ظاهرة البطالة في اليمن

تتسم اليمن ديموغرافياً بزيادة معدل النمو السكاني الذي يبلغ وبحسب التقديرات الإحصائية بين 3.7% و 3.5% ويعتبر هذا المعدل من بين أعلى المعدلات في العالم مقارنة ببلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا1 الأمر الذي يعني بأن هناك مترتبات من جراء النمو السكاني غير المتوازن مع الموارد الاقتصادية المتاحة في البلاد ، أبرزها التولد والنشؤ لتراكمات إضافية سنوية إلى سوق العمل . إن ارتفاع معدل النمو السكاني هذا يضيف سنويا أعدادا غير قليلة من أفراد الفئة العمرية
( 10-14) سنة إلى قوة العمل حسب التوصيفات الإحصائية في الجمهورية اليمنية للسكان ، فإن هذه الفئة تندرج ضمن قوة العمل المدنية . مما يزيد من حجم الصعوبات الاقتصادية في القدرة الاستيعابية لسوق العمل وخاصة أن هناك ندرة واضحة في حجم ونوع الفرص المعروضة . لاسيما إذا ما عرفنا أن المجموعة العمرية صفر-14 سنة تشكل قرابة 50 % من السكان ، وأن وضعا كهذا ينطوي عليه آثاراً اقتصادية واجتماعية خطيرة ، وبخاصة مع وجود ظروف غير مواتية اقتصاديا لا تسمح في زيادة التشغيل وتحسين مستوى ا لدخل ، مما يؤد ي إلى تدهور في مستويا ت المعيشة وزيادة المنتميين إلى أرخبيل الفقر، ولاشك أن هكذا وضع سيجد التعبير عن تجلياته بصور وبأشكال مختلفة ، على المدى المرتقب ، وأن الدلالات المعبرة عن هذا الوضع تتمثل في ارتفاع نسبة الإعالة إلى الأفراد الناشطين اقتصاديا من السكان ، حيث تصل نسبة الإعالة في اليمن (4-1 ) تقريبا مقارنة مع نحو (2-1 ) في البلدان المتقدمة و(3-1 ) في البلدان النامية في المتوسط2 . وإن معدل المساهمة للناشطين اقتصاديا رغم وجود بطالة، يصل إلى (23%) في أعلى مستوياتها من مجموع السكان ، كما يتبين من الجدول أدناه ، ويعكس هذا خللا غير طبيعي في عدم استغلال الموارد البشرية وخاصة إذا ما نظرنا إلى تدنى مساهمة الإناث في النشاط الاقتصادي حيث تشكل الإناث ما نسبته 20 % فقط من إجمالي القوى العاملة بينما تصل نسبة الذكور إلى قرابة 80% من قوة العمل المتاحة .



جدول (1) الناشطون اقتصاديا من السكان للأعوام ( 96-98 م )
96 م 97 م 98 م
السكان
القوى العاملة
معدل المساهمة
( بالمائة ) 15.915
3.553
22 16.482
3.553
21 17.071
3.998
23

المصدر : كتاب الاحصاء السنوى الجهاز المركزى للحصاء للاعوام 96 .97. 98


ولما كان التعرف على حجم مشكلة البطالة وعلى مدى اتساع دائرة مفعولها على السكان يتطلب أن يتوفر لها قاعدة معلوماتية تفصيلية تلم بمعطياتها عن أعداد المتعطلين أعمارهم ؛ جنسهم ، مستوياتهم التعليمية ، طبيعة المهن التي يزاولونها والتي تتيح في نتائج تحليلها قدر أوفر من صحة التحقق وقياس الاستجابة المعنوية للسياسات الاقتصادية المنتهجة بقصد التخفيف من حدة تفاقماتها .
واتساقاً مع هذه العلاقة وعلى ضوء المتاح من المعلومات الإحصائية وإن كانت في معظمها لا تتمتع بدرجة الشمول والدقة على النحو المطلوب والتي تعتمد في منهج قياسها لمعدل البطالة في الغالب على التعدادات السكانية المتباعدة زمنيا وبصرف النظر عن تلك الاعتبارات فان التقديرات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء تظهر أن معدل البطالة في البلاد قدر خلال الأعوام ( 6 9-98 م) بنحو 9 ، 0 1 ، 9 بالمائة على التوالي ، ويبين الجدول ( 1-2) الأهمية النسبية لمعدلات البطالة من إجمالي قوة العمل المتاحة والجدول ( 2-3 ) تظهر أرقامه التوزيع النسبي لظاهرة البطالة حسب الفئات العمرية والنوع ، من إجمالي السكان الناشطون اقتصاديا ( 10 سنوات فأكثر) بحيث يتضح ومن الأرقام المعززة في الجدولين ، أن أعلى معدل لقوة العمل من السكان الناشطين اقتصاديا تنحصر بين الفئات العمرية (15-44 ) حيث تكون في مجملها ما نسبته 65% من قوة العمل المتاحة وتتركز في معظمها في الفئة العمرية (20-34 ) والتي تشكل ما نسبته 12،13 ،12 بالمائة على التوالي . وفيما يتعلق بالتوزيع النسبي للعاملين إلى إجمالي قوة العمل فإنه وبالمثل تشترك نفس الفئات العمرية ( 15-44 ) بإرتفاع قيمتها النسبية بحيث تتوزع فيما بينها على نحو 8- 10 -12 - 11 - 11.8 بالمائة على التوالي على أنه وفي حالة قياس معدل البطالة إلى إجمالي قوة العمل فإن الصورة تبدو على نحو مغاير إلى حد ما ، إذ أن ظاهرة البطالة تنتشر بين الفئات العمرية الأولى والثانية والثالثة والرابعة بحيث تصل في مجموعها إلى 3 ، 6 % وتنخفض في مستوياتها عند بقية الفئات العمرية الأخرى:
، أما في حالة قياس معدل البطالة من زاوية النوع ، وبعد قسمة عدد العاطلين المقابل لكل فئة عمريه على مجموع عدة العاطلين من الفئات العمرية فان مؤشرات البطالة تظهر عند جنس الذكور أكثر انتشارا بين الفئات العمرية من الأولى وحتى الرابعة وتشتد عند الفئتين (15-19 )– (20-24 ) بحيث تصل معدلاتها إلى ( 22.8% -21.4%) تباعاً ،أما عند الإناث تظهر كما لو أنها كانت أكثر انتشارا بين الفئتين العمرية الأولى والثانية والتي تصل في مقاديرها النسبية إلى نحو (31 % ، 39%) وعلى مستوي أقل عند الفئة العمرية الثانية وبنسبة (14 % ) على أنه جدير بالملاحظة إن ارتفاع النسب المئوية لا يعني بأي حال من الأحوال زيادة البطالة عند الإناث أكثر منه عند الذكور وخاصة إذا ما عرفنا أن المرأة العاملة تشكل ما نسبته (20% ) من إجمالي قوة العمل وأن أكثر من (60%) يقعن في شراك البطالة الإرادية أو الاختيارية .
جدول (1-2)
نسبة العاملين إلى إجمالي
قوة العمل
( نسبة مئوية ) العاطلون إلى إجمالي
قوة العمل
%
إجمالي قوة العمل
%
الفئات العملية



5.1
8.0
10.6
12.4
11.6
11.4
8.4
6.5
5.7
2.9
3.5
4.0
0.0 1.3
2.1
1.8
1.1
0.6
0.5
0.3
0.2
--
--
--
--
--
6.5
10.2
12.5
13.5
2.3
11.9
8.8
6.8
5.9
3.0
3.7
4.3
0.6 10-14
15-19
20-24
25-29
30-34
35-39
4.-44
45-49
50-54
55-59
60-64
65
غير مبين


المصدر كتاب الاحصاء السنوى لعام 98م
جدول (2-3)
العاملون % المتعطلون % إجمالي قوة العمل % الفئات العمرية
ذكور إناث إجمالي ذكور إناث إجمالي ذكور إناث إجمالي
3.4
7.6
11.9
13.9
13.1
12.9
9.6
7.5
6.6
3.5
4.3
5.0
0.2 14.2
13.3
10.8
12.5
11.5
11.2
8.5
5.8
5.0
3.2
2.5
3.2
0.3 5.6
8.8
11.7
13.9
12.8
12.5
9.3
7.2
6.2
3.2
3.9
4.4
0.2 11.3
22.8
21.4
12.9
7.5
6.1
4.2
3.4
3.1
1.8
2.1
2.8
-- 39.4
31.5
14.7
6.1
2.4
1.4
--
--
--
--
--
--
-- 14.6
23.9
20.6
12.1
6.9
5.5
3.8
3.0
2.8
1.7
1.9
2.5
-- 4.2
9.2
12.9
13.8
12.6
12.9
9.0
7.1
6.2
3.4
4.6
4.8
-- 15.6
14.3
11.0
12.0
11.0
10.7
7.7
5.5
4.8
2.2
2.2
--
-- 6.5
10.2
12.0
13.5
12.3
11.9
8.8
6.8
5.9
3.0
3.7
4.3
0.6 10-14
15-19
20-24
25-29
30-34
35-39
40-44
45-49
50-54
55-59
60-64
65
غير مبين
100 100 100 100 -- 100 100 100 100
المصدر كتاب الاحصاء السنوى لعام 98 م ص162

الملاحظة الثانية : إنه إذا كانت التقديرات المعلنة سنوياً والمعتمدة على التعدادات السكانية والمستقرة في نتائج إعلانها لمعدل البطالة في البلاد عند حد ثابت وخلال سلسلة زمنية بحيث تقف عند( 9 % ، 10 %) من إجمالي قوة العمل ، فإن أخر المصادر تظهر في نتائج تقديراتها إلى ارتفاع معدل البطالة في البلاد بأكثر من ضعفي عن التقديرات الإحصائية المتضمنة في كتاب الإحصاء السنوي .4
وصلة بهذا الجانب فقد أشارت المذكرة الاقتصادية العامة المعدة من قبل وزارة التخطيط والتنمية ، التي قدمتها الحكومة اليمنية إلى مؤتمر المائدة المستديرة في صيف 92 م والذي جاء فيها أن حجم البطالة في اليمن وصل إلى 36 % وخاصة مع عودة المهاجرين من الدول المجاورة أثناء وبعد أزمة الخليج الثانية.
زد على ذلك وفي تقدير رسمي آخر تضمنه برنامج الحكومة لعام 94 حيث أشار البرنامج " أن حجم البطالة ارتفع ليصل إلى أكثر من 30% من حجم القوى العاملة5 وتذهب صحيفة الأيام في عددها الصادر في 18 / 1 / 98 م عن دراسة أعدها المركز الوطني للسكان في تفنيد بعض المعطيات الدالة أن حجم قوى العمل في اليمن ينمو بوتائر متسارعة تقدر بنسبة 9 ، 4 % سنويا . . وأن التقديرات الرسمية والدولية الأخرى تؤكد أن معدل البطالة في اليمن تتراوح بين( 20 ـ 30 %) من إجمالي قوة العمل على أن المهم في الأمر وبعيداً عن هذا التضارب غير المستقر تغدو مشكلة البطالة أكثر تعقيدا بتجلياتها ومعالمها الماثلة في الوقت الحاضر، والمتأثرة بقدر كبير بمشكلة ارتفاع معدل النمو السكاني فيها والذي ساهم بتراكم اهراماً سكانية تتسم باتساع قاعدتها الشبابية والتي سرعان ما أفرزت هذه التراكمات زيادة كبيرة في قوة العمل6 تفوق حجم فرص العمل المتاحة، وعلى قدر أكبر من القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني ، إذ أن من ابرز تجلياتها في الآونة الأخيرة ظهرت في ارتفاع معدلات البطالة في وسط الشباب من حملة الشهادات الجامعية والتخصصات المهنية الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة حيث أصبح معدل البطالة وسط الشباب يقترب من 20%7 للعلاقة المتأثرة بتقنين الوظائف الحكومية أو بالتخلي الكلي للدولة عن التزاماتها تجاه هذه الفئة والذي يجد ترجمته في نهج السياسات الاقتصادية الجديدة للدولة في برنامج الإصلاح الاقتصادي وبسبب التضخم الوظيفي في أجهزة الدولة بقطاعيه العام والمختلط مما جعلها تئن من تضخمها بالبطالة المقنعة .

أهم العوامل والأسباب التي فاقمت من البطالة في اليمن

إن انتشار ظاهرة البطالة وارتفاع معدلاتها ، على النحو الذي سبق التدليل عن حجمها تتعدى تناولها كظاهرة منعزلة عن الأسباب والعوامل التي أنتجتها والآثار التي قد تخلفها ورآها من جراء تفاعلاتها واستمرار تمادياتها الخطيرة على الاستقرار الاجتماعي و إن ظاهرة البطالة لم تكن وليدة المرحلة الراهنة وحدها بل إن خلفية نشأتها وعوامل إنتاجها تراكمية في بعض من جوانبها لكن جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال عقدي السبعينيات والثمانينات والتي اتسمت بوضع خطط وبرامج طموحة للتنمية الاقتصادية حيث عملت الدولة على زيادة التوظيفات الاستثمارية الرأسمالية- والتي أسهمت بدورها في تعزيز قدرة الاقتصاد الوطني وتعظيم التراكم الرأسمالي وفي غير مجال ، حيث شهدت البلاد اليمنية حينها اتساع شبكة الطرقات والكهرباء والاتصالات وبناء المرافق الحكومية العامة وبناء المناطق العمرانية فضلا عن إقامة الصناعات التحويلية وبعض الصناعات الإستخراجية بما فيها النفطية مع النصف الثاني من عقد الثمانينيات وقد أتاح هذا النوع من التوسع في النشاط الاقتصادي ظروف ملائمة ومجالات أوسع لتوظيف العمال في القطاعين العام والخاص إضافة إلى التزام الدولة ولأسباب اجتماعية منها :
• • تبدو ظاهرة البطالة بين الشباب أكثر انتشارا في البلدان العربية منها في أية منطقة في العالم ففي الجزائر وتونس وفلسطين واليمن اقتربت البطالة المعلنة بين الشباب (20 % ) بتوظيف الخريجين الجامعيين وما في أدناها ومن مختلف التخصصات حتى شهدت مؤسساتها تضخما وظيفيا يتخطى حدود المسموح .
وهكذا فإن هذا الوضع إلى جانب عامل الهجرة الخارجية إلى الدول النفطية المجاورة قد أسهم وعلى نحو بالغ من الأهمية في كبح جماح البطالة ، بحيث توقفت عند أدنى مستوى لوجودها وإن بدأت بعض تداعياتها تبرز على السطح مع النصف الثاني من عقد الثمانينات على أنه ومع مطلع عقد التسعينيات نشأت ظروف وعوامل في بعضها غير مواتية محليا وإقليما عملت على تحريض التراكمات المستترة لهذه الظاهرة والماثلة منها تضافرت معاً مما صعد من درجة تفاقمها وامتداد نطاق اتساعها على النحو الذي لم يسبق له مثيل من قبل ولعل من أبرز تلك العوامل هي :

العامل الأول ( بنيوي) ويكمن في ضمور وركاكة البنية الهيكلية للاقتصاد اليمني ، وبخاصة القطاع الحديث الذي يعول عليه تغير وتحسين المواقع الاقتصادية للبلاد لكونه القطاع الأكثر كفاءة والقادر على تحفيز التطور في بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى ولكونه من جهة ثانية القطاع الأكثر استجابة لتعظيم رصيد التراكم الرأسمالي والذي ينفرد بتنوع وترابط حلقاته العملياتية في الإنتاج والتوسع والاندماجية والتي تعمل جميعها على تنمية مصادر الدخل والإنتاج وتتيح مجالا أوسع لتشغيل العمالة ، إلا أن دلائل ومؤشرات التطورات الاقتصادية وعلى امتداد العشرية من السنين الماضية تفصح عن عجز هذا القطاع بالوفاء بهذا المطلب ولا على المدى المتوسط بالتوازي مع ذلك فإن الأمر الذي زاد من حرج الموقف هو إهمال القطاع التقليدي (الزراعيين ) الذي يستوعب وحسب تقديرات بعض المصادر الإحصائية حوالي ثلثي قوة العمل ، وتشير آخر المصادر أن القطاع الزراعي يستوعب ما نسبته بنحو ( 52.9 % ) من إجمالي قوة العمل المتاحة ، بينما تستوعب قطاعات النقل والصناعة والتجارة و الإنشاءات والفندقة (52.6 % ) أما أعمال التمويل وخدمات الأعمال يحتل (8 ، 17 % )9 وإن كانت هذه التقديرات صحيحة أوتم إخفاءها فإنه لا يجوز أن ننسى الضغط على الأرض الزراعية الذي لا يسمح بأن تشغل هذه العمالة بكامل طاقتها ، خاصة إذا ما عرفنا أن معظم الأعمال في الزراعة تتسم بطابعها الموسمي زد على ذلك فإن شحةالموارد المائية والإهمال الطويل لهذه المشكلة قد تسبب في زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر بسبب ضعف التنمية الزراعية وانسداد فرص العمل .

العامل الثاني ويتمثل في تراجع الإنفاق الاستثماري الحكومي الموجه لمشاريع التنمية وقد بدأ تأثير هذا العامل منذ منتصف الثمانينات تقريبا ، إضافة إلى تراكم أعباء المديونية الخارجية وخاصة أعباء الفوائد والأقساط المستحقة للسداد التي وصلت إلى عشرة مليار دولار واستمرت تأثيراتها السلبية حتى توصلت الحكومة اليمنية إلى تخفيف الضغط من أعبائها بعد حصولها على إعفاءات كبيرة من حجم المديونية العامة.

العامل الثالث (ارتفاع معدل النمو السكاني ) والتي تضيف نتائجه بأكثر من 4 نقاط إلى سوق العمل سنويا وأن معظم هذه الزيادة تصب في خانة العاطلين عن العمل نظرا لضعف حجم التوظيفات الاستثمارية للقطاع الخاص وتراجع الدولة عن النشاط الاقتصادي وتقنين التوظيف في مؤسساتها الحكومية إضافة إلى الأثر الناجم عن الإجراءات التطبيقية لبرامج الخصخصة لمؤسسات القطاع العام الإنتاجي منها على وجه الخصوص .

العامل الرابع ( يتصل في مخرجات التعليم) على الرغم من التوسع الذي شهده قطاع التعليم العالي خلال العقدين الأخيرين حيث تضاعف عدد الجامعات حتى وصل عددها عام 1998 م إلى ( 7 ) جامعات حكومية تظم ( 55 كلية) بفروعها التابعة لها في مختلف التخصصات إضافة إلى الجامعات الخاصة التي يصل عددها إلى أكثر من ( 4 ) جامعات إلا أن هذا التوسع قد انحصرت مجالاته في التخصصات التقليدية ا لمتماثلة وبخاصة في العلوم الإنسانية والهندسية والطب . . الخ . على أن التوسع في الاختصاصات الجديدة والمرتبطة بمهن المستقبل التي يتطلبه سوق العمل اليوم لم تحضى باهتمام جدي وهي قليلة للغاية كما أن المعاهد التقنية وفي عددها الحالي الذي يصل إلى 25 معهد تجتذب إليها نسبة قليلة جدا من الطلاب والذي يصل عددهم إلى ( 5.900) طالب فقط إذ يضم هذا العدد المدارس الفنية ما قبل الثانوية ،المهم في الأمر هنا أن مخرجات المؤسسات التعليمية مازالت لا تتمتع بالمرونة الكافية مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته المتغيرة التي تعتمد على توسيع القدرات الذهنية والاستمرارية في العطاء بحيث تتناغم مع المستجدات التقنية والعلمية المتلاحقة إذ لازالت المؤسسات التعليمية بمستوياتها الجامعي والمهني تعتمد المناهج التقليدية في نقل المعرفة وفي طرق وأساليب التعلم المتبعة والتي تخلو من الاهتمام الجدي بالتنمية المعرفية والمقدرة لدى الطالب التي تمكنه من المشاركة الفاعلة بعد التخرج .
إن المعطيات الدالة على وجود تلك الاختلالات في مخرجات التعليم المعبر عنه زيادة معدلات البطالة في الآونة الأخيرة في وسط الشباب من حمله الشهادات الجامعية وأن واحد من أسبابها تدني المعارف المكتسبة وبعد مجالاتها في بعضها عن المتطلبات الحديثة لاحتياجات سوق العمل.
أما العامل الأخير الذي تأثرت به ظاهرة البطالة –
نشأ عن أزمة حرب الخليج والذي كان أشد وطأة في تفاقم هذه الظاهرة وعلى نحو مباشر بعد أن دفعت تلك الأزمة إلى عودة ما يقرب من (850000) ألف مغترب من البلدان النفطية المجاورة مما زاد من مجموع القوى العاملة بنحو (15%) ومن مجموع البطالة بنحو (36 %)11 وصلة بهذا الجانب فقد وصفت الأمم المتحدة اليمن بأنها البلد الثاني الذي تضرر من الأزمة بعد المملكة الأردنية الهاشمية ، حيث قدرت الأمم المتحدة الأعباء الصافية التي وقعت على اليمن بمبلغ (2) مليار دولار أو أكثر من (20% ) من إجمالي الناتج القومي12 ، وهكذا فمن المؤكد أن تلك العوامل وغيرها قد ساهمت جمعا في نشؤ وتطور هذه الظاهرة وعجلت بتفاعلاتها السلبية بانكشاف معالمها وتمظهراتها الصريحة بفعل تمادياتها الخطيرة إلى أن وصلت إلى حجمها الراهن .

سياسة مكافحة البطالة في
برنامج الإصلاح الاقتصادي

جدير بالإشارة وفي مستهل هذا الجزء الإيماء إلى أهمية تسجيل ملاحظة منهجية لابد منها- مفادها أن المهتم بقراءة حجم ومتضمنات السياسات الاقتصادية ومجالات إجراءاتها التطبيقية لمواجهة ظاهرة البطالة تعترضه صعوبة الحصول على الوثائق الرسمية التي يمكن أن يعتد بها كمصادر للتعرف على برنامج الإصلاح الاقتصادي ، وعلى نحو متكامل بحيث تستقر عين القارئ عندها كما هو الشان في أية قضية أو برنامج أو خطة اقتصادية أو ما شابه ذلك بحيث تكون بمثابة دليل للباحث أو المهتم في تعقب مفرداتها الجزئية والتوقف عند الإشكالية محل الاهتمام وحول هذه العلاقة يشير د / أحمد البشاري أنه " لا توجد وثيقة حكومية واحدة بعنوان برامج الإصلاح الاقتصادية والمالية والإدارية تتيح للباحث والمهتم استعراضها13 ، علاوة على ذلك فأن السياسات الإجرائية المتخذة في هذه العلاقة لم تخضع لمنطق واحد خلال المراحل التراتبية الأربع في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وأن الموقف من ظاهرة البطالة يظهر على الغالب في إطار النهج العام للسياسة الاقتصادية الكلية من جانب وعلى مجال السياسات الإجرائية لمواجهة الآثار المترتبة عن النتائج التطبيقية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي من جهة ثانية، ومهما يكن من أمر فان الحكومة اليمنية وعلى ضؤ السياسات الاقتصادية المرتسمة في البلاد قد خصت لهذه القضية حيزا في مضامين سياسة الإصلاح الاقتصادي وعملت على تحديد مجالاتها وقرارات تنفيذها في المراحل التعاقبية لتنفيذ البرنامج وفى برامجها السنوية المتلاحقة المستهدفة في مجموعها التخفيف من تفاقمات حدة البطالة في البلاد ومعالجة الأضرار السلبية الملازمة لعملية التصحيحات الهيكلية الجارية بوجه عام ، وعليه فإنه يمكن التطرق وفي ضوء ما تقدم إلى جانبين من مجالات مواجهة البطالة والمستهدفة في برنامج الإصلاح الاقتصادي .
الأول : في جانب السياسات الاقتصادية العامة
ويتمثل من خلال تشجيع القطاع الخاص على زيادة حجم المساهمة في النشاط الاستثماري وبذل مزيداً من الجهود في تهيئة الظروف لمناخ الاستثمار في البلاد بما يؤمن خلق عوامل اجتذاب جديدة للرأسمال الاستثماري الوطنية والخارجية والذي من شأنه أن يساعد على خلق زيادة مطردة في الإنتاج والدخل والذي سوف يلازم بدوره زيادة فرص العمل في البلاد اتساقا مع السياسات الاقتصادية المتبدلة والتي تقتضي في نهجها الجديد تقليص دور الدولة من النشاط الاقتصادي . "وهو بند رئيسي رسمي في برنامج الإصلاح الاقتصادي التي يقترحها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
-إطلاق حرية المبادرة للقطاع الخاص وإعطائه دوراً أكبر في النشاط ولكن تتمثل هذه الإصلاحات في عدد من البرامج الثنائية أو متعددة الأطراف يتفق بشأنها مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو معهما معا الاقتصادي وبما يمكنه من الإسهام في (مشاريع التنمية وبحرية تامة وفي مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية ، وخاصة في قطاعات الصناعة والزراعة والأسماك على أمل أن القطاع الخاص سيتولى القيام بما تتخلى عنه الدولة بكفاءة افضل في الإدارة والإنتاج وسوف تسهم هذه العملية بدورها في تخفيض البطالة والحد من تفاقماتها في البلاد على أن هذا التفاؤل لازال قيد الانتظار، فالاستثمارات الخاصة لم تستجب بالقدر المرغوب مع التحفيزات التي يمهدها مناخ الاستثمار على أرض الواقع ، فالمشاريع الاستثمارية المرخصة من قبل الهيئة العامة للاستثمار حققت خلال السنوات القليلة الماضية وحتى العام 98 حوالي ( 47 ) ألف فرصة عمل وهذا الرقم لا يحمل أهمية دلالية كبيرة إذا ما قيس بحجم سوق العمل وسرعة معدلات نموها ليس هذا فحسب بل أن معظم تلك المشاريع من الحجم الصغير لا تتمتع بدلالة اقتصادية كبيرة وهذه إشكالية ينبغي التعامل معها كمعطى والبحث عن مكمن الأسباب المخلة والمثبطة من عزم النشاط الاستثماري الخاص .
وعلى ثاني المجال وفي مسعاها الرسمي لمحاصرة البطالة ولتخفيف المخاطر السلبية المتأثرة بالسياسات التطبيقية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي وبخاصة على الأسر الفقيرة ؛ فقد عملت الحكومة على تحديد المسالك الإجرائية لبوابة الأمان ودفع المخاطر التي ترى الحكومة من خلالها أنها كفيلة بتحقيق هذا الغرض والتي تمثلت اتجاهاتها الإجرائية ومجالات عملها فيما يلي :-
- - زيادة الاعتمادات المالية لمشروعات الأشغال العامة بهدف خلق فرص عمل جديدة .
- - التوسع في تنفيذ المشاريع العاجلة الكفيلة باستيعاب اكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة لتخفيف البطالة المرتفعة في شريحة القوى العاملة.
- - تقديم القروض للأسر الفقيرة المنتمية إلى شريحة العاطلين عن العمل وتمكين الأسر المنتجة من رفع إنتاجها . . وذلك من خلال زيادة الاعتمادات المالية وتنويع مصادرها وبالتالي تنويع قنوات ضخها (شبكة الأمان الاجتماعي ) وتحقيقاً لهذا الغرض فإن الآلية التي أتبعت لتنفيذ هذا الاتجاه الأخير وأدواته المسخرة لضبط عملياته تتم من خلال ما أطلق عليه اصطلاحا بشبكة الأمان الاجتماعي والتي تضم في توليفتها الصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الرعاية الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي والصندوق الاجتماعي للتنمية والذي أنشئ حديثا وتحديدا في العام 1997م وبرأسمال إجمالي بلغ آنذاك ( 50 ) مليون دولار ، أتفق أن يدفع البنك الدولي نصفها وتسهم الدول المانحة بالنصف الآخر فقد كان من ضمن الأهداف التي أنشئ من أجلها المساعدة في محاربة الفقر والبطالة وذلك من خلال توفير فرص عمل عن طريق دعم المشروعات الصغيرة والأنشطة المدرة للدخل بحيث يتولى الصندوق تمويل مشروعات الفئات الأكثر فقرا العاملة في المجتمع (بالقطاع غير الرسمي ) ، ومن أجل تحفيز تلك الأعمال اعتمدت الحكومة في موازنتها للعام 2000 حوالي (2.3 )مليار ريال لمشاريع تنمية المجتمع ، علاوة على ذلك فقد أستهدف برنامج الإصلاح الاقتصاد مواجهة مشكلة البطالة من خلال زيادة إمكانات وتفعيل صندوق الرعاية الاجتماعية وصندوق الضمان الاجتماعي ، واتساقاً مع هذا الجانب فقد خصصت الحكومة في موازنة العام (99-2000م) ( 1 , 5 ) و( 6 , 7) مليار ريال على التوالي ، وتشير الإحصائيات أن عدد المستفيدين من أرصدة الصندوق لنفس الفترة تصل إلى( 350000 )ألف في عام 99 م وأن المخطط له في عام2000م مقرراً له أن يصل إلى نحو 4501000) ألف مستفيد .
وفيما يتعلق بالعمالة الفائضة فإن الإجراءات المقترحة التي خصصها البرنامج في مجال هذه العلاقة تمثلت في إنشاء صندوق العمالة الفائضة (صندوق الخدمة المدنية والذي كان من المفترض أن يبدأ التشغيل منذ العام99م في تقديم الدعم للمتقاعدين وصفقات شراء الخدمة وقبول الانتقال للعمالة الفائضة إلى (صندوق الخدمة المدنية) من موظفي المؤسسات الحكومية وما شابه ذلك ، ويقترح البرنامج وضع سياسة شفافة لمراعاة مستوى الدخل في الفترة الانتقالية أثناء معالجة مثل هذه الحالات ، ولا شك أن وجود مثل هذا الصندوق إذا ما تحققت وانتظمت عملياته يكتسي بالغ الأهمية وخاصة إذا ما توسعت أغراضه ووظائفه لتتعدى المنح والتعويضات للعمالة الفائضة المسرحة من القطاع العام أو القابلين بالتقاعد المبكر لا سيما إذا توسعت تلك الوظائف والأغراض وعلى نحو أشمل مثل :-
1 - فتح سجل خاص لجميع المتقدمين إلى سوق العمل ولأول مرة والراغبين بالعمل وتصنيفهم حسب الفئات العمرية ومستوياتهم التعليمية ومجالات الاختصاص بصرف النظر عن حجم فرص العمل المتاحة ، فهذا النوع من القيد المكتبي الذي ينبغي أن يعمل في مختلف مكاتب فروع الخدمة المدنية لمحافظات الجمهورية سيسهم وعلى قدراً كبيراً من الأهمية بتوفير قاعدة معلوماتية عن عدد العاطلين عن العمل وخاصة من حملة الشهادات الجامعية ومن الشباب بصورة إجمالية ، كما ستتيح هذه العملية قدراً من الدقة إلى جانب الإحصائيات الدورية عن المعدل السنوي لحجم البطالة في البلاد .
2- التخطيط ولو على المدى البعيد لتنمية الموارد المالية لصندوق الخدمة المدنية (شبكة الأمان الاجتماعي ) وتخصيص جزء من أرصدة الصندوق المالية وتقديمها كإعانات مالية للعاطلين عن العمل والمقيدين بسجلات مكاتب العمل التابعة للخدمة المدنية بعد دراسة الحالة للتخفيف مؤقتاً من حجم المعاناة الاجتماعية من جراء ظاهرة البطالة ويمكن العمل على تحقيق هذه الغاية ومن خلال إيجاد صيغة عقلانية وممكنة تعمل على تعدد المناهل التمويلية المحلية لزيادة رصيد الصندوق وتوزيع أعبائها على مختلف الشرائح الاجتماعية الناشطة اقتصاديا والتي تحقق الدخل وبنسب معقولة ومقبولة بحيث لا تؤثر مقاديرها على الفئات منخفضة الدخل .

خــاتـمـة
بعد كل ما سعينا لقراءته بشأن ظاهرة البطالة في اليمن، وباستعراض الإجراءات الأساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لاحتواء الظاهرة والحد من تفاقم مفعولها ويمكن القول أن المعطيات المستخلصة من حصيلة التحليل المتقدم حول هذه العلاقة .. تدلنا على تضخم حجم هذه الظاهرة بنوعيها السافرة والمقنعة ، وبزيادة المعدل الانتشاري ( للنوع الأول - البطالة السافرة ) خلال السنة العشرية الماضية في وسط قوة العمل المتاحة - ريفاً وحضر ، بحيث اتسعت مساحتها الإنتشارية ومجالات تأثيرها الامتدادي على أكثر من فئة عمريه وشريحة اجتماعية كماً ونوعاً وبخاصة في وسط المتقدمين إلى العمل لأول مرة بمافي ذلك الشباب من حملة الشهادات الجامعية والتقنية، وعلى الأرجح إن تطور هذه الظاهرة في السنين القليلة الماضية وعلى هذه النحو تم تحت وطأة ظروف وعوامل غير مواتية محلياً وإقليميا تدخلت معاً وشكلت بمجموعها وبما أفرزته من نتائج سلبية بيئة خصبة لتزداد أعداد العاطلين عن العمل نتيجة لانغلاق فرص التوظيف وتراجع قدرة الاقتصاد الوطني لاستيعاب المزيد من الأعداد المتنامية في حجم قوة العمل، والتي تتلقاها بوتائر متسارعة بفعل الانفجار السكاني الذي يضيف سنوياً تكتل بشري غير عادي وبخاصة من الفئة العمرية (10 سنوات فأكثر ) إلى سوق العمل .
ولعل من أبرز تلك العوامل التي تأثرت بها ظاهرة البطالة في اليمن سنجد في مقدمتها تلك العوامل التي تزامنت مع أزمة حرب الخليج حيث دفعت تلك الأزمة و دونما سابق إنذار إلى عودة (850,000) ألف مغترب من البلدان النفطية المجاورة إلى داخل البلاد مما فاقم من شدة البطالة حتى وصلت حينها في معدلاتها إلى ( 36% )من إجمالي قوة العمل ، ثم يلي ذلك ارتفاع معدل النمو السكاني الذي أفضت نتائجه التكرارية إلى مسارعة الوتائر المنمية لحجم قوة العمل في البلاد الذي تقدر معدل نموها بنحو(4,9%) سنوياً وأن هذا الأمر وباستمرار دوافعه يحد من فعالية السياسات الاقتصادية لاحتواء ظاهرة البطالة أو إيقافها عند أدنى مستوى لها على الأقل وخاصة في ظل شحه الموارد المادية المتاحة كما هو الحال في بلادنا الأمر الذي لا يدع مفراً لمجانبة هذه الظاهرة المتأثرة وعلى نحو كبير بارتفاع معدل النمو السكاني .ً
ومن العوامل التي أسهمت في إبراز هذه الظاهرة تراجع دور الدولة الاقتصادية وتخليها عن التزاماتها في التوظيف أو تقنين مجالات التوظيف على أحسن الأحوال إلى جانب انحسار النشاط الاستثماري للقطاع الخاص على غرار التقديرات المتوقعة، وفي المقابل لذلك ومن مدرك لحجم المشكلة واحتمالات مضاعفاتها وسلبية الآثار التي قد تطرأ في ثنايا تطبيق أجنده برنامج الإصلاح الاقتصادي المالية والإدارية فإن الحكومة اليمنية قد خصصت لهذا الجانب في فلسفة البرنامج حيزاً من المعالجات الإجرائية بقصد أحتوى ظاهرة البطالة وتخفيف الأضرار المحتملة المتعقبة من جراء سريان ومفعول عملية الإصلاحات الهيكلية الجارية في البلاد ومنها :
- - زيادة الاعتمادات المالية لمشروعات الأشغال العامة والتوسع في تنفيذ المشاريع العاجلة بقصد خلق فرص عمل جديدة واستيعاب أكبر عدد من القوى العاملة وتخفيف ظاهرة البطالة المنتشرة في البلاد .
- - علاوة على ذلك زيادة الاعتمادات المالية لصناديق شبكة الأمان الاجتماعي وبما يمكنها من محاربة الفقر والبطالة وذلك من خلال توفيرفرص عمل عن طريق دعم المشروعات الصغيرة المنتمية إلى شريحة العاطلين عن العمل ،على أنه جدير بالملاحظة وعلى الرغم من أهمية تلك الإجراءات إلا أن فعاليتها ستظل محدودة القدرة على تأجيل البواعث المحفزة للنشاط الاقتصادي واحتواء ظاهرة البطالة ولاسيما إذا ما عرفنا أن حجم الاعتمادات المالية المرصودة لشبكة الأمان الاجتماعي والأغراض التي تستفيد منها لا تعدو عن كونها ذات طابع وقائي للتخفيف من وطأة الأضرار الناجمة عن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والتخفيف من حالة الفقر واسع الانتشار في البلاد وعلى أي حال فإن احتواء ظاهرة البطالة سيظل مرهونا ًبانتعاش اقتصاد البلاد بوجه عام وبتحضير النشاط الاستثماري بصفة خاصة
البطالة اليمنية.. انتظار مرير لفرصة عمل واحدة

في حالة من الترقب والانتظار لزبون قادم يجلس الكثير من عمال بالاجر اليومي في اماكنهم المعلومة وقد وضعوا امامهم عدة العمل ينتظرون القادم لينادي عليهم فيتسابقون علّ احدهم يقع الاختيار عليه.





هؤلاء العمال بالاجر اليومي اختاروا اماكنهم المحددة لعرض قوى العمل تجدهم في جولة تعز، في القاع بجانب جامعة صنعاء يفترشون الارض في انتظار من ينادي عليهم وهم عمال حفريات، عمال بناء سباكون، حاملو احجار وصباغون يلتقون صبيحة كل يوم البعض منهم يفوز بطلب احد الزبائن فيما كثيرون يمضون النهار دون ان يحظوا بطلب احد لهم. ومع ذلك يعودون في اليوم التالي على امل ان ينادي عليهم احد الزبائن فيسعدون بمردود يوم من العمل.


مظهر هؤلاء العمال بالاجر اليومي وهم في حالة انتظار دائم لا يملون الوقوف تحت اشعة الشمس الحارقة كثيرا ما يثير فضول المارة وتعليقاتهم فالذين يشاهدون هذا المنظر المألوف لهؤلاء العمال المنتظرين لفرصة عمل يومية لا يترددون في التعليق عليه اما بدواعي الشفقة والعطف واما بدواعي التشفي السياسي او بخلط الامرين معا، وايا كانت التفسيرات لوضع هؤلاء فان الدلالة البارزة باتفاق الجميع هو تردي الاوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة وسط السكان النشطين الذين يعولون اسرهم.


«عبدالله» عامل بناء يقول: انتظر هنا دائماً من اجل ان يأتي الناس الينا لان العامل ليس بوسعه ان يطوف من مكان الى اخر بحثاً عن عمل ولهذا اعتدنا ان نتجمع هنا منذ الصباح الباكر منا من يحظى بالطلب عليه ليوم او لايام واحيانا لاشهر طويلة ومنا من ينتظر اياما واحياناً اسابيع دون ان يحظى بالطلب عليه واليوم هو الخامس على وقوفي في هذا المكان منذ الصباح وحتى غروب الشمس دون ان ينادي عليّ احد لكن مع ذلك لم اقطع الامل فغدا سأعود الى هنا وربما يفتح الله علي وعلى اي منا فالزمن تغير كنا في الماضي قبل عشر سنوات لا يطول انتظارنا لكن الان وكما نلاحظ العمال في تزايد مستمر وفرص العمل في تناقص فحركة البناء خفت كثيرا عن السابق ولهذا يطول انتظار الكثير منا الى ساعات متأخرة لنعاود المجيء في اليوم التالي دون ان ينقطع رجاؤنا بالله وحده فهو الرازق.


اما كيف يتعايش هؤلاء وهم في حالة تنافس دائم من اجل الحصول على عمل ويبدو ذلك التنافس بأبهى صوره عندما يأتي المقاول او صاحب البناء بسيارته لينادي على عامل او اثنين او اكثر فينتفض الجميع من اماكنهم يتقافزون على السيارة غير ان المنادي عليهم سرعان ما يضع حدا لتسابقهم بتحديد اختياره الذي يقع على بعضهم دون البعض الاخر الذين يعودون الى اماكنهم في انتظار طلب جديد.


حول ذلك يقول قائد علي «عامل بناء»: هذا التنافس طبيعي لاننا لم نأت الى هذا المكان الا من اجل الفوز بفرصة عمل ولذا من حق كل طالب عمل ان يسارع الى تلبية النداء وكل هو ورزقه.


وهذا الحال لا يخلق بيننا اي حساسيات بل بالعكس في هذا المكان نشأت بيننا صداقات وعلاقات حميمة لاننا نقضي ساعات طويلة خلالها نتعارف ونتآلف خاصة بعد ان يعرف كل منا وضع صاحبه وكم لديه من الاطفال ومن اين هو واحيانا تتعمق علاقتنا ببعضنا البعض اكثر واكثر اذا عملنا سوياً في موقع واحد.


ولعل الجامع بيننا هو ان مع انتظارنا طويلا هنا خلال النهار نضطر الى الاكل سويا كجماعات وهذا يخفض علينا التكاليف الباهظة فعندما نتحلق على مائدة واحدة في احد هذه المطاعم المجاورة الرخيصة تنشأ بيننا صداقات حميمة فيعطف البعض منا على البعض الاخر ممن لا يمتلكون نقودا لانه في احوال كثيرة هناك من ينتظر اياما طويلة دون ان يحصل على عمل فينفق كل ما تحصّل عليه وهو ينتظر فرصة عمل ولهذا نشأ بيننا اتفاق عرفي يقضي بمساعدة من لديه نقود لمن ليس لديه حتى يتمكن من الحصول على عمل ومن ثم يرد الجميل لزملائه العمال.


ولذا عندما نتجمع في وجبة الغداء حول مائدة واحدة الذي ليس لديه نقود يأكل معنا الى ان يفتح الله عليه بعمل واللقمة التي لشخص واحد يمكن ان يأكلها شخصان وللشخصين يمكن ان تكون لأربعة.


عالم انتظار عمال الاجر اليمني بقدر ما يبدو ملمحاً من ملامح القساوة الاقتصادية للبلاد فانه لا يخلو من المعاني الانسانية النبيلة فبقدر ما تقسو أوضاع الحياة على الناس يشفقون على بعضهم بعضاً لكن ليس في كل الاحوال فهذا الوسط العمالي دائم الانتظار لابد ان تتكدر العلاقة بين اطرافه فبقدر ما يسود التراحم بين افراد الجماعة الواحدة فان واقع الحال لا يخلو من صراع الجماعات بعضها بعضاً ولأسباب عديدة، يقول علي «عامل سباكة»: صحيح ان هناك تعاطفاً وتراحماً لكن هذا التعاطف والتراحم يسود داخل الجماعة الواحدة اما لانهم من منطقة واحدة او لانه سبق لهم العمل في موقع واحد ونشأت بينهم صداقات وغالباً ما يحصل صراع بين جماعة واخرى اما بسبب التسابق على العمل حيث من المعروف ان كل شخص يفضل الاشخاص الذين تربطهم به علاقة فاذا ما ظفر بفرصة عمل واتيحت فرص اخرى يدعو لها اصحابه ومعارفه وهذا يولد حساسيات لكنها لا تصل الى حد المشاحنات بقدر ما تبقى في اطار التنافس.


ولهذا فان الشخص الذي لا يدخل في علاقات مع هذه الشلة او تلك يكون دائماً مبعداً من قبل تلك الجماعات الشللية لانهم يفضلون غيره من الاقرب لهم ولذا فمثل هؤلاء يجدون انفسهم مجبرين على الدخول في علاقات شيئاً فشيئاً حتى يندمجوا مع الجماعة.


اما الاحاديث التي يتجاذبها هؤلاء وهم في حالة ترقب لفرصة عمل يقول علي: غالباً ما تدور الحديث حول الحياة ومصاعبها ومتطلبات الاطفال والاسرة، انها احلام بسيطة كبساطة هؤلاء العمال وتفكيرهم محصور بلقمة العيش وحديثهم مشحون بالامل في العثور على شغل والحنين الى القرية لرؤية الزوجة والاولاد لان اغلب هؤلاء العمال قدموا من القرى التي تركوا فيها اطفالهم واقاربهم وزوجاتهم ولذا يمضي اغلب الوقت في غمرة الاحلام التي تتداعى ولعل ذلك ما يخفف عن الشعور بحرارة الشمس والوقوف طول النهار في هذا المكان.


والنتيجة التي يخرج بها المستمع لاحاديث هؤلاء العمال المنتظرين لفرصة مواتية تمكنهم من الحصول على مردود يومي لا يتجاوز سبعمئة ريال كأجرة هي ان أنات هؤلاء وآهاتهم تختزل الواقع الاقتصادي والاجتماعي بكل قساوته خاصة خلال السنوات الاخيرة التي عرفت تنامياً كبيراً لقوى العمل يقابلها نمو محدود لمناصب الشغل جعلتهم يتكدسون على النحو المشهود في الاماكن المعروفة في كل مدينة من المدن اليمنية واذا لم يتحقق انتعاش ملحوظ في الاقتصاد اليمني فان هذا المنظر اليومي قابل للتوسع والتزايد الى درجة لا يمكن التنبؤ بها. ولهذا يبقى احتواء هؤلاء العمال في نشاطاتهم مرهون بما يمكن ان يفعله المعنيون مستقبلاً.


الجامعات.. ضخ المخرجات إلى سوق البطالة
(54234) خريجاً دون وظائف
الجامعات.. ضخ المخرجات إلى سوق البطالة
يبدو أن التعليم العالي يواجه منزلقاً خطراً فضخ المخرجات إلى سوق البطالة صار أمراً مألوفاً، ولا أحد يستطيع التنبؤ بما هو أفضل مستقبلاً، فسجلات الخدمة المدنية تقيد أكثر من (54234) متقدماً لوظيفة ليست متوافرة بل عليهم الإنتظار في طابور طويل، لأن مستقبلهم انتهى عند بوابة التخرج.
إن وضع التعليم العالي البائس أصبح أيضاً مدعاة للتندر ـ كما صار الأكاديمي يشعر بالنبذ جراء تدهور مستواه، فقد وصل الأمر برئيس جامعة صنعاء الدكتور صالح باصره إلى القول أمام حشد من صحفيي منتدى الصحافة الجديدة الأسبوع الماضي "هناك أساتذة مثل (الذباب) ينتقل من شارع إلى شارع ـ قاصداً أولئك الذين يدرسون في الجامعات الخاصة على حساب طلبة الجامعات الحكومية ويستلمون رواتبهم كاملة ولا يحضرون إلا نادراً.
مؤكداً أن القانون يحضر التدريس إلا بأمر وموافقة رئيس القسم والجامعة ومع ذلك تبدي نقابة أعضاء هيئة التدريس صمماً غير مقبولاً حسب باصره.
وفي خضم هذا التدهور الذي تتزايد إخفاقاته في حقل التعليم العالي تظهر مؤشرات التعليم التي خلص إليها تقرير المجلس الأعلى لتخطيط التعليم حتى أغسطس 2004م ما يثير الإزعاج، فكيف يبدو الحال؟
المفارقة أن التعليم الجامعي قد شهد تطوراً ملموساً خلال الخطة الخمسية الأولى، حيث ارتفع عدد الجامعات الحكومية من جامعتين تشمل (35) كلية إلى (7) جامعات تضم (84) كلية منها (76) كلية تمنح البكالوريوس و (8) كليات تمنح الدبلوم، إلا أن هذا التوسع لم يكن وفق خطط ودراسات تلبي احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية وسوق العمل.
مؤشرات المجلس الأعلى لتخطيط التعليم عن وضع هذه الجامعات يقول: من إجمالي عدد الكليات نجد أن (30) كلية منها في الدراسات العلمية التطبيقية و(54) كلية في الدراسات الإنسانية نصيب كليات التربية منها (30) كلية في الوقت الذي تضم كل هذه الكليات (396) قسما منها (313) قسماً متكرراً أي بنسبة (79.04%) وبالتالي فإن العدد الفعلي للأقسام (83) قسما فقط أي بنسبة (20.96%)
وأوضحت البيانات لعدد الأقسام النمطية المكررة في كليات الآداب والتربية في السبع الجامعات وبالذات أقسام (اللغة العربية، الدراسات الإسلامية، القرآن الكريم وعلومه، التاريخ والجغرافيا) إن عددها بلغ (111) قسماً أي ما يوازي (30%) من إجمالي عدد الأقسام تقريباً كما تزايدت أعداد الطلاب الملتحقين بهذه الأقسام عاماً بعد آخر دون قيود، وتبين الإحصاءات أن عدد الطلاب الملتحقين بالتخصصات الخمسة بلغ عام 2002-2003 (61243) طالباً وطالبة في كليات التربية والآداب حيث شكلت نسبتهم 34% من إجمالي الملتحقين بالجامعات الحكومية مجتمعة.
وتتعالى صيحات القلق جراء هذه السياسات التي تمثل هدراً للطاقة البشرية والمادية نتيجة لتشبع سوق العمل بمثل هذه التخصصات وتطالب في الوقت نفسه بإعادة النظر في هيكلة هذه الأقسام إما بتقليل أعداد القبول فيها أو إلغاء البعض منها في الجامعات الناشئة وكذا إعادة النظر في سياسة القبول للعام الحالي 2004/2005 بحث ترفع نسبة القبول في هذه الأقسام لتصل إلى (85%) على الأقل.
وحسب تقرير المجلس الأعلى لتخطيط التعليم فإن كليات التربية في التخصصات الإنسانية التي يصل عددها إلى (30) كلية في الجامعات السبع منها (7) كليات تمنح الدبلوم يصل عدد الطلاب الملتحقين للعام 2002/2003 إلى (63.116) طالباً وطالبة أي بما يوازي (35%) من إجمالي الطلاب بالجامعات السبع في وقت لا يحتاج سوق العمل لمخرجات هذه الكليات.
ونتيجة لذلك صارت جامعاتنا تضخ مخرجاتها إلى سوق البطالة وليس إلى سوق العمل والإنتاج.
حسناً.. هذا ما تؤكده أيضاً إحصاءات المتقدمين إلى وزارة الخدمة المدنية ومكاتبها حيث بلغ عدد المتقدمين بطلب الحصول على وظائف شاغرة من بينهم (25.666) من حملة الشهادات الجامعية منهم خريجو كليات التربية (14.952) ومنهم أيضاً (19) شهادة ماجستير، و (10) شهادات دكتوراه في تخصصات مختلفة بالإضافة إلى (28.568) هم المتقدمون للحصول على وظائف من خريجي الثانوية والإعدادية المتخصصة الفنية والصحية والتقنية والمهنية والزراعية والتجارية ويصل إجمالي المتقدمين بطلب شغل الوظائف طبقاً للفئات المذكورة إلى (54،234) شخصاً وهم يمثلون مخرجات التعليم الجامعي والفني الذي يبحثون عن عمل حتى 13/4/2004م.
وكانت توجيهات عليا قد صدرت بالاستعانة بهؤلاء العاطلين من التعداد العام للسكان والمساكن لكن السؤال الملح أين سيذهب هؤلاء فيما بعد؟!.
لقد كان مفترضاً أن يشهد العام 2004 افتتاح تخصصات جديدة تلبي احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية إلا أن ذلك لم يحدث وإن وجد بعضها في إحدى الجامعات إلا أن بقية الجامعات تفتقر لها مثل (قسم تقنية المعلومات، قسم الأرصاد، قسم الإحصاء، قسم هندسة الإلكترونيات، قسم السياحة والفندقة، قسم الأورام، قسم التعدين والحقول، قسم التربية الفنية، قسم علوم الحاسوب قسم الهندسة البحرية، قسم هندسة الطرق، قسم علوم البيئة، قسم السموم، قسم الطوارئ، قسم التعليم الأساسي، قسم الدراسات المالية والمصرفية، قسم الفنون الجميلة، قسم هندسة المعدات الطبية قسم الطب البيطري، قسم رياض الأطفال، قسم إعداد التعليم الفني والتدريب المهني وقسم إدارة المستشفيات.
ومضى التقرير يقول: إن إجمالي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية يبلغ (4.417) بينهم (3.723) من الذكور و(694) من الإناث وتوضيح المؤشرات أن هناك نقصاً وسوء توزيع لأعضاء هيئة التدريس وضعف إمكانيات إعداد وتأهيل عضو هيئة التدريس وتزايد أعداد الطلبة للمدرس الواحد، حيث أن نصيب الأستاذ الواحد (68) طالباً من إجمالي الأساتذة الذين يحملون شهادة الدكتوراه، ناهيك عن سيطرة الطابع النظري في كافة التخصصات وفي أساليب وطرق التدريس، وتخلف مناهج التعليم الجامعي مجاراة مع التنوع المعرفي وتطبيقاته، مما يؤثر سلباً على درجة التحصيل العلمي ومستوى التعليم إلى جانب نقص كمي ونوعي في الكوادر الإشرافية والتوجيهية والفنية والإدارية في أغلب الجامعات اليمنية، وبالتالي تخرج كوادر غير مؤهلة وغير قادرة على مواجهة الواقع وتحمل الدولة عبئاً إضافياً وهو إعادة التأهي