نجسة.. مو نجسة - خالد القشطيني
[22-03-2005]
تفاقمت حكايات السرقات والرشاوى في العراق إلى حد أن أحمد الجلبي نفسه أخذ يتهم اناساً آخرين بالسرقة. لم يعد القوم يميزون بين الكسب الحلال والبوك الحرام. وهذا يذكرني بحكاية المهيلة، السفينة النهرية التي اعتمد عليها العراقيون في النقل قبل مجيء البخار. غرزت واحدة منها بقعر النهر وتعذر تخليصها. وكانت في مفازة مقفرة. استنفد البحارة كل قوتهم وبدأ الجوع يأكل فيهم. فتشوا عن أي شيء يمكن اكله فوجدوا في قعر المهيلة بضع خصافات (اكياس) تمر. ولكنها كانت قريبة من المبولة بحيث كان رذاذ البول يسقط عليها.
كيف نأكل هذا التمر النجس؟ اقترح مومن (رجل دين) مسافر معهم ان يفتحوا الخصافة ويرموا ما تنجس منها ويأكلوا النظيف. فعلوا ما قاله رجل الدين. اخذ احدهم أول ثمرة وقال هذي مو نجسة واكلها. اخذ ثمرة ثانية وقال هذي نجسة ورمى بها. تلقفها آخر ونظر فيها وقال، لا هذي مو نجسة واكلها. واستمر القوم بين نجسة وغير نجسة حتى اكلوا كل ما في الخصافة من تمر وتركوا تلاً من النوى. ولكن المومن لم يصب شيئاً منها. فقال يا أولاد لا بد ان أكلتم تمراً فيه نجاسة. وهذا غير جائز شرعاً. هاتوا بالخصافة الثانية وأنا احكم بين ما هو نجس وما هو غير نجس منها.
شقوها وفتحوها له. فأخذ تمرة وقال هذي مو نجسة واكلها. واخذ تمرة ثانية وقال هذي نجسة لا يحل اكلها ورمى بها في النهر. التقط ثالثة. هذي صحيحة مو نجسة وأكلها. مضى بالعملية حتى نفدت الخصافة وتبين ان النظيف من تمرها اكله المومن وغير الصحيح رمى به في النهر. قالوا يا مومن الشين، هذا مقلب منك لا نقبله وانهالوا عليه بالضرب. قال كبيرهم «اللي يسمع كلام المومن يموت جوع». سمع القبطان الجلبة وصياح المومن يستغيث به فنزل من قمرته. اسمعوا هنا. الذنب ليس ذنب هذا المومن وانما انتم الذين اخترتموه ليميز لكم بين النجس والمو نجس والآن هاتوا بقية الخصافات وانا احكم في امرها وافرق لكم النجس من المو نجس.
وهكذا جرى واستقام الأمر واكلوا حلالاً حتى صعد مستوى الماء وعامت المهيلة واستأنفت سفرها.
وهو ما سيحصل في سفينة العراق. سيأتي ممثل البنتاغون في الاخير ويقول للقوم يا أولاد الـ.... تباً لكم وقدحاً، لقد ملأتم قلبي قيحاً، من الآن وصاعدا انا من واشنطن اقول لكم واميز عندكم بين الدولار النجس والدولار المو نجس. وخلصونا الله لا يخلصكم من نار جهنم.
«الشرق الأوسط»
Bookmarks