الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر
عرض: إبراهيم غرايبة
يتناول هذا الكتاب علاقة الديني بالسياسي في وعي النخب الفكرية الحديثة والمعاصرة: كيف تمثلها هذا الوعي؟ وكيف عبر عنها خلال قرن ونصف القرن؟ وهي المسألة التي انعقدت فيها كافة القضايا المتصلة بمسائل الاجتماع السياسي والاجتماع الديني، في مجتمعات العالمين العربي والإسلامي

وقد شغلت نخب الفكر الإسلامي بأسباب هزيمة المسلمين أمام زحف أوروبا الظافر. وقد أدى هذا الإدمان في فهم أسباب وعوامل التردي إلى غلبة السياسي على الفكر الإسلامي، وانصراف المثقفين والفقهاء وعلماء الدين والدعاة والمؤرخين ورجال الدولة إلى الفكر السياسي الذي خرج من سياق علم السياسة ليتحول إلى شأن عام يتعاطاه كل الكتاب.
وصار الإنتاج الفكري غزيرا في الكم فقيرا في النوعية، يصفه المؤلف باللغو الأيديولوجي في مسائل مستغلقة على غير أهلها من المالكين شرائط النظر والفحص.
ويغطي الكتاب بالمراجعة والتحليل الإنتاج الفكري الإسلامي عبر خمسة أجيال من المفكرين. وهي الجيل الإصلاحي الأول، مثل رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. والجيل الإصلاحي المتأخر أو الثاني، مثل عبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا والنائيني. والجيل الثالث مثل عبد الحميد بن باديس وعلي عبد الرازق وحسن البنا وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي والخميني وعلال الفاسي ومحمد الغزالي وسيد قطب وحسن الهضيبي. والجيل الرابع، مثل سيد قطب ومحمد قطب ويوسف القرضاوي ومصطفى السباعي وعبد السلام ياسين. والجيل الخامس، مثل عبد السلام فرج وراشد الغنوشي وحسن الترابي (مخضرم) وفهمي هويدي ومحمد عمارة.

ولم تكن الأجيال وبخاصة الثالث والرابع والخامس متوافقة فكريا، ولكنها ظهرت في مرحلة زمنية واحدة. فقد شهدت اختلافات فكرية بلغت في المراحل المتأخرة إلى حد التباعد مسافات فلكية، كالفرق مثلا بين راشد الغنوشي ومحمد سليم العوا، وبين عبد السلام فرج وشكري مصطفى.
الدولة والشريعة</SPAN>
ينطلق الخطاب الإسلامي في مساجلته مع العلمانية من اعتبار العلمانية فلسفة خاصة بالغرب معبرة عن خصائص تجربته التاريخية والدينية، وأنها لذلك السبب غير قابلة للاستدعاء أو التوظيف. وأن النظم القائمة على أساسها غير قابلة للانطباق على واقع الاجتماع السياسي في البلاد الإسلامية، والبديل هو تطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة والحكم والتي تصلح لكل زمان ومكان.


القرضاوي يقول إن مرجعية الشريعة لا تلغي الاجتهاد والنظر فيما لا نص فيه أو فيما هو ظني الثبوت أو ظني الدلالة، وهذا يشمل تسعة أعشار النصوص أو أكثر مما يحتمل تعدد الاجتهاد والفهم والاستنباط
والقرضاوي يقول إن مرجعية الشريعة لا تلغي الاجتهاد والنظر فيما لا نص فيه أو فيما هو ظني الثبوت أو ظني الدلالة، وهذا يشمل تسعة أعشار النصوص أو أكثر مما يحتمل تعدد الاجتهاد والفهم والاستنباط.
ويبدو أن دائرة الاجتهاد لدى علال الفاسي أوسع من سابقتها لدى القرضاوي، فهو ينطلق من فكرة المقاصد الشرعية التي قررها الفقيه الكبير الشاطبي. ويذهب إلى القول إن المقاصد الشرعية تتحول بدورها إلى معيار تتحدد به كيفية تطبيق النصوص الشرعية الصريحة. فالاجتهاد ممكن مع النص وفي حالة وضوح حكمه، يقول "إن المقاصد الشرعية تؤثر حتى على ما هو منصوص عليه عند الاقتضاء، وليس توقيف عمر بن الخطاب عقوبة السارق عام المجاعة إلا لأن قصد الشارع معاقبة السارق لا الذي تفرض عليه الحاجة أن يظهر بمظهر السارق، لأنه إذا جاع الناس وكان عند غيرهم ما يزيد على حاجته أصبح من حقهم أن يأخذوه وأن يقاتلوا عليه".
أشكال القطيعة بالفكر الإسلامي
جاءت في مسار الفكر الإسلامي قفزات ومنعطفات مفاجئة تختلف عن سابقاتها على نحو مضاد أحيانا، فالإصلاحية جاءت تشكل قطيعة مع السياسة الشرعية، وسلفية رشيد رضا أنجزت قطيعة أولية مع الإصلاحية، وإحيائية حسن البنا استكملت تلك بقطيعة مضاعفة مع الإصلاحية ومع سلفية رضا، وخطاب الحاكمية والتكفير مثل قطيعة مع الخطاب الإخواني، وولاية الفقيه كانت خطابا شيعيا منفصلا مع خطاب المشروطة الذي قدمه النائيني.

ولكن القطيعة التي أوجدتها حركة الصحوة الستينية والسبعينية مع الخطاب الإصلاحي دفعت مفكرين جدد إلى مراجعة خطاب الحاكمية والتكفير، والعودة إلى الأصول الفكرية الإسلامية الحديثة. ومن هؤلاء محمد الغزالي ويوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وعبد الله النفيسي من داخل صفوف الإخوان، ومحمد سليم العوا وطارق البشري وفهمي هويدي وأحمد كمال أبو المجد من الإسلاميين المستقلين.
وأما الذين عادوا بالفكر الإسلامي إلى أصوله الإصلاحية فهم على الأغلب من الباحثين المستقلين، مثل محمد عمارة وفهمي جدعان، ووجيه كوثراني ورضوان السيد ومحمد فتحي عثمان.

المصدر الجزيرة مع تحيات الذهبية اقراء ونمي مداركك