دوماً ما تحيرني أفعالنا (العرب)..فنحن أهل الحضارات و التاريخ صار يضرب المثل بنا في الغباء و التبلّد.
أصبحنا أناس فرغت أجوافها و بقت أجسادها تتحرك..كيف؟ صدقوني إن قلت بأنني لا أعلم و لا أملك الإجابة لهذا السؤال.
فالأكل ليس الشيء الوحيد الذي يبقينا على قيد الحياة..قد يبقي أجسادنا على قيد الحياة نعم..لكنه عادة لا يغذي الروح..هناك العديد مما يغذي أرواحنا..فقد قال غاندي "أنا لا أعيش لآكل..بل آكل لأعيش" لكن كما يبدو لي فإن الجميع تهمه بطنه فيعيش ليأكل و ليميت غيره من الجوع..ها نحن نعيش في وقت أصبح من الصعب تفرقة من هم في الطبقة المتوسطة من الطبقة الفقيرة..بل إنه أصبح مستحيل جداً وجود الطبقة المتوسطة الدخل في يومنا هذا..فالجميع أصبح يعاني من الفقر و قلّة الدخل المادي..و الأغنياء منّا بدلاً من مساعدة المحتاجين يذهبون و ينفقون الأموال في أمور تافهة كالفضائيات و القنوات المشفّرة.
سؤال عابر..
لماذا يطلق العرب الـ"ـفضائيات" لإثبات تطورهم بينما يطلق الغرب المكوكات الـ"ـفضائية" إلى القمر و مارس لإثبات تطورهم؟
ألا يعلم الناس بأننا حينما ندخل الحمام لنستحم و نخلع ملابسنا بأننا نتساوى مادياً؟
وحدهم أصحاب العقول هم من يكونون الأغنياء وقتها..فما في العقول لا يزول لكن المال يزول كلّما خُلِع الملبس.
أتذكر قبل فترة قصيرة قمت بكتابة موضوع بالإنجليزية من أجل صديق..و كان الموضوع متعلق بالمناضل الأمريكي من أصول أفريقية مارتين لوثر كينغ جوونيَر..فشدّني تشبثه بقضيته..فقد حب بلده رغم كل القسوة التي مر بها هو و كل من عاش في تلك الحقبة و كان من أصل أفريقي..و في خطابه الشهير (لدي حلم) قال "لدي حلم في يوم من الأيّام أن أبنائي الأربعة سيعيشون في دولة لن تلقي الحكم عليهم من لون بشرتهم و إنما من خلال مضمون عقولهم"..ألا نرى؟ فالجميع يقدس العلم كما لو أنه دين يُمارس..فالعلم و المعرفة أهم مقومات الشعوب..وليس الشكل الخارجي هو المهم...بل المضمون هو المهم و الأهم من ذلك هو أن كثيرين منّا لا يعون بأننا أصبحنا في زمن التطورات التقنية التي تُسهل علينا المعرفة..ولكننا نتراجع تدريجياً إلى الخلف..لا داعي لي بأن أتحدث عن الغرب..فما يهمني هو نحن و ما حلّت بنا من مصائب هائلة..لكننا نستصغرها..فالغرب رغم الفسق و الإنفتاح الذين هم عليه إلّا أنهم يبهروننا بكل شيء يقومون بالعمل به...فهم بالفعل أصحاب هذه النهضة الحضارية التي بُنيَت على أسس نحن (أو بالأصح أجدادنا هم) أصحابها..
هناك حقيقة مرة تشعرني بغصة في حلقي كلما أفكر فيها..وهي بأن الأثرياء العرب بأموالهم الطائلة يقومون بمشاريع عادة ما تقوم بإدارتها شخصيات أجنبية..فنحن نفضل الأجنبي عن أبن الأرض نفسها..لماذا؟ و كأنهم وحدهم أصحاب الخبرة فقط..و من المستحيل لأبن البلد أن يكون بنفس المستوى التعليمي و المعرفي..ألا نرى ماذا حل بنا من مصائب بسببهم؟..فكيف تتأثر الدول العربية من مشاكل بنوك أمريكية.؟ إلا لأننا نعتمد على غيرنا في كل شيء تقريباً.!
متى سنتحرر..و ننطلق في الآفاق مع بقية السرب..؟ لماذا نبقى دائماً في المؤخرة..في آخر الصفّ..؟
إن كانوا أجدادنا على قيد الحياة لشعروا بالخجل من أفعالنا..لتبروا منّا جميعاً..فقد خذلناهم و نكّسنا رؤوسهم إلى الأرض و هبّت رياح التحضّر الزائف و أحرقت ما صنعوه من أسس و كل ما بنوه من أجل بناء قاعدة صلبة يتربى عليها أجيال بعدهم..
أفكر و أقول..هكذا أصبح جيل اليوم..فيخيفني التفكير بكيف سيكون جيل الغد..
هل هناك صحوة قادمة..أم فقدنا الأمل تماماً و ما نحن إلا في إنتظار البوق و الصفّارة الأخيرة..؟
Bookmarks