الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

القلب لطيفة ربانية مودعة باحكام في خلقة العبد بأوصافها المخلوقة وما ألهمت ، وهي تترقى بالعلم والمجاهدة لتقطع العلائق والحجب المانعة من الوصول وحقيقة المعرفة .
هذا القلب الذي قال عنه الامام الغزالي : القلب من عالم الملكوت وهو بالنسبة للعبد منزل من الأسرار المودعة بعناية ربانية ولا يطلع عليه الا الله وترد عليه من الخواطر المحمودة ما دام العبد مستقيما على الحق لا يبغي الا وجه الله تعالى ، والعبد لا يتذوق حلاوة الأنس الا اذا قطع العلائق بهمة وهيبة العبد المفتقر الموقن بربه .
قال أهل المعرفة : الخواطر المذمومة محلها النفس ، والخواطر المحمودة محلها القلب .

فنفس العبد بحاجة الى مجاهدة لتتخلص من عاداتها وأوصافها المذمومة كالكبر والغضب والحسد والحقد والبخل وقلة الاحتمال وما شابه ذلك لتتعود على مخالفة هذه العادات وهي في حذ ذاتها حجب وموانع تشوش خاطر العبد وقلبه وتمنعه من العبادة الحقة والمعرفة الحقة .

قال الحبيب وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :

(رأيت ربي ليلة المعراج في أحسن صورة) الحديث

قال الامام القشيري : أراد به رؤية العلم لا الادراك البصري

فرؤية العلم التي تكلم عنها القشيري محلها القلب في صفاءه ونوره ومعرفته .

فالعبد المخلوق كلما ترقى بمعرفته وغذى وجدانه حبا وشوقا ومعرفة وخوفا وجد الله ، فسبحان من أودع فينا هذه اللطيفة لتكون شاهدا بالعلم ، فالحبيب شاهد قلب المحب وحاضر قلبه كأنه يراه عيانا ولو غاب عنه .

قال الحبيب وهو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :

( اذا تجلى الله بشيء خشع له ) الحديث

والقلوب تخشع بوجلها لرب العالمين ، وهو مقام يجد فيه العبد لذة
ومن صفا قلبه وسره صار له غذاءا حتى أنه لن يصبر عنه .
والعبد قريب من ربه بقلبه ، والقرب صفة من صفات القلوب دون الأجسام وأول مراتبه القرب من طاعته وشغل الأوقات بعبادته ومحبته ، فمحبة العبد لله تعالى هي التعظيم وايثار الرضا والتسليم
والمحب ملازم لا يبرح بقلبه عن ذكر محبوبه لسانا وسرا
وحب العبد لمولاه حالة يجدها في قلبه وهي ميل دائم متواصل حبا وشوقا ، وبالمحبة تتحقق الخلة،

قال الشاعر : قد تخللت مسلك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلا

والمحبة حالة شريفة وهي مطلوبة شرعا ، قال تعالى ( يحبهم ويحبونه ) سورة المائدة الآية 54

والقلب يكتسب المعرفة وهي ضرورية للعبد وتحقق لأن كل ما يدل على الله فهو نور

قال تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) سورة البقرة 282

والمعرفة في صفاءها نور وتحقق ومشاهدة وادراك الغيوب بأنوار الأسرار عند صفاء القلوب من الأدناس والأقذار

فيصير العبد كأنه ينظر الى الغيب من وراء ستر رقيق من صفاء المعرفة .