في حديث مأثور عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورد قوله مناجيا الخالق ـ سبحانه ـ: (اللهم أنت كما أحب فاجعلني كما تحب)، وهذه كلمة مختصرة ولكنها تحمل في طياتها معارف لا تحد بالعلاقة بين الإنسان وربه فمسيرة الإنسان في الدنيا انما تكون نافعة له إذا كانت باتجاه رب العالمين، اما إذا كانت هذه المسيرة منكوسة بإتجاه اهواء الذات، وشهوات النفس، وبالتالي بإتجاه الأرض فإن الإنسان سوف لا ينتفع بعمره فحسب، بل انه لا يزداد في حياته الا بعدا عن تلك الأهداف والطموحات التي يريد ان يحققها في حياته.
ومسيرة التكامل إلى الله ـ عزوجل ـ تتمثل في الانتقال من الدرجات المادية الصرفة إلى الدرجات العالية من الكمال، وحتى عندما يدخل الإنسان الجنة فإن الله ـ سبحانه ـ لا يدعه على مستوى واحد، بل يزيده كمالا وعلوا. وهذا يعني ان تكامل الإنسان لا ينتهي، بل يظل مستمرا إلى أبد الآبدين.
ومن هنا فإن هذه المسيرة هي مسيرة تصاعدية يتحرك على ضوئها الإنسان إلى الله، ولعل الآية القرآنية التي تقول: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات/ 56] تشير إلى هذه الحقيقة، لان الإنسان يتكامل بسبب عبادته وطاعته وخضوعه لله وتسليمه له، فكلما عبد الله أكثر، كلما تكاملت حياته أكثر. فلقد أودع الله تبارك وتعالى في ضميره حب التكامل والتسامي والعروج إلى العلا وعبادة الله سبحانه هي التحرك نحوه؛ أي ان يكون همه وأعظم غاياته في الحياة ان يعيش إلهيا ربانيا كما يريد الخالق.
وعلى هذا فإن أهم عمل يجب ان نقوم به في حياتنا هو السعي من أجل ان نكون إلهيين، وان نعيش كما يريد الله عزوجل، فهو يريد منا ان نتخلق بأخلاقه وفي الحقيقة فإن هذه هي مسيرة الإنسان، فأهم هدف وغاية له ان يتقرب إلى الله سبحانه عبر الاتصاف بما يطالبه الله منا ونحن كلما زدنا من الصفات الحسنة في أنفسنا، كلما ازددنا قربا من الله ومن هذه الصفات صفة العلم؛ فالله يحب العالم، ولا يريد الجاهل، وقد جاء في الحديث الشريف: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم)، والسبب في ذلك ان العالم عندما يقوم بنشر العلم لإنقاذ المجتمع وبالتالي العالم من الرذيلة والفساد فإنه سيكون أفضل من العابد الذي يسعى من أجل ان ينقذ نفسه فحسب.
ومن جملة ما جاء في سورة الأحزب التي يبدو انها مخصصة للحديث عن علاقة الأمة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم التأكيد على ان النبي أسوة للجميع حيث يقول تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) [الأحزاب/ 21]. فالذي يريد ان يعيش إلهيا فلابد ان يتبع منهج الرسول ومن يريد ان يصل إلى الله تعالى عليه ان يسلك الطريق الذي أمر به سبحانه وتعالى، عبر الإتصال بالرسول الكريم وذريته الطاهرة وصحابته المنتجبين الكرام.. ان نعيش إلهيين فلنعش محمديين.. وهذا هو طريق السعادة في الدنيا والخلود في جنان الله في الآخرة.

تحياتي