حكومة باجمال تستعد لسحق المواطنين
مسلسل درامي دامٍ مازالت حلقاته تتوالى منذ أن بدأ العمل ببرنامج الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي الذي أثبتت سنوات عمره التسع، مدى الأثر المدمر الذي ألحقه باقتصاد البلد ومعيشة المواطنين·
أوضاع اقتصادية أكثر من مأساوية، واحتقان شعبي يتولد لدى المواطنين، دون إدراك حكومي لمخاطر ذلك، وانعكاساته على أمن البلاد وسكينتها العامة·
ومنذ العام 1995م، وكل ما يهم الحكومات المتعاقبة هو تنفيذ إملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، القاضية بإلغاء الدعم عن قوت البسطاء، ورفع أسعار الخدمات الأساسية والضرورية، وصولاً الى تخفيض الدعم عن المشتقات النفطية التي تجري الحكومة حالياً ترتيباتها لتنفيذها مطلع الشهر القادم، والتي ستكون بمثابة رصاصة الموت الاخيرة التي توجهها الحكومة الى صدور الفقراء، ليس لأن الحكومة ستكف عن سياستها الاقتصادية المغلوطة، ولكن لأن شريحة كبيرة من المواطنين ستعيش في مجاعة يهلك على أثرها أعداد كبيرة منهم، بعد أن تحل كارثة اجتماعية مدمرة تلحق أضراراً خطيرة على البلاد·
وحسب مصادر مطلعة، فإن الحكومة تنوي تنفيذ قرارها القاضي بتخفيض الدعم عن المشتقات النفطية مطلع يوليو القادم·
وأشارت المصادر الى أن الحكومة أجرت استعدادتها لذلك من خلال اتخاذ بعض التدابير التي تلجأ إليها كحجج عند رفع الدعم عن المشتقات النفطية·
وأضافت أن تمرير قانون التعرفة الجمركية كان إحدى هذه الخطوات التي تسبق الجرعة، بعد أن أوهمت الحكومة المواطنين أنها خفضت أسعار عدد من السلع عن طريق إعفائها من الجمارك، وهو ما سبب عجزاً في الموازنة ستلجأ الى تعويضه عن طريق رفع أسعار المشتقات النفطية، والذي سيؤدي الى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمية بشكل كبير، الأمر الذي سيخلق أزمة اقتصادية حادة بين أوساط المواطنين الذين ستضيف هذه الجرعة الى كواهلهم أعباء لايستطيعون تحملها·
وهو ما أشار اليه خبراء اقتصاديون في تحذيراتهم من إقدام الحكومة على رفع أسعار المشتقات النفطية·
وقالوا في تصريحات مختلفة لـ"الوحدوي" إن شريحة واسعة من سكان اليمن لم تعد تحتمل أية أعباء اقتصادية أو معيشية أخرى؛ كونهم عاجزين عن مواجهتها جراء تفشي البطالة وسط الشباب، وارتفاع معدلات الفقر بشكل متسارع خلال السنوات القليلة الماضية التي قذفت معها بملايين المواطنين للعيش تحت مستوى خط الفقر·
من جهتهم، أشار خبراء في علم الاجتماع الى أن استمرار التدهور الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، وانخفاض متوسط دخل الفرد جراء تدهور سعر العملة وتفشي البطالة وظهور الفوارق الطبقية التي تبتعد كل منها عن الأخرى بشكل عكسي، سيولد لدى الشباب شحنات عنف داخلية، ويخلق لديهم نفسية عدوانية تهدد السلم الاجتماعي·
وأكد خبراء علم الاجتماع على ضرورة إدراك الحكومة خطورة البعد الاجتماعي جراء
الاستمرار في سياستها الاقتصادية المغلوطة·
مسرحية
ورغم كل تلك الاستعدادات الحكومية لتنفيذ جرعة الموت القادمة، لاتزال فصول مسرحية رفع الدعوى ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك، مستمرة·
وإن كانت عريضة الدعوى التي رفعتها الغرفة التجارية ضد هؤلاء المسؤولين، بسبب مخالفتهم الدستورية في إقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، إلا أن مراقبين أكدوا أن الهدف الوحيد من إقامة الدعوى هو مزايدة السلطة أمام دول العالم، واستعراض لعضلات الديمقراطية الزائفة التي عجزت عن توفير رغيف الخبز للفقراء، وهي الديمقراطية نفسها التي دفعت بالأطفال والرجال والنساء الى الهروب من البلاد، والتسلل عبر حدودها الشائكة الى دول الجوار، بحثاً عن لقمة عيش لم يجدوها في بلدهم، متحدين بذلك أخطار رصاص عسس الحدود، ووحشية عصابات إجرامية استغلت حاجة هؤلاء أبشع استغلال·
وعلى سطح البحر يقتل الصيادون على أيدي جنود أريتريا، دون ذنب اقترفوه سوى أنهم يمنيون خرجوا بقواربهم -التي تنهب أيضاً- للبحث عن قوتهم ومن يعولون·
ولأنهم يمنيون، فلن يطالب أحد بمحاسبة القتلة·
أما أولئك الذين يبيعون كل ما يملكون، ويقترضون ما يسعفهم به أقاربهم وأصدقاؤهم في سبيل فتح مشروع صغير يعيشون من خلاله، بعد أن سدت الحكومة الأبواب في وجوههم، فإنهم يتعرضون لشتى أنواع الجبايا من قبل سلطة لاتنظر الى مواطنيها بعين المواطنة·
وبدءاً بالضرائب المفروضة على هذه المحلات الصغيرة، مروراً بالواجبات ورسوم البلدية، وما يستجد عند المناسبات الوطنية من مهام يجب عليهم القيام بها، ينتهى الأمر بإفلاس المشروع وضياع مستقبل أسرة بكاملها·
كل ذلك، الى جانب الأضرار التي تلحق بأصحاب المحلات جراء تكرار انطفاء التيار الكهربائي لعديد مرات في اليوم الواحد، يقضي على آمال المواطنين الذين يحاولون الاعتماد على أنفسهم في لقمة عيش حلال·
وهو ما دفع بالمواطنين الى مطالبة وزير الكهرباء بتقديم استقالته كأقل ما يمكنه القيام به في ظل وضع سيئ لهذه الخدمة التي لم تعد مجال حديث المواطنين في كل دول العالم باعتبارها خدمة أساسية من البديهي توافرها على الدوام، إلا أنها في اليمن مجال خصب لنهب ملايين الدولارات في قروض ترصد لتحسين هذه الخدمة التي تشهد تراجعاً مخيفاً من يوم لآخر·
تهاون
كل تلك التحذيرات يقابلها على الطرف الآخر تعامل غير مسؤول تنتهجه الحكومة مع مختلف شرائح وطبقات المجتمع·
الأمر الذي دفع بالأطباء والصيادلة اليمنيين الى إعلان معاودة إضرابهم عن العمل ابتداءً من الشهر القادم، لعدم وفاء الحكومة بالتزاماتها تجاههم·
وطبعاً، فإن صحة المواطنين وحياة آلاف المرضى التي سوف تتعرض للخطر جراء توقف العمل داخل المستشفيات الحكومية في الجمهورية، لايعني شيئاً في حسابات الحكومة التي ينعم أعضاؤها وعائلاتهم برغد العيش وإمكانيات العلاج في أرقى مشافي العالم·
مدرسو الجماعات أيضاً هددوا بمعاودة الإضراب جراء مماطلة الحكومة وعدم تنفيذها قراراتها الخاصة بالزيادة في المرتبات، ومناقشة كادر أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، إلا أن الحكومة لاتهتم كثيراً اذا ما توقفت الدراسة داخل الجامعات اليمنية لعام قادم، بعد أن شهد العام المنصرم توقفاً شبه تام للدراسة الجامعية التي تحولت معها الجامعات الى ثكنات عسكرية قمعت حقوق الطلاب ومدرسيهم في التعبير وإبداء الرأي، صاحبتها أعمال عنف عسكري ضد طلاب الجامعات الذين قوبلوا برصاص الأمن المركزي والغازات السامة·
إعتراف
الأوضاع أكثر من مأساوية، حتى وإن لم نلبس نظارات سوداء·
والواقع قاسٍ جداً حتى وإن لم نكن داخل أحزاب المعارضة·
لتعترف الحكومة أنها فشلت في قيادة دفة البلاد، إن أرادت للوطن الازدهار والتقدم، ولتكف عن المزايدات والشعارات التي لن تزيد الاوضاع إلا تدهوراً وخطورة·
كم كان شجاعاً ومحترماً أحمد محمد صوفان، نائب رئيس الوزراء، وزير التخطيط والتعاون الدولي، عندما اعترف بفشل الحكومة في برنامج الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي خلال السنوات التسع الماضية·
صوفان قال أثناء تدشينه الندوة الخاصة بـ"دور الخدمة المدنية في التخفيف من الفقر": "في حقيقة الأمر، وبكل صراحة، ونحن جميعاً مسؤولون في هذه الدولة، نشعر بأن السنوات التسع الماضية منذ بداية عملية الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، لم نستطع خلالها أن نحقق الكثير مما يجب، أو مما كنا نتمنى"·
هذا ما قاله صوفان·
وهو ما قلنا وحذرنا منه مراراً خلال السنوات الماضية، والتي كانت نداءاتنا تؤخذ على أنها مكايدات سياسية، دون أن يعلم المسؤولون أن الوطن فوق الجميع·
هذه هي حصيلة تسع سنوات من تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية، التي يقوم عليها يهود يعمدون الى إفقار الشعوب وإذلالها·
والحكومة الآن تعترف بذلك، وتحاول تحميل الشعب فواتير أخطاء سياساتها الاقتصادية·
برنامج الإصلاحات ليس سوى نقطة صغيرة في بحر واسع لفساد عام تفشى داخل أجهزة ومؤسسات الدولة، وأتى على المال العام وثروة البلاد·
ما هو حاصل من نهب للمال العام داخل وزارة النفط، وما ظهر مؤخراً في بعض سفاراتنا بالخارج، وما يحدث داخل وزارات أخرى·· ليس سوى أدلة دامغة على انفلات البلاد، وانحدارها في اتجاه اللادولة·
وبعد··؟
وبعد كل ذلك، هل يحق لنا أن نرجو من رئيس الجمهورية أن يصغي لما نقول؛ حفاظاً على البلد من هذا المنعطف الخطير الذي هو سائر إليه؟
ومن أجل البلد أيضاً، هل يمكن لنا أن نطلب من رئيس الجمهورية ألا يلتفت كثيراً لتقارير البطانة التي لايعنيها ما ستؤول اليه الاوضاع جراء استمرار هذه السياسة بقدر ما يهمها تنامي أرصدتها في بنوك عدة في الداخل والخارج؟
صحيح أن اليمنيين طيبون جداً، ومسالمون جداً·· لكنهم حينما لايجدون ما يأكلون، وحينما يرون أطفالهم يتضورون جوعاً وألماً، في الوقت الذي يعبث فيه المسؤولون وأبناؤهم بأموال البلاد، فإنهم حينها حتماً سيتحولون الى قنابل موقوتة لاتعرف شيئاً سوى الدمار· وهو ما لانتمناه·
Bookmarks