهيار اليمن بكثافته السكانية وطبيعته الجغرافية سيعني مصيبة إنسانية لدول الخليج وتهديد أمني حقيقي.

اليمن على حافة هاوية، ومستقبله الأمني والسياسي على المحك وليس من مصلحتنا الاستمرار في سياسة الاستسهال عندما نحلل أحوال اليمن، ومن الضروري الخوض في تحليلات حقيقية تساعد أصحاب القرار على اتخاذ خطوات تؤدي إلى محاصرة المشكلة ثم حلها وليس إلى تفاقهما ثم انتشارها.

[مـــراد مـحـمـد]

أنا مع هذا التحليل النطقى لما يجري في اليمن