أبحث عنه فلا أجده* هل كان حلماَ ثم أصبح سراباً ؟ أين تلك الأيام ؟ بل أين هو !؟
عندما كان يشاطرنا أوقاتنا* يضحك معنا ويمرح يجلس بيننا مع الأولاد والبنات.
كم كنا نُسر بذلك! أتذكر ليالي النزهة والخروج سوياَ إلى البحر أو الجبل..
يكفيني أنني كنت أراه حولي يشاطرني الهموم والأفراح ويملا روحي وعواطفي بمحبته وبالإنس
معه*والآن.........الآن! أكثر الوقت في غرفته لوحده* منعزلا بروحه وجسمه بعيداً عنا..
لا نكاد نراه إلا في أوقات الطعام أو آخر الليل..
أشعر أنا وأبنائي بالغربة والوحشة..
أنا في غرفتي وهو في مجلسه مع القات !!
والأطفال بعضهم في البيت وبعضهم لدى الجيران وبعضهم !..لا أدري لا أستطيع أن أتابع كل طفل .. ثم إن ابني الأكبر ما عاد يلتفت إلى كلامي وإن شكوته لأبيه لا يعرف منه
التأنيب والقسوة إنها مشكله من نوع آخر..
تحدثت معه عن كل ذلك وطلبت منه العودة إلينا لكنه لا يبالي..
بل قد أصبح مزاجه صعباً، تثيره الكلمة ولا يتحمل سؤالاً واحداً !!
يقول: كل زملائي كذلك !! أريد أن أتسلى بعيداً عن مشاكلكم..
وعن همومكم ! وعن طلباتكم !وعن إزعاج الأولاد !!
إذاً من للأولاد؟ ومن لهمومنا ومن لمشاكل أسرتنا؟ أليس هو الرجل ؟
أليس هو الزوج ؟ أليس هو الأب ؟... يا ربي ما أصعب هذه الحياة!
أطفال في...... ( الطرقات )
تراهم في أوقات كثيرة وفي أماكن مختلفة ..
أحياناً جوار جدار المنزل وأحياناً في أزقة القرية يركضون من طريق إلى آخر..
هم صغار نعم ولا يدركون مسؤوليتهم وهمهم اللعب والحركة ..
أما هيئتهم فلا تسر..سراويل بالية..وقمصان متسخة..وأجسام هزيلة ضعيفة * أنضجها الحر والرطوبة الشديدة..
إنهم خارج المنزل دائما حتى في أيام الدراسة !!
متى يذاكر هؤلاء؟ ومتى يجلسون مع والديهم ؟ ومتى ينامون ويصلون ؟ ومتى يأكلون وأين ؟
أحياناًَ تراهم مع من هم اكبر منهم سناً من شباب الشوارع والأرصفة.. إنه أمر خطير مؤلم!!
وأحياناَ يركبون في سيارات غيرهم وينطلقون إلى أين؟ لا تدري ..
هل هم مذنبون أم أنهم ضحايا؟
أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )).
إنها إذاً مسؤولية الوالدين والأب خصوصاً عندما ينفرد الأب بنفسه في جلسات لا تنفع لمضغ القات ساعات طويلة.
لا يدري عن حال الأطفال ولا عن دراستهم ولا عن زملائهم ولا عن دخولهم وخروجهم والأم وإن حاولت فكثيراً ما تعجز بعد حين..
أليس هؤلاء رعيته؟ أليس مسؤولاً عنهم ؟
إن أطفالنا هم أغلى ما نملك، يحتاجون إلى الرعاية، وإلى الحنان وإلى التوجيه والى الجلوس معهم وسماع ملاحظاتهم والعناية بهم وعند إهمالهم وتركهم ستضيع الصلوات وستضيع الدراسة
وستضيع آمالهم وسيقعون فيما لا تحمد عقباه..
وسنعضّ أصابع الندم في يوم من الأيام عندما نحصد ثمرة ما نزرع..
وسنندم أكثر إذا سألنا الله يوم القيامة عن أمانه غالية ضيَّعنها... ولم نرعها ... نعم لم نرعها ....
الزوج العازب
هكذا يعيش يتحرر من مسئولياته واحدةً بعد أخرى...
أما الأطفال فمسؤولية أمهم ويجب عليها ويجب .......
وأما طلبات المنزل فيمكن الاستعانة بأخوته أو إخوة زوجته أو حتى الجيران !!
وأما مشكلات المنزل فيحلها الزمن كلها.. إصلاحات المنزل.. وشراء بعض النواقص .. وتخلف بعض الأبناء عن المدرسة فضلا عن مشاجرة بعض الأطفال و.. و ..
وعند الطوارئ كمرض أحد الأولاد فربما تحرك وشارك أو أتصل بأحد الأقارب ليقوم بالواجب..
هكذا منذ سنوات.
لم يبق له من دور الأب إلا النوم في المنزل بلا نظام والجلوس مع زملائه ( أو لوحده أحياناً )..
يشاهد القنوات والأخبار ويستمتع ..
حتى جلسات الطعام قد يأكل بمفرده أو يشارك أسرته مرات قليلة..
لا يستطيع الالتزام بشيء تجاه أسرته ويشتكي من ضيق الوقت بين العمل والمنزل وكيف أنه بحاجه إلى الراحة والاسترخاء من الهموم..هموم العمل .. هموم الأسرة .. هموم الحياة.. أما الزوجة
فيجلس معها في أوقات قليلة وعلى عجل....
ويطلب منها أن تقضي وقتها مع أطفالها وصديقاتها*
ولا مانع لديه أن ترفه عن نفسها بمكالمات طويلة المهم ألا تشغله بنفسها وطلباتها:
ولا تزعجه بشيء من المشكلات والمنغصات:
إنه يريد أن يعيش بلا التزام وبلا مسؤولية !!
ومع هذا يريد أن تكون له أسرة وأطفال كيف ؟ كيف ؟؟؟
رسالة إلى أبي
لقد بلغت العشرين من العمر:
لقد أصبحت رجلاً يا والدي !!
أدرس الآن بإحدى الكليات لكني لست راضٍٍ عن حالي: فأنا لا أستطيع أن أوفق بين دراستي وإدماني على القات ( يومياً ).. نعم ( يومياً )
ثم: ثم أصحو في الليل لأبدأ التفكير في البحث عن توفيره.
أجلس لساعات طويلة أحياناً مع زملائي خارج المنزل لكني أشعر بالندم والعجز عن التوبة الانقطاع!!
أبي سامحني أريد أن أقول شيئاً !!
لماذا سهلت لي هذه الطريقة قبل سنوات؟ عندما كنت تناديني للجلوس معك: وإحضار
( القات ) لك من ( فلان ).
إن حب الاستطلاع جعلني أجرب أن أفعل كما تفعل ظننت أن هذا فعل الرجال،
وأردت أن أسارع لأكون رجلاً.. أنت قدوتي .. أنت قدوتي ..
وحينما علمت أنت بذلك ودار بيننا صراع قلت لي: تعال واجلس بجواري وشاركني هـذه الجلسات ( بدل أن أفعل ذلك في الخفاء وبعيداً عنك )،
ومنذ تلك اللحظة وإلى الآن وأنا على هذا الحال*
أخاف أن تضيع دراستي وعملي ومستقبلي:
أنا لا أحملك كل المسؤولية إنني أعلم أن كل إنسان مسؤول عن نفسه عندما يكبر .
لكن لماذا مهدت لي هذا الطريق؟ ولم تكن لي قدوة أفضل ؟
ولماذا لم تخف علي من مخاطر هذا الطريق ؟
إنني أخشى أن أفعل مع أولادي كما فعلت أنت معي..
وأسأل نفسي: أي قدوة سأعطيها لأبنائي إذا واصلت على هذا الحال ؟؟
كيف يمكن التوفير ؟
الحمد الله الذي من عليك بوظيفة مناسبة وقد قلت لي: إن معدل دخلك الشهري
هو( 5000 )ريال فكيف سيكون صرفها في ظروف معيشية صعبة في المنزل المستأجر
من جانب* والإنفاق اليومي على الغذاء وكسوة الزوجة والأبناء* وشراء الدواء
أحياناً * وإصلاحات السيارة أحياناً وفاتورة الهاتف الثابت أو الجوال * وتكلفة الكهرباء
شهرياً* ومعونة الوالدين عند الحاجة والمصاريف الموسمية* عند قدوم شهر رمضان وبدايات المدارس بل والمصاريف الخاصة بالإجازة الخ ...
هل يعقل مع هذا كله أن تنفق خمسين ريالاً أو مائة ريال تقريباً كل يوم على القات ؟
هل من العقل والحكمة أن يذهب ثلث أو ربع أو خمس الراتب في جلسة أو في ساعات قلائل
لا فائدة فيها؟ هل من المقبول أن تتلاشى أحلام الأسرة في منزل جديد مناسب ؟ وبعض
أساسيات الأثاث المنزلي الضروري وفي حياة كريمة دون حاجة إلى الناس.
كل هذا لأجل القات كل يوم..كل يوم !!
أليس توفير هذا المبلغ عبر الشهور والسنوات ثم إنفاقه على الحاجات الضرورية هو المطلوب؟وهو الذي يتمناه كل عاقل ورب أسرة مسؤول !!
كيف بالله نجمع بين شكواك من أحوالك المالية من الديون وإرهاق الفواتير وأنت في نفس الوقت تنفق الكثير.. الكثير.. من المال في مالا فائدة فيه !
وأخيراً تركت القات
أي شي تغير في حياتنا ؟.. أي نعمة نشعر بها جميعاً ؟..أي أسرة نحن الآن ؟
كان قراراً صائباً قوياً هذا الذي اتخذته.
كنت أفكر فيه منذ زمن طويل* لكنني عجزت عن تحقيقه في الماضي.
أما الآن فقد عزمت ونفذت وتركت القات وأرجو أن يكون إلى غير رجعه إن شاء الله.
وإذا سألتموني لماذا تركت القات فسأجيبكم
- لقد سئمت مالا نفع فيه ومللت جلسات طويلة لا يعقبها إلا ندم .. نعم .. ندم ...
- لقد رأيت الفوضى في حياة أسرتي وفي نظام بيتي..
- لقد لمست معاناة زوجتي فعلاً ..كم تحملت وكم صبرت وكم اشتكت وكم بكت؟ وكم.. وكم؟
- كبر أبنائي فخفت عليهم قرناء السوء* وسوء التربية بعيداً عن عيني ...
- كاشفني بعض أقاربي بمشكلات حصلت للأولاد فندمت وندمت...!!
- نظرت في حالي وأنا موظف منذ عشر سنوات.. فإذا أنا لا أتقدم خطوة واحدة في أموري المالية.. المنزل كما هو بل يسوء.. الديون تزيد وتتراكم ... حاجات الأسرة تزيد كل سنه وكل موسم.. فشعرت بالأسف أن يضيع جزء من مالي في جلسات لا خير فيها نعم.. لا خير فيها..
- حتى صحتي تأثرت فمع القات والشيشة والدخان بدأت أعاني من مشكلات الوهن في الجسم والتهابات في الصدر *وعسر الهضم والإمساك أثر علي فلا أعيش إلى على المسهلات...
- بل حتى مزاجي تغير..لمس ذلك بعض أصدقائي..بل شعر آبه الأقربون ( أولادي و زوجتي )..
- لقد بلغ عمري الأربعين ولا يكاد يمر يوم إلا وتفوتني إحدى الصلوات إما العصر أو المغرب وغالباً ما يكون الفجر وهكذا..فخفت وخفت !!
- لقد خفت الله وتذكرت ..
- مشاجراتي مع زوجتي مستمرة وصلت إلى حد خروجها من المنزل وأنا السبب..
أهملتها ووبختها .. لم أتحمل مسؤولياتها تركتها تصلي بجحيم مشكلات الأولاد والبنات....
لم أعطها وقتاً إلا قليلاً ولم أشاركها همومها إلا نادراً.
ومع توتر أعصابي كنت أتلفظ عليها بما لا يليق بين الزوجين.
لأجل كل ذلك قررت أن أعود إلى حياتي الطبيعية وأن أقبل التحدي مع نفسي..
واليوم
كم هو السرور الذي يشعر به أولادي*
أجلس معهم كثيراً* نتحدث سوياً في أمور مختلفة..
أبادلهم الرأي، أشاركهم حل الواجبات* وأتبادل معهم الأخبار والمعلومات*
نجلس سوياً على سفرة الطعام أسرة واحدة في سعادة وسكينة وراحة لا تنسى.
حتى إن ابنتي تقول وهي تبكي لماذا لم تفعل هذا معنا منذ زمن يا أبي ؟
لكنني ألتزم الصمت ولا أجيب فلا جواب عندي !!
زوجتي عادت من جديد.. والبسمة على شفتيها فسرها أن أكون معها...
أن أشاركها همومها.. بل أن اجلس معها وألاطفها في راحة بال وسعة صدر.
(وماذا بعد)
لقد قلّت خلافتنا ومشاجرتنا كثيراً وكثيراً جداً*
وها نحن الآن نفكر في البحث عن أرض لنشتريها *
ونجتهد في توفير بعض مالنا لذلك حتى لو احتجنا لسنوات أخرى ونسأل الله التيسير.
وأكثر من ذلك وأهم .. أنني أشعر بتوبتي وصدقي مع الله عز وجل *
فلم أعد أضيع الأوقات والصلوات والحمد الله على كل حال.
أشعر أنني أقوم بمسؤولياتي تجاه زوجتي وأبنائي الكبار والصغار وأرعاهم،
وأرجو من الله أن يتجاوز عما كان مني من خطأ وقصور،
وأن يكون حالي كل يوم أصلح وأفضل وإلى الأمام دائماًَ..
إنها سعادة غامرة ***
ومشاعر صادقه لا توصف.........
وحياة جديدة.. حياة بلا قات.. بلا قات .
اعجبني فاحببت وضعه لكم للاستفاده
Bookmarks