بسم الله الرحمن الرحيم


بقلم الدكتور: علوي بن عمر بن فريد
الشيخ حسين بن عشيم الطوسلي


(الثائر الذي لا ينام)

قبائل العوالق العليانقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمعن)
1- آل علي 2_آل محمد

وتتفرع قبيلة آل محمد إلى:
1- آل سليمان 2_آل أحمد السر
3-الطواسل 4-آل مقبلة

والقبيلة التي نحن بصدد الحديث عن واحد من قادتها التاريخيين وأشجع رجالها هي قبيله الطواسل والتي ينتمي لها الشيخ
حسين بن عشيم الطوسلي وتتفرع الى الفروع التالية :
1- آل أحمد بن عمر ويسكنون في كور الطواسل والمصينعه وخمار
2-آل باشعيرة ويسكنون في كور الطواسل = = =
3-آل بارجيله ويسكنون = = = = = = =
4-آل مصروره = = = = = = = = =
5-آل لسد ==== = = = =
6-آل جدح ==== = = = =
7-آل موذن = = = = = =

وينحدر الشيخ حسين بن عشيم من فرع "آل باشعيرة".

الولادة والنشأة:

ولد "حسين"في كور الطواسل في بيئة جبلية صعبة التضاريس وعاش في كنف أبوين كريمين *ولما كانت منطقة
العوالق غارقة في الجهل ولايوجد سجلات للمواليد إلا أنه وحسب مصدر موثوق ولد عام 1910م
وقد نشأ"حسين" وترعرع في كور يخلب -وشعاب الكور حيث أن معظم قبائل الطواسل قد عاشوا في كور العوالق ويعتمدون في معيشتهم
على تربية الأغنام والجمال ويأنفون من ممارسة الأعمال الزراعية رغم أنهم يملكون أراضي زراعية ولكنهم يوكلون أمرها لبعض الفلاحين وكانت الأمطار غزيرة والمياه وفيرة والغابات خصيبة في بداية القرن العشرين والتحطيب كان نادراَ إلا للضرورة لطهي الطعام مع قلة الناس في ذلك الوقت !!


مرحلة الشباب :


كانت الحروب منتشرة بين القبائل ومعظمها على المراعي والمياه والثارات القبلية القديمة ..لذا نشأ الشاب "حسين بن عشيم " في أجواء
الحروب وكانت عيناه كالذئب إن غفلت عين تنبهت الأخرى .. وقد خاض العديد من الغزوات والحروب القبلية مع قبائل عديدة
وتحجر قلبه ولم تعد ترعبه البوادي وأصوات الرصاص والدماء التي تسيل أمامه فقد تعود على ذلك منذ صغره ومطلع شبابه .
ولما كان الشيخ حسين بن عشيم الطوسلي يعيش في ذلك الجو الحربي لم يتمكن من أخد أي قسط من التعليم في حاضرة آل محمد ( المصينعة ) بسبب بعدها عن مقر عشيرته في الكور والبقاء فيها دون حماية قبلية و الخوف من قتله!!!
علماَ ان المشايخ "آل أبو حربة " كانوا منارة علم وصلاح في "المصينعة" ويعلمون أبنائها في كتاب القرية القرآن الكريم والصلاة
وأحكام الدين مثل سائر قرى مشيخة العوالق العليا ورغم ذلك فقد كان الطواسل يعرفون واجباتهم الدينية الأساسية ويعلمون أولادهم الصلاة وقصار السور من القرآن الكريم .

الشخصية القيادية :

ظهرت على الشيخ حسين سمات القياده مع شجاعة وإقدام وكان يقود نخبة من شباب آل باشعيرة عند تنقلاته في مناطق العوالق
وأسلحتهم لا تفارقهم ليلاَ و نهاراَ كعادة سائر القبائل العولقية و قد كان الشيخ حسين سريع الحركة فصيح اللسان جريْ البيان قوي البنية مربوع القامة يميل إلى الطول قوي الجسم
أسمر اللون له لحية سوداء كثة متوسطة وسلاحه "زكي كرام" لا يفارقه أبدا.
وكان الشيخ حسين شخصية مرحة لاذع النكتة عريض الابتسامة يشيع جواَ من المرح والتفاؤل بين رفاقه أينما حل * وكان حليماَ
واسع الصدر ولكنه يغضب غضب الحليم !!

دخول بريطانيا بلاد العوالق :

بعد التشاور والاتفاق بين سائر قبائل معن بفرعيها آل علي - وآل محمد تم استدعاء بريطانيا من قبل آل فريد وتم إنشاء " مشيخة العوالق العليا وخليفة"عام 1951م بموجب معاهدة الاستشارة بين الطرفين وقد تم توزيع الإدارات في الصعيد وعتق والمصينعة وعين الشيخ "محمد بن محسن بن عيدروس وكيلاَ لآل محمد * وكذلك عين "محمد بن أحمد بن عيدروس"حاكماَ عرفياَ في المصينعة * وقد تم بناء محكمة (إدارة ) وثكنة عسكريه .

الثورة في مشرس:

في عام 1954م و بعد الانشقاق الذي حصل بين آل فريد وخروج قسم كبير منهم إلى "يهدد" بكور العوالق *ثار آل محمد بن رويس
"آل سليمان " كما ثار الطواسل بقيادة الشيخ حسين بن عشيم ضد الانجليز وقد عمل الجميع على مهاجمة وضرب المعسكرات
والمراكز الحكومية في : يشبم - الصعيد - المصينعة * وقد قام الطواسل بإحراق منزل بن لصور الذي كان مركزاَ عسكرياَ * كما قام الانجليز بتدمير سبعة منازل في "قوبان" لآل سليمان * ولكن الأمير عبد الله بن محسن بن فريد تمكن من احتواء الموقف وأعاد إخوانه من آل فريد وكذلك آل سليمان والطواسل بعدهم بفترة وجيزة .
الشيخ حسين عضواَ في المجلس القبلي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيعام 1958م)
تم إنشاء مجلس قبلي لمشيخة العوالق العليا مكون من (14)عضوأَ من أهم شخصيات معن وخليفة (لمزيد من التفاصيل انظر كتاب : تاريخ قبائل العولق العليا جـ2 ص 413_414)
وقد عين في المجلس من آل محمد :
1-الشيخ محمد بن محسن بن عيدروس السليماني
2-الشيخ حسين بن عشيم الطوسلي
وهذا المجلس هو بمثابة "مجلس الشورى "لمشيخة العوالق العليا وخليفة ومهمة هذا المجلس انه هيئة استشاريه وليست جهة تنفيذية ويقترح المجلس الحلول المناسبة للقضايا القبلية الشائكة أو المستعصية الحل التي عجزت عن حلها المحاكم الشرعية والعرفية أو الجهات الأمنية أو الإدارية في المشيخة * وبحكم خبرته القبلية فقد ساهم الشيخ حسين مع أعضاء المجلس في حل الكثير من القضايا القبلية .

الحرب القبلية بين الطواسل والمرازيق :

"كانت الحروب قد خفت بعد دخول بريطانيا وساد الهدوء واتفاقيات الصلح بين القبائل في معظم مناطق معن - والمحاجر *إلا أن النزاع القبلي بقي يراوح مكانه بين قبيلة "الطواسل" من "معن" وقبيلة "المرازيق" من "المحاجر" وقد أدى ذلك النزاع إلى تدخل أهل علي إلى جانب الطواسل * مما هدد بإتساع رقعة المعارك بين معن والمحاجر .
(لمزيد من التفاصيل انظر كتاب :تاريخ قبائل العوالق جـ 3 ص 13-14-15-16-17 )

ابن عشيم الثائر في الكور :

بعد أن قامت الدبابات البريطانية في ابريل عام 1959م بضرب منازل آل أبو بكر بن فريد ولجوئهم إلى كور العوالق انضم إليهم الشيخ حسين ثائراَ وآل باشعيرة وجماعات أخرى من آل علي وكان الشيخ حسين ابن العوالق البار الذي لا يتردد في نجدة أي قبيلة عولقية كان رجل المواقف واللحظات الحاسمة الصعبة وطوال عام كامل كان إلى جانب إخوانه مقاتلا وقاد معهم معارك عنيفة انقطع خلالها الطريق * واستمرت المناوشات على المراكز الحكومية وضربها ليلاَ وعززت بريطانيا من وجودها في المنطقة وكان الثوار من الطواسل يتمركزون في (مداران ) غمقَة في (مذاب) .
أما آل سليمان فقد كانوا يتمركزون في بابرمة - الطحيلة - مشرس
وفي 27/ابريل/1961م قامت بريطانيا بحملة حربية شاملة حيث تقدم الجيش ودارت المعركة في "الهضوم" و"المصينعة" و "الخشعة " و "خمار" و "حبرة " وكان في خط المواجهة
آل باشعيرة - الطواسل - بقيادة الشيخ "حسين بن عشيم" وآل سليمان بقيادة محسن بن ناصر وجماعته وفي ذلك يقول الشاعر الكازمي :
من دي مسيره من بلد عليا عوراء وصوراء والهوس فيها
كم هي مدافع دي تهاجمهم والجيش يرجع من ملاجيها
واستمرت العمليات الحربية في كور العوالق لمدة شهر كامل - ثم انسحب الثوار إلى البيضاء في شمال اليمن
(انظر كتاب : تاريخ قبائل العوالق جـ 3 ص 37-38-39 ) وبعد معارك الكور بقي الشيخ حسين متنقلا بين الكور ومنطقة آل محمد وكان كعادته متيقظا بسبب اندلاع الحروب القبلية من جديد بين آل باشعيرة وقبائل أخرى وظلت يده على الزناد حتى عام 1965م

الشيخ حسين وجبهة التحرير:

ولما كان على صلة بالقضايا المصيرية لليمن والجنوب فقد خرج ثائرا من جديد وتوجه في نخبة منتقاة من رجال آل محمد_من الطواسل -وآل أحمد السر *واتجهوا جميعا إلى البيضاء ثم إلى تعز وهناك التحقوا بجبهة التحرير عام 1965م-وفي نفس العام انضم إليهم كل من:الشيخ أبو بكر بن علوي والشيخ علي بن احمد السليماني (قاضي اتحاد الجنوب العربي)ومعهم مجموعة من رجال العوالق*وكانوا يشنون عمليات قتالية ضد الجيش والأمن ومراكزه في منطقة العوالق العليا*وفي عام 1966م انضم إليهم الشيخ عمر بن أحمد

الأصدقاء الأربعة :

جمعت الشيخ حسين بن عشيم صداقة قوية ومتينة بثلاثة من أعز أصدقائه هم:
1:الشيخ الصرامي بن محسن 2:الشيخ عمر بن احمد بن صالح بن فريد 3:الشيخ صالح بن أبو بكر بن فريد
أما أكثر المقربين له فهو : هادي بن علي
وقد عاشت صداقتهم وكانوا معا في السراء والضراء*ورغم افتراقهم عن بعضهم البعض إلا أنهم ظلوا على تواصل دائم*في كل المواقف.أما هادي فقد كان ظله الذي لا يحيد عنه.

العودة إلى العوالق:عام 1966م:

عندما اضطربت الأحوال في الجنوب وعادت كوادر الجبهة القومية والرابطة والتحرير إلى الجنوب ونشطت تلك الكوادر في الداخل استعدادا ليوم الاستقلال كانت بريطانيا قد عقدت (الصفقة ) مع الجبهة القومية منفردة *وعندما شعر الشيخ حسين أن الهدف القادم لبريطانيا والجبهة القومية هو الحرب على آل محسن بن فريد رأس الحكم في مشيخة العوالق العليا ومن باب الوفاء والشهامة العولقية وعند اندلاع الحرب عليهم حال الشيخ حسين دون قصف (حصن شيلوب ) لوجود المقدم أحمد صالح شهوان ورويس أبو بكر بن محسن ومعهما مجموعة من المقاتلين *

الشيخ حسين وأهم صفاته:

من أهم صفاته الشجاعة فقد ولدت معه ونمت في قلبه ووجدانه*فكان مقداما لا يهاب الموت بفعل الغزوات والحروب القبلية التي خاضها وهو شخصية قيادية من الطراز الأول ولا يعيبه إلا الحماس والاندفاع والثقة في نفسه بل حدود!!! والشيخ حسين كريم النفس لا يخلو منزله من القبائل القريبة والبعيدة وكان يكرم الوافد والعابر رغم ضيق العيش وله مواقف إنسانية من أبرزها قضاء حوائج الأيتام والمحتاجين والوقوف إلى جانبهم في الحق ويتمتع الشيخ حسين بروح الدعابة والمرح فهو خفيف الظل سريع النكتة مع الكبير والصغير لطيف المعشر عاش حياته ثائراً محلقاً كالنسر ينشد الحرية فلا يجدها ويثور من جديد بحثاً عنها . تزوج الشيخ حسين وخلف من الأولاد : عوض ، طالب ، فيصل ، محمد ..وله ست بنات .

الجبهة القومية تنفرد بالحكم :

عندما استولت الجبهة القومية منفردة بحكم الجنوب وضربت عرض الحائط بكل النداءات الوطنية المخلصة التي كانت تدعو إلى إشراك القوى السياسية في الحكم.
وردت على الجميع بحملات القمع والاعتقالات لكل الوطنيين من سائر القوى الوطنية..ومن سخرية القدر أن الرجال الشجعان الذين قادوا الثورة ضد الإنجليز في جبال ردفان وكور العوالق في حطيب ومنطقة معن ومنهم:
آل معور وآل أبو بكر بن فريد وآل لبوزة وآل با شعيره وآل سليمان وغيرهم من قبائل الجنوب من خمسينيات القرن الماضي، لم يعترف الرفاق الجدد بنضالهم وتضحياتهم وأصبحوا مطلوبين بعد أن أطلقوا عليهم ( القوى المضادة للثورة ) إضافة إلى عناصر جبهة التحرير والرابطة والضباط المسرحين اجتمع هؤلاء وقرروا القيام بحركة مسلحة ضد الجبهة القومية [راجع معركة السوداء لكاتب المقال- مذاب الشهد]

معركة السوداءنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي4أغسطس 1968م)

عندما علم الثوار بالعملية الغادرة التي قام بها الجيش ضد أبناء العوالق وردفان وإطلاق النار عليهم في الصحراء والعثور على جثث كل من:
1:النقيب ناصر سيف بن علي اليسلمي 2:سالم محمد عجروم اليسلمي 3:ناصر بن صمل الشريط لحمدي 4:علي مجلبع لسد الطوسلي
غضب العوالق لتلك العملية الجبانة وقرروا الدخول الى قرن السوداء على الفور رغم كل المحاذير التي ذكرناه(راجع سير القتال في السوداء)
وقد كان الشيخ حسين ينتظر وصول الإمدادات والأسلحة عبر الصحراء ولكن سبق السيف العذل * ومن جهة أخرى ذكرت بعض ا لمصادر أن الثوار بقيادة صالح بن أبو بكر بن فريد في محطة الفرط حاولوا نصرة إخوانهم العوالق أثناء سير القتال إلا أن آل خليفة اعترضوهم (والله اعلم )
لقد قاد الشيخ حسين بن عشيم أولئك الرجال وهو مؤمن بعدالة قضيته وفي الوقت نفسه يعرف تماماً حجم التضحيات للوصول إلى أهدافه وهو يدرك تماما انه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما النصر أو الشهادة .. ونال الشهادة في ذلك اليوم الأغر ..4 أغسطس 1968م عن عمر يناهز ال58 عاماً ودفع حياته ومعه 35 شهيداً هم كوكبه من خيرة فرسان القبائل العولقية تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنهم فسيح جناته وستظل ذكراهم حية في قلوبنا نتوارثها على مدى أجيال.