عبدالعزيز المقالح
«الجلاء» كلمة قرآنية ارتبطت بجلاء اليهود عن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، بعد أن كثرت جرائمهم واشتدت دسائسهم بين الأوس والخزرج سكان المدينة الاصليين من جهة والمهاجرين والانصار من جهة ثانية. وقد ترسبت هذه الكلمة في وجدان العرب واخذت في لغتهم مكانة الصدارة لانها تشير الى تطهير الارض من الأعداء وتحرير الاوطان من الغزاة. وفي العصر الحديث أضاف الشعراء الى هذه الكلمة ذات المعنى الواضح والقريب الى النفوس المتعطشة للحرية كلمة اخرى هي «عيد» فصار الجلاء -جلاء الغزاة والمحتلين- عن أي قطر عيداً لابنائه ومناسبة سعيدة يتذكرون فيها شهداءهم وتاريخ نضالهم الطويل من اجل الحرية والاستقلال وهما شرط الوجود الحر على هذه الارض.
وفي غياب الحرية والاستقلال لا وجود حقيقي للاوطان ولا كرامة لأبنائها الذين يتم النظر اليهم في حالة استعبادهم من قبل الاجنبي مجرد كم من البشر الخاضعين لارادة المحتل ليسوقهم كالاغنام ويتصرف في شؤونهم دون أن يولي وجودهم أي حساب. وقد عانى شعبنا ردحاً من الزمن وانقسمت ارادته كما انقسم ابناؤه الى شطرين يخضع احدهما للاحتلال والآخر للاستبداد، وبدا حال اليمن تحت وطأة هذه الظروف وكأن هناك اتفاقاً مكتوباً أو غير مكتوب بين سلطة الاستبداد وسلطة الاحتلال على تدمير روح الشعب وتحطيم قدرته على المقاومة واطالة زمن تفككه وإضعاف طاقاته.
لكن الشعوب لا تعدم الوسائل التي تعيد اليها حريتها وتنتقم فيها من غزاتها، وليس هناك من وسيلة انجع واكثر حسماً من المقاومة والتضحية بالنفس والنفيس. وبعد نضال طويل وتضحيات مريرة شاء الله ان تكون بداية تحرير الوطن من هنا من صنعاء بالقضاء على نظام الاستبداد والتخلف. وكانت الاستجابة سريعة من جبال ردفان ومنها الى بقية الجنوب اليمني المحتل، كما كانت البيانات والاذاعات تردد وتقول. واشتد الحصار على العدو الاجنبي في عدن وفي غيرها من المدن وارتفعت درجة حرارة الوعي الوطني ولم يتوقف قتال القوات الاجنبية إلاَّ بعد أن تحررت الارض اليمنية وجلا عنها آخر جندي بريطاني في مثل هذا اليوم 30 نوفمبر 1967.
لقد جاءت الخطوة الاولى من صنعاء متمثلة في الثورة على الاستبداد والدعوة الى الخلاص من الاستعمار، فكانت ثورة الرابع عشر من اكتوبر، التي نقلت نار المقاومة الى كل جزء من جنوب البلاد، وكان الثلاثون من نوفمبر تتويجاً وطنياً للثورة اليمنية الواحدة (سبتمبر - اكتوبر). واذا كانت الوحدة قد تأخرت بسبب الصراعات السياسية وما رافقها من تضحيات وحروب مؤسفة فان الثلاثين من نوفمبر اليوم الذي رحل فيه آخر جندي من الوطن سيظل واحداً من أهم أيام اليمن الخالدة.
Reply With Quote
Bookmarks