درس من انتخاب ديموقراطي
المصدر:جريدة الوطن السعودية-الخميس 28 شعبان 1427هـ الموافق 21 سبتمبر 2006م العدد (2183) السنة السادسة
للكاتب :علي سعد الموسى
تابعت فيما استطعت مهرجانات الانتخابات اليمنية وكنت قبل عام بالتمام أفعل ذات الشيء مع الانتخابات الرئاسية المصرية. في كلا الحالتين فاز، وحتماً سيفوز، دولة الرئيس وفي كلا الحالتين أنا مؤمن على الصعيد الشخصي أن الاقتراع كان مثالياً في الحالة العربية حتى وإن كان بالحد المعقول من النزاهة وعلى أي طريقة كان الاقتراع وتحت أي تجيير أو تجبير أو ضغط فمازلت واثقاً أن دولة الرئيس سيحظى بالأغلبية، وتحت أي نمط من الفرز والتعداد كنت واثقاً أن دولة الرئيس حتماً سيفوز.. هذه هي إرادة الشعب في كلا الحالتين وهنا السؤال الذي قد لم يتبادر لذهن أحد: لماذا اختارت هذه الشعوب بطوعها دولة الرئيس رغم أنها أعطيت فرصة سانحة للتغيير، ولماذا صوتت له بأغلبية ساحقة في انتخابات مفتوحة لا يستطيع أحد أن يجادل أنها زورت أو جيرت بالجملة؟
وفيما لا يستطيع أي شخص سياسي متمرس أن يجادل حول فوز شعبي حصده دولة الرئيس مباشرة من الصندوق، يستطيع الجميع أن يجادل حول الآليات التي أوصلت الجمهور لاختيار الرئيس وإعطائه الصوت الانتخابي بمطلق الحرية. يستطيع أي شخص أن يقول إن النتيجة، وإن كانت نزيهة، تعبر عن إرادة الشعب إلا أنها إفراز متوقع لشعوب مازالت ثقافتها الديموقراطية في مرحلة الحبو. قد يجادل شخص ما على أن مؤسسات الحكم في هذه النظم الانتخابية هي التي ألغت كل ما حولها من الصفوف ناهيك عن هيكل المعارضة، ثالث قد يقول إن المؤسسة الإعلامية هي التي أوصلت صورة الرئيس إلى كل زاوية وهي التي روجت لحملته الانتخابية.
مع هذا فاز الرئيس وبصوت الأغلبية مهما قيل عن صوت ضاع من هنا أو أهمل هناك. رؤيتي للانتخابات في كلا البلدين، أن دولة الرئيس فاز بالمطلق، طوعاً، رغم عقود طويلة من تجارب الشعوب معه، رؤيتي أن الحفلة الانتخابية في حملات الحكم أو مهرجانات المعارضة تتمحور دائماً حول الأشخاص لا حول البرامج ولا صلة لها بالتأسيس لمنظومة مجتمع مدني. كل ذلك كان غائباً عن الحملات والخطب. مع هذا لم نناقش السؤال الجوهري: لماذا فاز دولة الرئيس، بلا رتوش جوهرية، وحصد الأغلبية المطلقة من شعوب ذهبت للصندوق حرة مختارة فلم تبادر للتغيير؟ أجوبة متقاطعة: منها أن المجتمع العربي مازال قبلياً يخضع للكاريزما حول الشخص فيذهب لمن كانت هذه الكاريزما حوله في الخيال الطويل المطبوع. منها أنه ذكي يعرف أن الفارق بين الرئيس وحلقات المعارضة واهن تلقائي ضعيف وخلال نصف القرن الأخير مر على هذا العالم العربي ما لا يقل عن مئة ألف من أصحاب القرار بين وزير ووكلائه إلى رئيس ونوابه إلى رئيس وزراء ومساعديه، من الذي أحدث بين كل هؤلاء فارقاً جوهرياً ملموساً كي تبادر الشعوب بالتغيير؟
Bookmarks