الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد الأولين و الآخرين سيدنا محمد الصادق الأمين و على آله و صحابته الأخيار إلى يوم الدين.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
أما بعد و عودا على بدأ و مع القضايا المعاصرة التي تتعلق بالمرأة المسلمة ألا وهو ما حكم عمل المرأة شرعا ؟ أعني عملها خارج البيت كما يعمل الرجل هل يجوز لها أن تعمل و تسهم بنصيب في الإنتاج و التنمية و النشاط في المجتمع ؟ أم المفروض عليها أن تظل حبيسة البيت لا تعمل إلا بين جدرانه الأربعة ؟ لطالما سمعنا أن ديننا الإسلامي كرم المرأة و منحها حقوقها الإنسانية قبل أن يعرف ذلك الغرب بجملة قرون أفلا يعتبر العمل من حقوقها التي تصون به ماء وجهها أن يراق و تحفظ به عرضها أن يصبح سلعة للمساومة ترخصها الحاجة و تبتذلها الضرورة ؟
و لماذا لا تخوض المرأة معترك الحياة كما خاضته المرأة الغربية فتصقل شخصيتها و تكسب حقها و تستقل بأمر نفسها و تسهم في ترقية مجتمعها ؟
إننا نريد أن نعرف الحدود الشرعية للعمل المباح للمرأة المسلمة التي تعمل لدنياها دون أن تخسر دينها، بعيدا عن تزمت المتشددين الذين لا يريدون للمرأة أن تتعلم و لا أن تعمل و لا أن تخرج من بيتها و لو إلى المسجد، و بعيدا أيضا عن الذين يريدون للمسلمة أن تتحلل من كل قيد و أن تعرض بضاعة رخيصة في الأسواق.
كل ما نريده هو حكم الشرع الصحيح الذي لا إفراط فيه و لا تفريط.
المرأة كالرجل هي منه وهو منها كما قال القرآن (( بعضكم من بعض )) فالإنسان كائن حي من طبيعته أن يفكر و يعمل و إلا لم يكن إنسانا.
و الله تعالى إنما خلق الناس ليعملوا بل ما خلقهم إلا ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فالمرأة مكلفة كالرجل بالعمل، و بالعمل الأحسن على وجه الخصوص، وهي مثابة عليه كالرجل من الله عز وجل، كما قال تعالى (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )) ، وهي مثابة على عملها الحسن في الآخرة و مكافأة عليه في الدنيا أيضا (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ))
و المرأة أيضا كما يقال دائما نصف المجتمع الإنساني و لا يتصور من الإسلام أن يعطل نصف مجتمعه و يحكم عليها بالجمود أو الشلل فيأخذ من الحياة و لا يعطيها و يستهلك من طيباتها و لا ينتج لها شيئا.
على أن عمل المرأة الأول و الأعظم الذي لا ينازعها فيه منازع و لا ينافسها فيه منافس هو تربية الأجيال الذي هيأها الله له بدنيا و نفسيا و يجب ألا يشغلها عن هذه الرسالة الجليلة شاغل مادي مهما كان فإن أحدا لا يستطيع أن يقوم مقام المرأة في هذا العمل الكبير الذي يتوقف مستقبل الأمة و به تتكون أعظم ثرواتها وهي الثروة البشرية.
الأم مدرســة إذا أعددتــهــا أعددت شعبا طيب الأعراق
و مثل ذلك عملها في رعاية بيتها و إسعاد زوجها و تكوين أسرة سعيدة قائمة على السكون و المودة و الرحمة.
وهذا لا يعني أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعا فليس لأحد أن يحرم بغير نص شرعي صحيح الثبوت صريح الدلالة و الأصل في الأشياء الإباحة كما هو معلوم من قواعد الشرع.
و على هذا الأساس نقول : إن عمل المرأة في ذاته جائز و قد يكون مطلوبا طلب استحباب أو طلب وجوب إذا احتاجت إليه كأن تكون أرملة أو مطلقة و لا مورد لها و لا عائل وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذل السؤال أو المنة.
و قد تكون الأسرة هي التي تحتاج إلى عملها كأن تعاون زوجها أو تربي أولادها أو إخوتها الصغار أو تساعد أباها في شيخوخته كما في قصة ابنتي الشيخ الكبير التي ذكرها القرآن الكريم في سورة القصص و كانتا تقومان على غنم أبيهما (( قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء و أبونا شيخ كبير )).
و كما ورد أن أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام في سياسة فرسه و دق النوى لناضحه حتى إنها لتحمله على رأسها من حائط له أي بستان على مسافة من المدينة.
و قد يكون المجتمع نفسه في حاجة إلى عمل المرأة كما في تطبيب النساء و تمريضهن و نحو ذلك من كل ما يختص بالمرأة فالأولى أن تتعامل المرأة مع امرأة مثلها لا مع رجل.
و قبول الرجل في بعض الأحوال يكون من باب الضرورة التي ينبغي أن تقدر بقدرها و لا تصبح قاعدة ثابتة.
و إذا أجزنا عمل المرأة فالواجب أن يكون مقيدا بعدة شروط:1
. أن يكون العمل في ذاته مشروعاً بمعنى ألا يكون عملها حراما في نفسه أو مفضيا إلى ارتكاب حرام.
2. أن تلتزم أدب المرأة المسلمة إذا خرجت من بيتها في الزي و المشي و الكلام و الحركة (( و قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) ، (( و لا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن )) ، (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )).3
.
ألا يكون عملها على حساب واجبات أخرى لا يجوز لها إهمالها كواجبها نحو زوجها و أولادها وهو واجبها الأول و عملها الأساسي.
فهذا ما أحببنا التنبيه عليه في هذه المسألة و لنا أن شاء الله لقاءات أخرى مع قضايا تخص المرأة المسلمة و سامحونا على الإطالة و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
Bookmarks