كتب ديفيد جارودي :نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
*يردد العرب . تعددت الأسباب والموت واحد . ويحضرني القول تعددت الروايات ( وفتّاح أين ؟ ) .فتّاح هو إسم الشهرة أو ( التدليل ) الذي يطلقه الرفاق وأعضاء الحزب على عبدالفتاح إسماعيل الرجل الجاد الصارم الحاسم العنيف .. والشاعر المعبر صاحب التاريخ الطويل في اليمن الديمقراطي وأكثر االرفاق تأثيرا في رجل الشارع هناك وصاحب أكبر شعبية بين كل من حكم هناك . ورغم كل هذا .. كان عبدالفتاح يتوقّع مقتله بين لحظة وأخرى ودائم التحدذث إلى أسرته انه في خطر !! لذلك كان يحتفظ بأهم وثائق الدولة والحزب في حقيبة صغيرة أودعها أهل بيته وأوصاهم بالحرص على محتوياتها والتصرف في مستنداتها بعد مقتله .

ولاأدري سراً لإحساس عبدالفتاح إسماعيل بأنه سيقتل .. ولماذا لم يتوقع انه سيموت دون قتل . ان حالة صراع الرفاق التي بلغت اشدها خاصة الأعوام والشهور الأخيرة وقبل المؤتمر الثالث على وجه الخصوص جعلت ( فتاح ) بحاسته وخبرته النضالية ولأنه كان القاسم المشترك في كل معارك الإقتتال والتصفيات السابقة .. ان يدرك ان في الأمر ( قتل ) ولكن من سيكون القاتل ومن المقتول .. هذه المرّة ؟

ان حياة المخاطر والصراع وقيادته وتخطيطه الذي وضع اليمن الديمقراطي داخل إطار المعسكر الشرقي . جعلت عبدالفتاح إسماعيل دائماً هو القاسم المشترك الأول في كل خلافات الرفاق حول تطبيق النظريات والعمل بها .. تمتع عبدالفتاح إسماعيل بشخصية قوية مثيرة للجدل والأضواء دائماً .. فيوم كان على رأس الحزب والدولة .. كان حكمه هو موضوع الساعة داخل اليمن الديمقراطي .. ويوم إستقال ونفى نفسه خمس سنوات في موسكو .

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي






كان الحديث عنه هو أيضا أهم الموضوعات المطروحة للنقاش داخل اليمن .. وعندما عاد عبدالفتاح إسماعيل مرة أخرى ( عود سلمى ) إلى عدن .. تحولت عدن .. إلى الغائب العائد . وطرحوا حوله التساؤلات : هل سيصمد عبدالفتاح إسماعيل بشخصيته القوية وتكوينه القيادي ليقوم بدور الرجل الثاني أو الثالث داخل الفريق الحاكم من الرفاق ؟ وكان ايضا فتّاح هو موضوع الحوار .
حتى أثناء الأحداث الدامية الرهيبة .. يوم إحتراق عدن وتقاتل الرفاق . والفزع الذي خيّم على العاصمة والبلاد . والرعب الذي ساد الجميع حكاماً ومحكومين . كان عبدالفتاح إسماعيل محط الأنظار .. أعلنوا عن إعدامه .. ثم نفوا الخبر .. قالوا انه هرب .. ثم عادوا ليعلنوا مقتله داخل ( دبابة ) .. ببيان رسمي . تناسى الناس هناك في اليمن الجنوبي ماحل بهم من خراب الأحداث .. وتحوّل خبر مقتل عبدالفتاح إسماعيل إلى حدث هام يشغل الجميع .. وكعادته من أوميت .. عادوا للتساؤل .. إذا كان عبدالفتاح إسماعيل قد قتل أين جثته ؟ وإن كان قد إحترق أين بقاياه ؟ خاتمه الذهبي وساعته _ المسمار البلاتيني الطبي _ الذي وضع داخل ظهره ؟؟
رفض عدد كبير فكرة مقتل عبدالفتاح إسماعيل .. وتعددت الحكايات . قالوا ان صاروخاً ( آر بي جي )أصاب دبابته فإحترق بداخلها . وقالوا انه قد أختطف بعد أن أعدوا له كميناً . وأمروه أن يُعلن بياناً بأنه قاد مؤامرة وقد فشلت ولكنه رفض .. فقتلوه وألقوا به في البحر .
ويقولون .. انه قد اصيب إصابة جسيمة ونقله الرفاق إلى الإتحاد السوفييتي للعلاج وانه سيعود يوماً ما ... وقد لاقت هذه الرواية التي تُرك لها العنان للإنتشار ..راجت بين عدد كبير من مؤيدي عبدالفتاح إسماعيل داخل اليمن الديمقراطي .. وكعادة العرب عندما رفضوا تصديق حدثاً معيناً .. أن تنتشر حوله القصص والروايات .. فهذا قد شاهده وهذا قد ساعد في نقله .. وان اسرته تزوره ... وانه قادم للقيادة .. وكما قلنا سابقاً سيظل عبدالفتاح إسماعيل مثيرا للجدل والتساؤلات . وهو ( مقتولاً ) تماماً .. كما كان كذلك وهو ( على قيد الحياة ) !! .

* انها لعبة الإيحاء السياسي

عندما تتبنى فكرة أو موضوعا .. فتغذيه بالأخبار والإشاعات والأقاويل .. والأحاديث الصحافية .. والمعلومة المتسربة المنسوبة إلى مصادر مقرّبة من الأحداث .. إلى ان يحقق ( الإيحاء ) هدفه وتُجنى ثماره .. تنكشف الحقيقة ويُرفع الستار .. قد يكون عبدالفتاح إسماعيل قد قتل في اليوم الأول من الأحداث وهذه هي ليست القضية .. التي تشغل فكر الرفاق في اليمن أو الشعب في شتى المدن والقرى .. القضية هي كيف يحافظ اليمنيون على إستقرارهم ؟ وأن تكون أحداث يناير الرهيبة المدمرة هي آخر الأحداث .


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


المرجع :
كنت هناك .. عدن أحداث يناير 1986.
ديفيد جارودي الصفحة 76 / 77 الطبعة الأولى يتبع