ما أجمل حياتنا .. !! إنها رائعة حقاً ، فقط حين نتأملها كما أراد لها رُبنا .. بدون أقنعة وبدون نظرات فلسفية سوداء أو رمادية .
الحياة بكل إندفاعتها وسننها وقوانينها تدور حول مركزين حيويين هما : عزم البقاء وكرامة العطاء ...
عزم البقاء علمٌ واسع وعميق يتعدى مفهومة البسيطة الذي يعني توفير المستلزمات المادية الأساسية للعيش ... بل هو حسب فهمنا لمهمة الاستخلاف الإنساني يعني علم التطور ومهارة التحسن والقوة والعلم وهو مثابرة السعي للعيش السالم الراقي .
عزم البقاء يعني أن تقوم بكل ما تستطيع لتجعل حياتك أفضل وأحسن من كل النواحي ... وبهذا المنهج نزلت الشرائع وخرج المصلحون والزعماء المجددون .. لآجل بناء الفرد الأفضل في المستوى الأمثل .
أما الشق الثاني فهو الشق الأسمى .. كرامة العطاء يعني أن لا معنى لحياتك أبداً بدون قائمة مشرفة من الإنجازات العطائية بغض النظر عن حجمها المهم أنها عطاء ولم يزد شيئاً على الحياة فهو فيها زائد تافه .
كل معنى سامي وخلق رفيع .. هو عطاء .. الحب النقي ، التسامح ، العفو ، السلام ، التعايش ، التكافل ، الرحمة ، الإنسانية ، كلها عطاء .
ولهذا فإن كل ما حولنا في الكون يعطينا وهو أصلاً مسخراً ليعطينا وينفعنا كلٌ على قدره ، ذلك لأن بند العطاء وهو بند أساسي في الحياة .
حتى درجات الجنة والتشريف الأخروي تأخذك إلى الأعلى فالأعلى عبر درجات العطاء .. فالله يحب المتصدقين لأنهم أهل عطاء .. ويزيد الدرجة للمحسنين .. فهم أعلى في العطاء .. ثم يزيد التشريف للدعاة والمربين لأنهم أهل عطاء أسمى وأنقى وأنفع ..
وهكذا حتى تبلغ قمة العطاء عند قمة الجنة ... هناك عند مرتبة الشهداء حيث نجد أن عطائهم قد بلغ الذروة وهو بذل النفس ووهبها ...
وهكذا نفهم لماذا تعددت تشبيهات المصطفى للمؤمن بالغيث فتارة يؤكد أن المؤمن كالغيث أينما حلَّ نفع ، وفي أخرى يبشرنا بأن أمته كالغيث لا يُعلم هل خيرها في أوله أم في آخره .. لقد تعمد الرسول الكريم أن يشد انتباهنا إلى رمزية الغيث العظيمة في الكون إنها رمزية عميقة ... فالغيث يحمل صفات العطاء الكامل المثالي الذي يجب أن يكون عليه كل عطاء.
فالغيث طاهر نقي في نفسه ويطهر كل ما يصادفه ويغسل كل درن ...
والغيث ذو بصمة عميقة فلا يمرُّ في مكان إلا وتعرفت إلى كل بوادر الحياة والنماء والخضرة فيه ..
والغيث سموح يعطي من يحب ومن لا يحب .. والغيث ودود يكرم بالأثر الطيب ولا يؤذي غالباً .. وهو لا يتأثر بما يمرُّ عليه ، فتجد القطرات النقية تمرُّ على الأرض الكدرة فتغسلها وتظل قطراتنا طاهرة لا ينجسها شيء .
والغيث لا ينتظر رداً ولا شكراً من أحد فهو ينهمر حتى تفرغ سحبه .
والغيث باق على عزمه وطهره مهما اختلفت الأيام والسنون .. واختلفت الأجيال .
فمن يستطيع أن يكون ذو عطاء مبارك كالغيث ؟ ، أعد النظر في الصفات السابقة الرائعة وتأملها .. ثم طبقها .. إذ لا معنى لحياتنا إن لم نجعل لها بصمة إحيائية لكل ما ومن حولنا ... إذ أنه لا وجود لمن لا قيمة لأثره ونتاجه .
باب السعادة الأكبر هو إعطاء الآخرين وإسعادهم .. وبوابة العظمة الحقيقية هي في الكرم والبذل ولهذا كان الكرم والجود والفضل كله بيد الله فهو الأعظم سبحانه.
تدهورت وساءت حياتنا حين عمت هلاوس الأنانية والفردية والمصالح والأرباح .. وشعارات ( نفع واستنفع ) .
والحقيقة أن سعادة الإنسانية في أن يعطي بلا حدود ... وأن تبذل بلا شروط ..
والآن أطلق روحك الكريمة في عالم العطاء وقدم لها السعادة الحقة ..
أعطِ بسخاء وبلا انتظار الرد فأنت تعرف قدر نفسك ..
ازرع أملاً في قلوب اليائسين ... إرسم بسمة على شفتين حزينتين .. جاهد لتشعل شمساً منيرة في ليل مكتئب بائس .. ناضل لتدفع تلك الصخور التي تمنع النور عن أولئك المتقوقعين في جحور أحزانهم وعجزهم .

... إدفع متردداً ، حمس متهيباً ، علَّم جاهلاً ، إحنو بدفء قلبك على قلب ضعيف عانى من دفعات الأيدي القاسية..
إملء عينيك بالحب والحنان و الدفء ليرشف منها كثير من العطشى الذين يعانون برودة المادية وجفاف الأجواء..

إبذل مالاً ، علماً ، جاهاً ، حباً ، قولاً ، دعاءً ... ولو حتى دمعة في ظهر الغيب... فكلها سامية مقبولة بإذن الله .
لا تستثني أحداً ولا تستصغر فعلاً فالكلمة الطيبة والبسمة الودودة كلها مقبولة .. لأنها عطاء .
ولا تنسى أن تذكر نفسك دوماً بأن عالم الأرواح القدسي يقضي بأن ذو العطاء الصادق يأخذ من السعادة بالقدر نفسه الذي بذله للآخرين .. فلا تبخل على نفسك بسعادة مضمونة في الحياة حتى وإن جحدك الآخرون ... ولا تبخل على نفسك بذكر حميد بعد الممات من المحبين ..

هلَّم لتكن غيثاً مباركاً يمرُّ ويقال مرَّ وهذا الأثر ..


الكاتبه / عائشة الصلاحي

من تصفحي جريدة النجاح

تحياتي