نوفمبر 2002
لحظـــــــة لقـــــاء
حين كنت أهِم بصعود القطار صباح ذلك اليوم الماطر، حين سقطت حقيبة يدي و تبعثرت أغراضي على أرضية المحطة... شعرت بموجة غضب عارمة، فقد كان يومي سيئا بما يكفي و لم أكن بصدد تحمل المزيد من تلك المقالب المزعجة. جلست على ركبتيّ أجمع أغراضي و أرميها بعصبية في حقيبة يدي المفتوحة و قد تبللت بسبب المطر حين انحنى شخصا بجانبي تراءى إلى ذهني أنه أشفق على حالي و لملم الأغراض معي، امتدت يدي لتأخذ الأوراق من بين يديه و نظرت إليه لأول مرة، كان يافعا... ربما يصغرني في السن قليلا، فكرة طرأت في عقلي رغم تزاحم الأفكار فلم أقف أمامها لأحللها و لا حتى لأحاول أن احلل عمره و رغم ذلك مرت في رأسي فكرة كنت أرددها دائما أن العمر لا يبدو على الرجل مهما كبر في سنه!! و لكن كيف لي أن أعلم.
و الشاب الذي وقف أمامي كان عشرينيا فقد شعرت بذلك في داخلي، تمتمت كلمة شكر و صعدت القطار و لكني شعرت بيده تقبض على ذراعي بقوة فانتفضت و أنا أنظر إليه و نظراتي ملأتها شرارة "من أنت يا هذا لتمسك بي!!!" و لكنه قال مبتسماً: "نسيت هذا". تسلل صوته الدافئ إلى وجداني و نظرت إلى يده لأراه يناولني احمر شفاهي و احمررت خجلا. فجزء أحمر شفاهي هو خاص بي لماذا وقع بيدي هذا الغريب. امتدت يدي و تلامست أصابعنا و شعرت بتيار كهربائي يعتريني و ارتجفت أناملي نظرَ إليَ لوهلة و لم أعي إلا وهو يخلع معطفه و يضعه على كتفيَ . اعتراضي الصغير لم يكن له معنى حين دفعني إلى الأمام و هو مازال ممسكا بذراعي صعدت القطار مرغمة رغم أني أردت الصعود منذ لحظات و تبعني و فجاءه رأيته يتولى زمام الأمور، أجلسني على المقعد و طلب لي القهوة الساخنة و هو يسألني باهتمام غريب إن كنت بخير. هززت رأسي و في داخلي تسارعت الأفكار بين رفض و استنكار لذلك الغريب الذي فجاءه أصبح مسئول عني و كأني طفلة صغيرة!! أردت أن أصرخ إنني في الخامسة والعشرين و لست أحتاج إلى هذا التدليل و الاهتمام و إنني أدرت أموري منذ كنت في السابعة عشرة و لست بحاجة إلى تدخل من شخص لا يمت لي بصلة!! و لكي صمتت لأن شخصيته حامت صاغية على شخصيتي و في داخلي كان شعور غريب بذلك الاهتمام الذي افتقدته منذ زمن مضى...
بعد نصف ساعة وصلنا إلى محطتي ناولته معطفه مبتسمة و نزلت أسارع بالهروب من ذلك الإحساس من ذلك الشعور خوفا أن يعيَ الغريب ما حصل بداخلي جراء وجوده بجانبي للحظات.. خوفا من أن أدمن الاهتمام و اصحوا لاحقا لأجده يتلاشى هربت و وصلت إلى مقر عملي و تذكرت أني حتى لم اعرف أسمه .. و سيظل عالقا في ذهني باسم الغريب...
-----------------------------
أنتظروا الأجزاء القادمة
تحياتي
Bookmarks