بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سلام عليكم ورحمة اللَّـه وبركاته :
قالَ فضيلةُ الشَّيخِ عبد اللَّـه الفَوزان ـ حفظه اللَّـهُ تَعالى ـ :
ويجب الحذر من زخرفة المساجد والتباهي بذلك – كما هو الواقع اليوم – وذلك من علامة الساعة، وقد نصّ العلماء على كراهة ذلك، وصرح بعضهم بالتحريم [ المجموع (2/180)، أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (2/46)].
وقد ورد عن أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"[ أخرجه أحمد (19/372) وأبو داود (449) والنسائي (2/32) وابن ماجه (739) وابن خزيمة (2/282) وابن حبان (1614) و(6760) من طرق عن حماد بن سلمة، وإسناده صحيح على شرط مسلم. رجالة ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم.].
قال البخاري: قال أنس: يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. اهـ. والتباهي بها: العناية بزخرفتها، والتسابق في ذلك.
وقد نهى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن زخرفة المساجد؛ لأن ذلك يشغل الناس عن صلاتهم، مع ما فيه من الإسراف والتبذير، فقال – رضي الله عنه – عندما أمر بتجديد المسجد النبوي – مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال -: "أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمّر أو تصفّر، فتفتن الناس"[انظر: فتح الباري (1/539)].
قال النووي : (يكره زخرفة المسجد ونقشه وتزيينه؛ للأحاديث المشهورة، ولئلا يشغل قلب المصلي) [ المجموع (2/180)].
ولعل المراد بذلك كراهة التحريم لما في ذلك من إضاعة المال، والتسبب في إشغال المصلين، وإبعادهم عن الخشوع والتدبر والحضور مع الله تعالى. وقد ذكر كثير من أهل العلم زخرفة المساجد من البدع في الدين [ انظر: الإبداع في مضار الابتداع ص (74، 183)، الأمر بالاتباع ص (300)].
قال ابن بطال بعد أن ذكر آثاراً تدل على كراهية المغالاة في تشييد المساجد وتزيينها قال: (وهذه الآثار مع ما ذكر البخاري في هذا الباب تدل على أن السنة في بنيان المساجد القصد وترك الغلو في تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنائها . . . وكان عمر رضي الله عنه قد فتح الله الدنيا على أيامه ومكنه من المال فلم يغير المسجد عن بنيانه الذي كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء الأمر إلى عثمان، والمال في زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل في مكان اللبن حجارة وقصّة [ القصة: بفتح القاف: الجصّ بلغة الحجاز.] ،
وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يقصّر هو وعمر عن البلوغ في تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما من الرسول بكراهة ذلك، وليقتدى بهما في الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد في معالي أمورها، وإيثار البلغة منها [ شرح ابن بطال على صحيح البخاري (2/97، 98) وانظر: الحوادث والبدع للطرطوشي ص(103).] .
ويجب الحذر من الإسراف في توابع المسجد أو مكملاته من محرابه وأبوابه ونوافذه وفرشه وإنارته ومكبرات الصوت، ووسائل التبريد، فلابد أن يكون ذلك بالقدر الكافي، والحذر مما يزيد على كفاية.
وينهى عن زخرفة المحراب، أو كتابة شيء من الآيات أو تعليق الساعات ونحو ذلك مما يكون في قبلة المصلي، قال الإمام مالك – رحمه الله -: "أكره أن يكتب في قبلة المسجد بشيء من القرآن والتزويق" وقال: "إن ذلك يشغل المصلي" [ الحوادث والبدع ص(107).] .
وجاء في ترجمة منذر بن سعيد البلوطي أبو الحكم الاندلسي قاضي الجماعة وكان كان فقيها محققا وخطيبا بليغا مفوها ( من سير أعلام النبلاء ) :
" قال ابن عفيف من أخباره المحفوظة أن أمير المؤمنين عمل في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة وجلس فيها ودخل الاعيان فجاء منذر بن سعيد فقال له الخليفة كما قال لمن قبله هل رأيت او سمعت ان احدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا فأقبلت دموع القاضي تتحدر ثم قال والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ ان انزلك منازل الكفار قال لم? فقال: قال الله عزوجل (( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة(( ... إلى قوله .... (( والاخرة عند ربك للمتقين )) الزخرف 35-33 فنكس الناصر رأسه طويلا ثم قال جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين ، الذي قلت هو الحق وامر بنقض سقف القبة . "
سير أعلام النبلاء (15/271)
تم النقل بزيادة بسيطة
Bookmarks