الحل الأمريكي الصهيوني أسوأ من الحرب

بقلم: د . إبراهيم المقادمة*

هناك تشابه كبير بين ما تخططه أمريكا وإسرائيل للعراق وفلسطين، وهناك نفس التشابه في الوسيلة التي تستخدمها أمريكا وإسرائيل لتنفيذ هذه المخططات وهناك وحدة في المصير الذي سيصير إليه العراق وفلسطين وبقية البلاد العربية إذا استطاعت أمريكا وإسرائيل تنفيذ مخططاتهما. وهذا من شأنه أن يدفعنا ويدفع كل عربي ومسلم أن يقف وقفة جادة في وجه هذا المخطط الخبيث.

أمريكا تريد الاستيلاء على العراق بكل وسيلة إذا استطاعت من خلال الضغط العسكري والسياسي كان بها وإن لم تستطع فالحل العسكري جاهز والحرب يحضر لها على قدم وساق فالقوات الأمريكية في المنطقة تؤدي دور الضاغط وتستطيع أن تتحول إلى الهجوم في كل لحظة.

وإسرائيل تحشد قواتها بكثافة حول المدن الفلسطينية للضغط وابتزاز السلطة والمقاومة معاً فإما ضمان الهدوء وإلا فالاجتياح وهذه القوى المحشودة الضاغطة تتحول إلى الاجتياح في كل لحظة وقد تحولت فعلاً في كثير من الأحيان. فيا ترى لماذا هذه اللعبة ذات النفس الطويل ولماذا لا تحسم أمريكا وإسرائيل خياراتهما بالقوة العسكرية الساحقة التي تمتلكها كلتاهما.

إن الدول الاستعمارية كأمريكا وإسرائيل تعرف من تجارب الاستعماريين السابقين أنه لا بقاء للمحتلين في بلد يصر أهله على المقاومة. هم يستطيعون فعلاً القضاء على دولة ضعيفة وبضربة ساحقة لكنهم لن يستطيعوا البقاء ليواجهوا المقاومة والاستنزاف المستمر للأفراد والأموال والمعنويات ولذلك أخطر ما يهم أمريكا اليوم في أفغانستان هو دعم النظام العميل هناك ليستقر وتأخذ أمريكا كل مكاسبها الاستراتيجية ولكن هذا النظام لن يعرف الاستقرار بإذن الله وإسرائيل تصر على إيجاد نمط لحدي أو كرزاي جديد ينفذ لها ما تريد دون لجوئها إلى مواجهة الشعب الفلسطيني المقاوم ولن تستطيع أيضاً بإذن الله.

إن أسلوب التهديد الذي تستعمله أمريكا وإسرائيل سيمكنهما بدون إراقة قطرة دم واحدة من تحقيق مطلبين هامين المطلب الأول هو الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لها أمريكا وإسرائيل من السيطرة وابتزاز الثروات، والمطلب الثاني هو الاستقرار حيث يكون هناك نظام في العراق وفلسطين يضبط الشعب العراقي والفلسطيني فلا تحدث مقاومة للأمريكان واليهود.

إن الشعب العراقي إذا احتلته أمريكا سيقاوم أمريكا إن عاجلاً أو آجلاً فلا يمكن لشعب أن يقبل بالاحتلال وتجارب التاريخ واضحة في ذلك وقد قاوم العراقيون الاحتلال البريطاني وكذلك الشعب الفلسطيني قاوم في السابق ولا يزال يقاوم بل وتتصاعد مقاومته ولجأت إسرائيل إلى تكرار النموذج اللحدي لكنها لم تستطع في فلسطين وكذلك في لبنان ولذلك فإنهما تريدان إيجاد نظام في العراق وفلسطين يستجيبان للتهديد فيسلمان بما تريد أمريكا وإسرائيل وهذا أخطر على الشعب العراقي والشعب الفلسطيني من الاحتلال المباشر لأن الاحتلال فعلياً موجود ولكن حق المقاومة غير مكفول وهذا أسوأ خيار فالحرب المباشرة أفضل لنا لأنها تستنفر كل قوى الشعب للمقاومة بينما بالطريقة الأمريكية الإسرائيلية يكون نصف الشعب مع المقاومة ونصف ضدها ومن هو ضدها تدعمه أمريكا وإسرائيل في مواجهة النصف الآخر.

هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي يمكنه أن ينجح إلى حين وبشرط وجود زعيم أو زعامة يهمها كرسيها اكثر من مصلحة الشعب فهي تتنازل عن مصالح شعبها في هذه الحالة من أجل الحفاظ على الكرسي وللأسف هذه ظاهرة يمارسها كل الحكام العرب حيث نسمع منافقي هذه الانظمة يردون على أي إنسان ينتقد زعيمهم بأنه يسب بلدهم وكأن هذا الزعيم أصبح هو البلد. وما اجمل شعر أحمد مطر وهو يصف أن أوطاننا اختزلت في كبسولة هي هذا الزعيم. ولذلك أمريكا وإسرائيل تحرصان على وجود هذا النوع من الزعماء وكل دعاوى أمريكا أنها تريد تصدير الديمقراطية إلى هذه المنطقة كلها دعاوى كاذبة كل وقائع التاريخ تكذبها، فأمريكا والغرب بشكل عام عارضوا نتائج الديمقراطية في الجزائر وتركيا والباكستان وإيران ولبنان لأنها جاءت بحكام لا تريدهم أمريكا والغرب.

ومن دون شك إن السبب الذي يجعل الشعب مستنفراً لمواجهة المحتلين ولا يكون بنفس الاستنفار لمواجهة حكامه الظلمة هو وضوح سبب الصراع بين الشعب والمحتلين وخفاء هذا السبب على بعض ا لناس تجاه الحكام الظلمة وعدم استعداد الناس لمواجهة إخوانهم الظلمة الذين يحمون النظام الظالم الفاسد. ولكن تجارب التاريخ كلها تدل على أن هذا النمط يستمر إلى حين كما أسلفت فالشعوب يعد تحررها من الاستعمار تتحمل من حكامها الفاسدين الكثير من المظالم لأنها تقارن بينهم وبين المحتلين فتفضل ظلمهم على ظلم الغرباء ولكن بعد فترة تطول أو تقصر يطفح الكيل وتنفجر الشعوب في وجه ظالميها فالظلم هو الظلم أياً كان مصدره وأيا ًكان من يقوم به. ونظرة فاحصة على كل الدول التي تحررت من الاستعمار تدلنا على حقيقة ما نقول حيث حدثت انفجارات في معظم هذه الدول لتصحيح نظام الحكم فيها بعد أن فقد الحكام الذين كانوا ثواراً سابقين بريقهم وذهب نضالهم وبقي ظلمهم وغشمهم. فأصبحت الحاجة ملحة للثورة على الثورة.

وإذا كانت الشعوب تغفر لحكامها ظلمهم فترة من الزمن لأنهم أصحاب ماض نضالي ولهم احترام في قلوب الجماهير فإن هذا الاحترام والهيبة لن تخدم طويلاً مع استمرار الظلم والفساد الذي عانت منه معظم الدول التي تحررت من الاستعمار.

وأعتقد جازماً في النهاية أن أمريكا وإسرائيل لن تحققا أهدافهما طالما أن هناك في بلادنا شعوباً حية تعيش بالإسلام الذي يدعوها إلى رفض الاحتلال الأجنبي والظلم الداخلي وفق سنة وصفها الله عز وجل (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).

*أحد قياديي حركة "حماس" في قطاع غزة.