التمرد المسلح في القانون الدولي
يعد التمرد المسلح أخطر أشكال العصيان والخروج على سلطة الدولة ، وذلك بسبب ما يتضمنه من إنكار للشرعية الدستورية والقانونية القائمة ومن تهديد لهيبة الدولة والشروع في تقويضها ، ومن هنا فقد أجمعت كافة أشكال النظم القانونية ، منذ أقدم العصور وحتى اليوم ، على تجريم كل أفعال ومظاهر الخروج على سلطة الدولة أو تحديها ومعاقبة مرتكبيها بأشد أنواع العقوبات ، بل أن كافة الدساتير والنظم الحديثة – ومنها دستور الجمهورية اليمنية – تحمّل رئيس الدولة ، باعتباره رمزا للشرعية الدستورية والقانونية ، مسؤولية مواجهة وقمع أي حركة تمرد وإعادة إرساء النظام وتوفير الأمن والسكينة العامة للمواطنين وتأمين حياتهم وأعراضهم وأموالهم .
وقد جاء ميثاق الأمم المتحدة ، باعتباره مصدراً وإطاراً للشرعية الدولية ، ليقرر للدول الأعضاء الحرية المطلقة في كيفية مواجهة التمرد المسلح ، معتبرا أن حق الدولة في قمع وإخماد حركات التمرد المسلحة هو حق مطلق يتقرر للدول كنتيجة منطقية لمبدأ سيادة الدولة بوصفه المبدأ الرئيس الذي يقوم عليه ميثاق الأمم المتحدة ، حيث يجعل الميثاق من مبدأ سيادة الدولة حدا فاصلا بين المجال الدولي ومجال الإختصاص الداخلي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، ولا استثناء لهذه القاعدة سوى الأحوال التي يقرر فيها مجلس الأمن الدولي ،وفقا للفصل السابع من الميثاق، أن المنازعات الداخلية المسلحة قد أصبحت تشكل تهديدا للأمن والسلام الدوليين ، وفي هذه الحالة يجب أن يصدر مجلس الأمن قرارا بذلك كما فعل – متعسفا - بالنسبة للنزاع القائم في دارفور بالسودان . أما في غير هذه الأحوال فلكل دولة الحق الكامل في مواجهة حركات التمرد المسلحة بالطرق التى تراها مناسبة في اطار أحكام دستورها وقوانينها الوطنية .
ونظرا لخطورة التمرد المسلح على كيان وأمن الدولة ، فإن أي تدخل أو مساعدة من قبل أية دولة أخرى للمتمردين الذين يحملون السلاح ، يعتبر عملا عدائيا من قبل الدولة القائمة به ، وفي حالة ثبوته يرتب مسؤوليتها الدولية وفقا لميثاق الأمم المتحدة أو حتى وفقاً للأعراف والقواعد الدولية التي يجري عليها التعامل الدولي منذ أقدم العصور .
وقد يثار التساؤل هنا عن مدى حقوق المتمردين في ظل أحكام القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان الموقع عليها من قبل الدولة التي تواجه التمرد المسلح ، وفي هذا الصدد نبادر الى القول أن كل من يحملون السلاح في مواجهه سلطة شرعية منتخبة وفقا للأصول والقواعد الدستورية والقانونية ومعترف بشرعيتها وسيادتها من قبل المجتمع الدولي ، لايتمتعون بأية حقوق قانونية خاصة ، وكل مافي الأمر أن الدولة تلتزم في مواجهتها للمتمردين بالقواعد والإجراءات القانونية التي تقتضيها عملية مواجهة الجرائم الجسيمة الموجهة ضد أمن وسلامة المجتمع وفقا لما تقرره المنظومة الدستورية والقانونية القائمة .
ومع ذلك ، يفرق بعض فقهاء القانون الدولي بين نوعين من التمرد المسلح :
التمرد المسلح العسكري ، أي الذي يقوم به قطاع أو قطاعات مسلحة كانت تشكل جزءا من القوات المسلحة النظامية للدولة ولكنها تمردت على السلطات الشرعية في الدولة وبدأت في مواجهتها ( كما حدث في اليمن أثناء مؤامرة الردة والإنفصال عام 1994 ) . وفي هذه الحالة يذهب بعض الفقهاء إلى أن القوات العسكرية المتمردة يتقرر لها الحد الأدنى من الحقوق الانسانية أثناء النزاعات المسلحة وفقا للبروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع المتعلقة بالقواعد الدولية الواجب مراعاتها أثناء المنازعات المسلحة ، وذلك إذا توافرت الشروط الآتية :
1 – أن يكون لهذه القوات قيادة مسؤولة لها السيطرة الكاملة على القوات المنضوية تحت لوائها
2 – أن يكون لهذه القوات زي عسكري مميز وأن تحارب تحت علم واحد
3 – أن يحمل المحاربون السلاح علنا
4 – أن تحترم هذه القوات قواعد وأعراف الحرب النظامية بما في ذلك مراعاة حقوق الأسرى والمرضى من العسكريين من الطرف الآخر.
5 – أن تحترم القواعد القانونية والأعراف الدولية في حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة ومن بينها ، بل وفي طليعتها ،عدم استخدام المدنيين كدروع بشرية أو شن هجمات من تجمعات يسكنها مدنيون .
أما النوع الثاني من التمرد ، فهو التمرد المسلح الذي يقوم به مدنيون قرروا حمل السلاح في مواجهة الدولة وتحدي السلطات الشرعية فيها (كمايحدث ) ، وفي هذه الحالة هناك إجماع بين فقهاء القانون الدولي على أن يعامل هؤلاء المتمردون معاملة المجرمين الخارجين عن القانون ، ولا يتمتعون بأية حماية دولية مع ملاحظة ماسبق الأشارة اليه من التزام سلطات الدولة في مواجهتها لهذا التمرد بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في دستورها وقانونها الوطني ، ولا يعاقب عليها من المجتمع الدولي .
المفضلات