دعا رئيس جمهورية اليمن الجنوبي سابقاً علي سالم البيض صراحة في إطلالاته الإعلامية الأخيرة إلى انفصال جنوب اليمن أو إلى ما وصفه بـ«إعادة الاستقلال»، قاطعا بذلك 15 عاما من الصمت الذي فرضته عليه سلطنة عمان في أعقاب لجوئه السياسي إليها. فهل تؤجج دعوته النار مجددا في اليمن؟ وهل تستجاب؟ لا بد من التذكير بداية، بأن البيض خرج من اليمن في العام 1994 بعد هزيمته في الحرب التي رسخت الوحدة بالدم، ذلك ان توليه آنذاك منصب نائب الرئيس علي عبد الله صالح، لم يفلح في إزالة التنافر الشخصي بينهما أولا، وتناقض المصالح ثانيا بين الشمال والجنوب. وقيل الكثير، خلال الحرب وبعدها، عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بعلي سالم البيض إلى «ارتكاب « إعلان انفصال الجنوب، الذي يكرر»ارتكابه» الآن . وثمة من قال في العام 1994 انه نزع صوب سلخ الجنوب عن اليمن في أعقاب عودته من الولايات المتحدة، ووعود حصل عليها من هناك ومن الجار السعودي، ذلك ان السعودية ونظام علي عبد الله صالح كانا في أوج تنافرهما، وثمة من رأى انه بعدما فشل في فرض وجهة نظر الحزب الاشتراكي والنقاط العشر المشهورة على البلاد، قرر الانكفاء ثم الانفصال. أمّا منصفوه فيقولون انه لم يقرر الانفصال إلا بعدما ضاق به الحال، وبعدما أيقن ان علي عبد الله صالح يريد السيطرة على مقدرات الجنوب والهيمنة على كامل البلاد. بقي الانفصال سرا كبيرا، تماما كما كانت عليه نجاة علي سالم البيض من المجزرة التي وقعت في مقر الحزب الاشتراكي في العام 1986 حين قتل الرفاق رفاقهم لمصالح سلطوية وحزبية. لقد عفا صالح عن قيادات كثيرة من الحزب الاشتراكي، وسمح للحزب باستئناف نشاطه، وتنافر مع حليفه في حرب العام 1994، التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي النزعة، فعادت قيادات الاشتراكي إلى البلاد واستعادت عملها الحزبي، لا بل وعادت إلى الواجهة منفردة أو في إطار اللقاء المشترك، ولكن الجنوب بقي يشعر بالتهميش وبشيء من السيطرة الشمالية عليه. وها هو علي سالم البيض يخرج عن صمته مكللا خطابه بالدعوة إلى الانفصال، وثمة من سيتلقف دعوته لصب الزيت على النار، وآخرون، حتى من بين رفاقه القدامى، سيرفضونها لان الوحدة خط أحمر. هنا بالضبط يكمن واجب أن يفتح علي سالم البيض دفاتر الماضي، وان يشرح لشعبه بالكامل، وليس فقط لأبناء الجنوب، تفاصيل تاريخه، وان يقول بشفافية عالية لماذا قرر الانفصال، وأين ذهبت أموال الحزب ومقدراته، ومن هي الدول التي دعمته آنذاك ولماذا. ربما سيقنعهم وربما لا، ولكن يجب ان يشرح. من المستغرب، لا بل والمستهجن، أن يعلن قائد عربي في الظروف الراهنة رغبة بالانفصال، وبمزيد من تفتيت جسد الأمة. كان يمكن لعلي سالم البيض، ان يعلن بعد خروجه عن صمته الطويل، أنه سيسعى لترسيخ الوحدة، وأنه يطالب بإصلاحات سياسية وإدارية لكامل اليمن، تماما كما يفعل القادة الصابرون في الحزب الاشتراكي وغيره، أما ان يخرج عن صمته ليعلن الانفصال، فليته لم يخرج. منقول للامانه