تنفس اليمنيون الصعداء بإعلان حكومة الوفاق الوطني برئاسة الاستاذ محمد سالم باسندوة، كما هو حال مُحِبِّي اليمن من الأشقاء والأصدقاء، الذين أيقنوا تماماً أن بلد الحكمة والإيمان ما يزال محافظاً على خصوصيته الحضارية، على الرغم من كل الخطوب والمصاعب والمتاعب والمعاناة التي كابدها أبناؤه خلال العشرة الأشهر الماضية.
وتأكد الجميع بالفعل وبمجرد سماعهم إعلان التشكيل الحكومي، الذي استوعب -ربما- مختلف ألوان الطيف السياسي والحزبي، أن اليمن الذي كانوا يخشون عليه من الصوملة أو الأفغنة والسقوط في براثن الحروب الأهلية، يخرج من عنق الزجاجة سليماً معافى مغلبا الوفاق على التشرذم، والأمن والأمان على الخوف والقلق والمصير المجهول، منحازاً إلى الخير والسلام والتعاضد والشراكة، ورافضا أن يرهن حاضره ومستقبله في غير مقاصده وأهدافه وغاياته وطموحاته وتطلعاته، مجسداً بذلك حقيقة أن الأصل هو الاتفاق والوفاق والاستثناء هو الخلاف والاختلاف.
وإذا كان الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني قد مثل التزاما صريحا من قبل كافة القوى السياسية بالمضي في تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها المزمَّنة فإن خطوة كهذه قد أعطت انطباعاً هاماً لدى كل المتابعين عن أن فتيل الأزمة اليمنية قد نُزِعَ، وأن صفحة الصراع قد طويت، بفضل صدق النوايا وحرص اليمنيين على أن يجتبوا بلادهم المزيد من الاضطراب والتوتر، وأن يحافظوا على تماسكها ووحدتها الوطنية وأن يحصنوها من أية استهدافات.
لقد انتصر اليمنيون لوطنهم قبل أنفسهم، وانتصروا لعقولهم على عواطفهم، ولانتمائهم الوطني على انتماءاتهم الحزبية، بل أنهم بتوافقهم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كخارطة طريق للمرحلة الانتقالية قدموا حالة غير مسبوقة في التاريخ العربي المعاصر، حينما استجابوا لحل عربي رعته كل الأطراف الدولية، وذلك ينفي عن العرب، ولو لمرة واحدة، تهمة أن المبادرات العربية لا تصلح لمعالجة الأزمات العربية.
وفي ظل هذه الروح لا نشك مطلقا أن اليمنيين الذين رسموا هذا التحول سيفتحون منذ اليوم صفحة جديدة أساسها الشراكة والود والاحترام والتعاون الخلاّق من أجل إنجاز توجهات المرحلة والمهام المناطة بهم فيها، وأنهم سيقفون بكل جد ومثابرة إلى جانب حكومة الوفاق الوطني باعتبارها حكومة لليمن واليمنيين جميعا بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية، مدركين أن هذه الحكومة حتى ولو اجتمعت في أعضائها كل صفات الوطنية والإخلاص والنزاهة والحماس والتجرد فإنها لن تستطيع إنجاز كل مهامها بدون تعاون الجميع خاصة وأنها ستجابه العديد من التحديات والمصاعب والمعوقات الناتجة عن تداعيات الأزمة التي مر بها اليمن خلال العشرة الأشهر الماضية.
ولأن نجاح هذه الحكومة نجاح لنا فإن الواجب أن نقف جميعا إلى جانب كل الخطوات التي ستتخذها وأن نؤازرها في جهودها الهادفة إلى إعادة ترتيب البيت اليمني والسير به صوب النماء والتطور والنهوض والأمن والاستقرار والتنمية الشاملة.
لقد عانينا خلال الشهور الماضية كثيرا من المتاعب وآن الأوان لكي نلم الشمل ونسارع الخطى من أجل تعويض كل ما فات. وتجاوز كل الاشكالات، ليتسنى لنا الانطلاق بروح جديدة نستنهض خلالها كل معاني التعاضد والتكاتف من أجل إنجاز ما نصبو إليه في مختلف المجالات والأصعدة، وعلى بركة الله نسير.