جرى العمل على قدم وساق داخل بناية تعج بالنشاط وتفوح منها رائحة الحيوية والجد ..
بناية تضم بين جنباتها أكثر مخلوقات الله نشاطاً وإخلاصاً لعملهم على وجه الأرض ..
بناية يطلق عليها ..
مكتب الاستخبارات الشيطانية ..

*********************************
تجول عيناه الناريتان لتتفحص المكان بنهم شديد .. فاليوم فقط سيشهد ارتباطه الأبدى بهذا المكان ..
تلك البناية التى حلم بالانضمام اليها منذ أمد بعيد ليطفئ ما استعر بجوفه من نيران ثأر قديم ..
مبهوراً يسير .. منجذباً يحدق هنا وهناك .. تصافح عيناه بعض اللافتات التى تزين الجدران ..
" ( الخلاعة ) كنز لا يفنى .. "
" لا تؤجل ( ذنب ) اليوم إلى الغد "
ها هو حلم عمره يتحقق .. لقد صار أخيراً عضواً فى الفريق ..
لطالما حلم بأن يصير ذا شأن كبير .. أن يحقق الرقم القياسى كأكبر مصدر للذنوب على الأرض ..
أن يصفق الكل له وأن ينبهروا بخبثه ودنائته وحقارته وكفره وأن يحسده الجميع على هذا التفوق ..
صحيح أنه يغوى البشر طوال عمره .. لكنه لشد ما اشتاق الى من يصقله بالخبرة ..
لشد ما اشتاق أن يعمل على نطاق أوسع .. وأكثر احترافاً .. وأن يحقق انتصارات أكبر ..
أخيراً ..
دقائق محدودة ويقابل " الابليس الأكبر " ذلك الأسطورى الذى أقام حروباً عالمية ، وأشعل الفتن ، وأثار النزاعات ، وكان السبب فى تمزيق أطفال لا تحصى ، والمحرض على معاصى تنفطر لذكرها الأفئدة .. أحقاً سيفعل ؟!! أسيلقاه ؟!! ..
نعم .. ولم لا ؟ .. لماذا يحقر من نفسه ؟!! .. إنه يستحق على كل حال .. الكل يشيد به وباستعداده العالى .. لسوف يفعل من الأهوال ما هو أكثر وأشنع وأفظع ..
ويلكم منه أيها الآدميون الملاعين .. فإنه قادم ..

*************************************
" البداية لن تكون سهلة على الإطلاق "
هكذا قال الإبليس الأكبر محدثاً إياه وهو يشرح له حالة الفريسة الجديدة الذى كلف بترويضها وإخضاعها .. وتتدفق الكلمات :
- شخص غبى متقلب .. وهذا هو أسوأ وأعقد ما فيه .. أنه متقلب .. حقاً لقد حرنا فى أمره ، يوم معنا ويوم يسبب لنا خسائر فادحة .. ولن أتنازل حتى أذل ناصيته .. أتفهم ؟ .. أخبرتك أن الأمر ليس سهلاً .. لكن صدقنى هو أيضاً ليس صعباً .. ما البشر هؤلاء يا صغيرى إلا عجينة يسهل تشكيلها وقتما وكيفما تشاء .. نفوسهم أحوج ما تكون إلى الدنائة والشهوة والخطايا ، حتى الثابت منهم ، ببعض الجهد يصبح فى قبضتنا ، إن تمرد فى بداية الأمر فسايره واجعل الأمر تدريجياً .. حاول اقناعه بأن الخطأ صواب والعكس .. شوش الصور فى ذهنه ، اعكس الحقائق ، وسيدهشك حقاً تعاونه معك .. هكذا هو.. سيحاول أن يقنع نفسه أن ما يفعله من خطأ هو قمة الصواب ستهيئ له نفسه ذلك .. سينقاد وراءك ببلاهة تذهلك .. سيسقط فى الفخ بسهولة ويسر لم تتوقعهما على الإطلاق .. ولكن الخطر كل الخطر فى أن يفيق ويعود لرشده .. عندها ستكون الكارثة ، إياك أن تسمح للندم أن يتسلل لنفسه فهذا هو السبيل لهلاكنا .. فلتزعزع إيمانه الثابت من البداية .. اجعل هدفك تحطيمه ، فإن لم تفعل فسيفعل هو بك ..

ياااااااه !! .. لكم هو رائع حديثك أيها الإبليس الأكبر !! ..
حقاً صدق من قال : ( خذوا الحكمة من أفواه الشياطين ) ..
خرج من عنده منتعشاً منتشياً .. حماسه يتدفق حمماً ملتهبة ، يتوق بشدة للبداية ..
لبدايته .. كمحترف ..

*******************************
مساء الخير .. كيف حالك أيها الآدمى ؟!! .. عساك بخير ، لقد كنــ.. ماذا تفعل يا رجل بحق الجحيم !! .. أتترك بيتك ومتطلباته وتتصدق بمالك الذى قاتلت للحصول عليه لبعض الشراذمة !! .. عجباً .. البيت أولى بهذا يا رجل ..
" إن تمرد فى بداية الأمر فسايره واجعل الأمر تدريجياً "
خيبك الله .. أتنحى شهوتك ومرحك جانباً من أجل طعام زائد فى البيت ؟! .. فلتمرح قليلاً يا هذا ، حسناً فلتسرع إنه ميعاد فيلم السهرة .. ماذا ؟!! .. كفاك استفزازاً إن العشاء لن تضيع ، وعقارب الساعة لا تعدو وراءك .. اجلس واستمتع ثم فلتصل كما تشاء .. هه لقد انتهى الفيلم ، كان مثيراً بحق ، يا للإرهاق ! فلتخلد للنوم وليسامحك الله بشأن العشاء .. أستيقظت للتو فقط ؟؟ .. حسنا صباح الخير والطاعة .. اوووفففففف ، حقاً مكتبك غير مريح ووضعك ليس على ما يرام ، أكل هذا الشقاء من أجل بضعة ملاليم فى نهاية الشهر؟! .. سحقاً ، هاهى الخزينة أمامك فلتنهل منها ما شئت .. ماذا ؟ .. كفاك سخفاً ولا تكن أحمق ، أنت تسرق من أجلك من اجل حياتك وأولادك وبيتك .. ثم إنهم لا يقدرونك حق قدرك .. خذ يا رجل .. خذ .. وتيقن من أن الله لن يسألك .. هذا من أجل بيتك ..
" حاول اقناعه بأن الخطأ صواب والعكس .. شوش الصور فى ذهنه ، اعكس الحقائق ، وسيدهشك حقاً تعاونه معك "
حسناً .. لقد صار البيت مملاً حقاً .. زوجة مملة ملطخة بالثوم لا تكل من الطلب وقول " هات " ، أولاد مزعجون كشياطين مريدة - مع حفظ المقامات بالطبع - .. اوووووووووووووووووووففففففففففففففففففف .. حقاً أنت تظلم نفسك .. أجل .. حرامٌ عليك .. فلتبحث عن بعض الترويح .. بعض المتعة .. هذا مفيد حرصاً على عقلك المثقل بالأعباء والطلبات وهموم المنزل .. نعم هذا صحيح ..
إن زوجتك لن تحزن لفعلتك القذرة هذه كثيراً .. ثق بهذا ..
" أخبرتك أن الأمر ليس سهلاً .. لكن صدقنى هو أيضاً ليس صعباً .. ما البشر هؤلاء يا صغيرى إلا عجينة يسهل تشكيلها وقتما وكيفما تشاء .. نفوسهم أحوج ما تكون إلى الدنائة والشهوة والخطايا "
لكم أنت حكيم أيها " الإبليس الأكبر " !! ..

**********************

- حيوان آخر سقط فى المصيدة يا زعيم .. العملية تمت بنجاح ..
- رائع .. إن لك مستقبلاً باهراً ..
- هل من خدمات أخرى ؟!! ..
- أجل .. كخطوة تأكيدية حتى نتيقن من ولاءه ووقوعه التامين ، كن معه للغد وتابعه .. وبعدها انتقل لغيره .. نفذ ..
- حاضر سيدى ..

*******************************

صاحبنا البشرى اياه جالس يفكر .. لقد تيقن من شيطنة الامر وأنه سقط كالغر الساذج وأحرز لهم نصراً جديداً لم يعد شيطانه يتوارى أو يتخابث لكى يحدثه لقد صار الامر صريحاً فلقد انتهى أمره بالنسبة لهم وجندوه كشيطان آخر انسىّ لحسابهم .. وأتى شيطانه .. وحدثه :
- أنت فى تقدم هائل .. ان هذا السبيل لسعادتك ومنحك حياة أفضل .. ثق بى ..

- ماذا فعلت البارحة حقا ؟ .. أنا لا أصدق .. لن أغفر لنفسى هذا أبداً
- ما بالك يا رجل ؟! .. لقد كنت على وشك الانفجار فلترحم نفسك قليلاً ..
- لا .. تباً لى .. أنا نادم ..
- نادم ؟!!!!!!! .. " لقد أصبح الوضع رهيباً ها هو الندم يلوح ، لابد لى من التأثير عليه " .. نادم ؟!!!! .. بئس الرجل أنت .. متى ستفهم ؟!! ..

- لا .. أنا حشرة .. كيف فعلت ما فعلت ؟ .. كيف لم أفكر بزوجتى ..
- " ياللهول !! .. لقد تأزم الوضع " .. قلت لك أنت لم تخطئ .. لم تخطئ ..
- أستغفر الله العظيم .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
- اخرس !!!! .. اخرس !!!!! .. عليك اللعنة .. " نريد امدادات يا زعيم سرييييييييييعاً .. النجدة .. الامداداااااات " ..
رفاق العمل يتحركون .. صراع بينهم وبين الآدمى .. صراع دائم من بدء الخليقة وحتى يوم الدين ..
صراع لن يتوقف أبداً ..
إلا بهزيمة أحد الطرفين ..
وفى النهاية بالفعل .. كما لك أن تتوقع تم إعلان انتصار أحد الطرفين ..
******************************
منقوووووووول