شاء أم أبى ، عليه أن يرحل ، لم يعد ثمة ما يستدعي وجوده .
31 عاما هي عمر جيل ابتلع وطغمته حياته ، وصادر أحلام الوطن ، وأباد كل أسباب وممكنات نهوضه وتقدمه ، على أنه ظل أيضا عائقا أمام قدرتنا على التفكير بما يمكن الوطن من استعادة أمله في أن ينهض من كبواته المستدامة وعثاره المزمن.
المهزلة التي أسداها إلينا وجوده : هي هذا الكم الهائل من البشر الخانع ، والكتل الآدمية المصلوبة على أوهام وعودة ، تماما كما تصلب صورته على أعمده الإنارة في شوارع التشرد، والبؤس.
محور اهتمام القادة الحقيقيون في العالم هو : الإنسان ، الوطن ، التقدم ، ومحور اهتمام قائدنا الفذ ، صانع منجزات الشكل ، والمنارات الست على جامعه ، هو : العرش ونقله ميراثا لأجياله ، سيج البلاد بكل أسباب انتقاله ، ولغم معابر الوصول إليه بكل أشكال الفوضى ، وأبدع صناعة الملهاة ، وأجاد رسم ملامح الموت ، وخضب الوطن بلون الدم ، وضمخه بأريج الجثث .
صنع أمجاده على أشلائنا ، نغم قراره بمزاج اللحظة ، والكيف ، ثم كيف ذاته مع القوى التي ساهمت في إدامته ، وراح في كل مناسبة وطنية يلوح بيديه ملقيا تحاياه التي يوزعها للمصفقين والمادحين والشعراء الذين تقرحت قرائحهم بأبيات النفاق والملق كي تقربهم منه زلفى .
صالح .؟ أي إحساس لديك فيما نحن فيه ؟ وكيف رضيت بوجودك مستقويا ، فيما يرفضك حتى منافقوك ، من وزراء وساسة وعسس ، وباعة أوهام وأقلام ؟
أي بطانة وضعتها حولك ، تستبطن لك أسوء نوايا السقوط ، وتصيغ تاريخك بأسلوب ينفي عنك ما تبقى من ذكرى يعتد بها ذويك بعد رحيلك؟
لو أفقت إلى خطورة ما تمارسه أجهزة القمع البوليسية ، لأدركت أن القمع ليس سوى تتويج أخير إلى منفى الذاكرة ، هناك حيث تخزن كوابيس المأساة ، وتسقط الأحزان والدموع .
لم نكرهك ، لكنك أرغمتنا على كراهيتك ، وتجييش مشاعرنا ضدك ، أوغلت في إذلالنا حتى أجدبنا من الخوف وفي قعر نضوب الخوف ولدت فينا الشجاعة ، وبدا لنا الموت كما لو أنه أمنية صعبة المنال ، نستجديك أن تمنحنا إياها لكنك ترفض ، وكأنه شرف تمنحه لمن تشاء ولا نستحقه..!!
Bookmarks