بقلم/ إلياس حنا*
-العراق والاستراتيجية العسكرية الأميركية
-المتغيّرات الأساسية بين حربي الخليج الثانية والوشيكة
-العراق ودروس الحرب الأفغانية الأخيرة
تقوم الاستراتيجيّة على مثّلث مقدّس هو: الأهداف، والوسائل وطريقة التنفيذ، والعقيدة أو المبدأ Strategic Doctrine. ولكلّ مستوى من الدول هناك، مستوى معيّن من الاستراتيجيّة. فالدول الصغرى، هي بالتأكيد ليس لديها استراتيجيّات كما الدول الكبرى. الدول الصغرى، تحاول التعايش مع ما يفرض عليها النظام العالمي الذي تعيش فيه. إذا هي في حالة ردّ الفعل، وليس الفعل.
”
الدولة النوويّة، خاصة في الشرق الأوسط، هي دولة تملك ردعا أساسيا قادر على أن يُترجم على مستوى التأثير السياسي. هذا هو وضع إسرائيل، والتي تتفوّق على العرب في المستوين، السلاح التقليدي، وغير تقليدي
”
من هنا تحاول هذه الدول رصد الساحة العالميّة وما يدور عليها، من توازن للقوى، وتعارض مصالح بين الجبابرة، كي تستطيع رسم استراتيجيّتها لتستمرّ كلاعب معترف به. وتحاول الدول الصغيرة الاستفادة من الظروف المواتية لها، وتعمل على تقليل الخسائر قدر الإمكان ساعة المُحاسبة.
هكذا حصل مع فيتنام الشماليّة في حربها ضد أميركا. فهي اعتمدت استراتيجيّة الدفاع التكتيكي، والهجوم الاستراتيجي. أي، أنها خططت لحرب تكتيكيّة مع الأميركيين، تستطيع أن تستمرّ فيها إلى وقت طويل. وانتظار الفرصة المواتية للانقضاض على الجنوب من خلال هجوم شامل لإعادة توحيد البلاد. وكانت قد أمنت لهذه الاستراتيجيّة الوسائل اللازمة. السلاح، الدعم السياسي والاحتضان من قبل الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى إرادة وطنيّة صلبة لتحمّل عدد من الضحايا دون حدود. ولا تشذ إسرائيل عن هذا التصنيف. فهي أمنت كل ما يلزم لابتلاع فلسطين، وضرب أي تهديد لكيانها.
.
العراق والاستراتيجية العسكرية الأميركية
يشكّل العراق مركز ثقل العالم العربي. فيه الثروات، والقدرات البشريّة وكل ما يلزم أية دولة كي تكون فاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد استطاع العراق الانتقال من دولة تعتمد على السلاح التقليدي، إلى دولة كان من الممكن أن تنضمّ إلى النادي النووي، لولا التدخّل الإسرائيلي لضرب مفاعل اوزيراك.
إن إعادة رسم وفهم الاستراتيجيّة العراقيّة، يُلزمنا الانطلاق من سعي العراق لامتلاك الأسلحة الغير تقليديّة، ومن خلال حروبه المتعدّدة مع محيطه. فالسعي إلى السلاح النووي والحصول عليه، هو من الأمور التي تجعل العراق دولة إقليمية، لكن مع أبعاد وتأثيرات دوليّة. فالدولة النوويّة، خاصة في الشرق الأوسط، هي دولة تملك ردعا أساسيا قادر على ان يُترجم على مستوى التأثير السياسي. هذا هو وضع إسرائيل، والتي تتفوّق على العرب في المستوين، السلاح التقليدي، وغير تقليدي.
انطلاقا من هذا السعي العراقي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، كانت المغامرات الحربيّة مع محيطه، خاصة مع الأشقاء، حتى ولو كانت هناك خلفية معينة في تفكير الرئيس العراقي تتعلّق بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي. وبدا العراق في هذه المغامرات، وكأنه يعتقد أنه يعمل في فراغ دبلوماسي إقليمي وعالمي. فالأهداف التي كان يطمح إليها، كانت ممكنة التحقيق مقارنة مع وسائله المتوفرة. لكن السؤال الباقي هو "هل مسموح للعراق أن يحقّق هذه الأهداف"؟. بالطبع كلاّ.
تستعدّ القوات الأميركية حاليّا للقيام بحرب ضدّ العراق. وهي تقريبا أصبحت كاملة في كل الأبعاد البر والبحر والجو والفضاء. تتميّز هذه الحرب عن حرب الـ 1991 بأنها تستهدف تغيير النظام. كما أنها تأتي بعد 11 سبتمبر/ أيلول. وهي مع ابن الرئيس الذي خاض الحرب الأولى. كما أنها لا تنال موافقة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، باستثناء بريطانيا. وهي تأتي بعد تجربتين حربيّتين ناجحتين للجيش الأميركي في كل من كوسوفو وأفغانستان. إضافة إلى كل هذا، تبدو الدول المحيطة بالعراق وكأنها تلعب لعبة مزدوجة تجاه الحرب على العراق. هي ضدّ الحرب رسميّا، وبصورة علنيّة. لكنها تستضيف القوات الأميركية التي ستشارك في الحرب.
المتغيّرات الأساسية بين حربي الخليج الثانية والوشيكة
المتغير الأول.. المنظومة الأمنية
بعد ان انتهت أميركا من الحرب الأولى، فرضت في وقت لاحق بمساعدة إنكلترا منطقتي الحظر الجوّي. وهي كانت قد أرست منظومة أمنية محدّدة في منطقة الخليج، لتنفّذ استراتيجيّة ثنائيّة الأهداف.
”
تبدو الدول المحيطة بالعراق وكأنها تلعب لعبة مزدوجة تجاه الحرب على العراق. هي ضدّ الحرب رسميّا، وبصورة علنيّة. لكنها تستضيف القوات الأميركية التي ستشارك في الحرب
”
الهدف الأول، لتطبيق الاحتواء المزدوج على كل من العراق وإيران.
الهدف الثاني، المحافظة على منطقتي الحظر الجوّي فوق العراق.
ومن أجل التنفيذ على أرض الواقع، لا بد من وجود البنى التحتيّة اللازمة. فكانت الاتفاقات السريّة مع دول الخليج. القواعد الجويّة المنتشرة دائريّا حول العراق. والعتاد المخزّن مسبقا في بعض البلدان، كالكويت. ومراكز القيادة المتقدّمة، وذلك إلى جانب تأمين القواعد البحريّة (البحرين). والسيطرة على الخطوط البحريّة، وعلى الأجواء. ونشر قوات عسكريّة قليلة العدد كافية لاستيعاب أي خلل أمنى، بانتظار استقدام قوات إضافية، تكون البنى التحتيّة المعُدّة سلفا بانتظارها.
Bookmarks