تحقيق الوحدة والحفاظ عليها
لا يختلف اثنان في أن إعادة تحقيق الوحدة بين ما كان يسمى بشطري اليمن هي من أهم المنجزات و المكاسب الوطنية التي تحققت في ظل قيادة الأخ الرئيس/علي عبد الله صالح و الذي توج بها النضالات والتضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الشعب اليمني على مر العصور؛
فلقد مرت اليمن بظروف صعبة وشاقة وهي تسعى لإنجاز هذا الهدف العظيم، وكان الأخ الرئيس يؤمن بحتمية إعادة توحيد الوطن، جاعلاً من ذلك همه الأكبر، وكانت أحاديثه وتصريحاته ومقابلاته الصحفية وكلماته في المؤتمرات الدولية ومحادثاته مع رؤساء الدول ووفودها وسفرائها، وكذا خطاباته في مختلف المناسبات الدينية والوطنية والثقافية لا تخلو من التأكيد على ضرورة إعادة تحقيق الوحدة وإنهاء التشطير الذي كان مصدراً للنزاعات والصراعات بين الشطرين وسبباً لإهدار الإمكانيات، ومعوقاً للتنمية والبناء. وظل يعمل على إزالة العوائق والمصاعب التي تقف حجر عثرة في طريق إعادة تحقيقها، كما شكل هذا الهدف محور اهتمام استراتيجي لمعالجة قضايا عديدة مثل:
ـ اعتبار إعادة إنجازه إضافة لا يمكن إغفالها في تدعيم الأمن القومي العربي الذي بدأ في التآكل تحت ضربات التآمر الصهيوني على المنطقة كلها،
ـ كبح جماح النظام الشيوعي الماركسي في جنوب الوطن الذي كان مصدراً لإثارة القلاقل بين دول المنطقة، بحكم نوعية الفكر اليساري المتطرف الذي يتبناه ويريد ترويجه وفرضه، بعكس النظام في شمال الوطن الذي حاز على تقدير دولي كبير انعكس في مثالية التعامل مع مختلف دول العالم،
ـ حدوث اضطرابات سياسية قوية في أوساط الحزب (الماركسي)، مما أدى إلى مجازر دموية كان ضحيتها أبناء الوطن العزل، أبرزها ما حدث في 13 يناير 1986م من كارثة نتيجة صراع الرفاق، وأصبح جنوب الوطن يعاني من ظروف اقتصادية وسياسية عسيرة تمثلت في ارتفاع المديونية العامة إلى أكثر من ستة مليارات من الدولارات، وما يثير الاستغراب والتساؤل هو أن هذه المبالغ الضخمة لم تنعكس على الواقع في شكل مشاريع تنموية وخدمية، فالواقع التنموي والخدمي صفر، إلى جانب نفاد كثير من السلع الأساسية وقلة المياه الصالحة للشرب، وغياب العديد من الخدمات وانتشار إرهاب الحزب في أوساط المواطنين،
ـ تبني الحزب الشيوعي الماركسي عمليات التخريب التي كان يقوم بها ما أُسمِي بالجبهة الوطنية المسلحة العسكرية في المناطق الوسطى، ويسلطها للقيام بعمليات تخريب واسعة النطاق في صفوف الأهالي، وكان الهدف من كل هذا إثارة البلبلة والفوضى وزعزعة الاستقرار في شمال الوطن الذي كان يمر ببعض الفترات من عدم الاستقرار السياسي، خاصةً في منتصف السبعينيات التي سبقت مرحلة تولي الأخ الرئيس للسلطة،
ـ نشوب حربين بين شطري الوطن في عامي 1972م و 1979م، وهذا يعني استمرار مثل هذه المشاكل إذا لم تتحقق الوحدة، وهو ما يفسر أيضاً تدخل بعض الدول في شؤون اليمن الداخلية عن طريق دعم الأطراف المتحاربة بالسلاح والمال، وقد برز ذلك جلياً في حرب الردة والانفصال،
ـ فتحقيق الوحدة إذاً في وسط هذا الخضم من التحديات كان بمثابة البلسم الذي وضع حداً نهائياً لكثير من الآلام والمخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد البلاد؛
فقد ظل حلم الوحدة يراود كل أبناء الوطن اليمني، ولكن النوايا المعلنة لم تكن كافية لدى قيادات الحزب الاشتراكي التي اتخذت من شعارات الوحدة ورقة رابحة تستغل بها عواطف المواطنين، كما أنها جندتها للمناورة مع صنعاء عندما كانت تخفق كل المحاولات العدوانية للحسم العسكري، وكانت الحرب تنتهي عادة بتوقيع الاتفاقيات على أساس فتح قنوات الحوار أمام حلم الوحدة اليمنية، ولكن نظراً لأن حكام عدن كانوا يعيشون تحت تأثير الأيديولوجية الشيوعية، وكان هذا الولاء للماركسية في نفوس أصحابه أقوى وأوثق من حبهم للوحدة اليمنية، فإن كل محاولات التقارب من أجل تحقيق هذا الهدف السامي قد فشلت بسبب مماطلة الحزب وتسويفاته التي كان يمارسها على أعمال لجان الوحدة،
وبالرغم من ذلك، فإنه يمكن القول إن فترة الثمانينات قد شكلت قفزة نوعية بالأخص في حياة الشطر الشمالي (سابقاً) من اليمن، ويمكن اعتبارها حقاً عصر التحول الذهبي في ظل سياسة القيادة الحكيمة للأخ الرئيس/علي عبد الله صالح؛ إذ بدا الوطن في هذا العقد وهو يئن تحت وطأة الحروب والصراعات السياسية والتمزق، واختتمه وهو يطل على عصر جديد بوجه مشرق، حيث استطاع التخلص تدريجياً من أزماته الاقتصادية ومن ثم خطر التجزئة، كما رفع مبادئ وشعارات مثالية مبدئية تعتمد علي الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية والحزبية واحترام حقوق الإنسان؛ مما أثار إعجاب دول المنطقة، فاتسمت سياسة الأخ الرئيس بالموضوعية والواقعية والاستفادة من دروس الماضي، فتم تحرير القرار من الهيمنة الخارجية ورسخت أسس بناء دولة حديثة متطورة، وتحقق للوطن نهضة تنموية خاصة بعد اكتشاف النفط والغاز والتوجه نحو التنمية الزراعية الشاملة، وقد أدى كل هذا إلى استقرار اقتصادي ونهضة تنموية ملموسة،
أما في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً فقد كان الوضع مختلفاً تماماً، حيث دخل الحزب في صراعات متعاقبة آخرها أحداث 13 يناير 1986 م المأساوية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى في صفوف المدنيين والعسكريين على حد سواء،
وفي آخر الثمانينات، جاء انهيار المعسكر الاشتراكي وتوقفت الإمدادات عن نظام الحكم الشيوعي في عدن، وكانت الجماهير المتعطشة للوحدة والحرية مهيأة للثورة علي قيادتها الاشتراكية التي أدركت أنه لا مهرب لها سوى الوحدة خاصة بعد تفاقم الأطماع والصراعات في أوساط قيادات الحزب الاشتراكي؛ ولذلك كانت الوحدة هي سفينة النجاة للخروج من المصير المحتوم الذي لقيته الأحزاب الاشتراكية وقياداتها في العديد من أقطار المعسكر الاشتراكي السابق في أعقاب الفشل الذريع للتجربة الشيوعية الشمولية في العالم. ومن جانبه سعى الأخ الرئيس إلى جنوب الوطن بنفسه مغامراً بحياته ليمد يده إلى الرفاق معلناً رغبته في تحقيق الوحدة التي أصبحت الخيار الوحيد لأبناء الشعب اليمني في جنوب الوطن كما هي في شماله.
الاتفاقيات والإجراءات العملية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية
إن أولى الخطوات العملية في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هي التوقيع على اتفاقية القاهرة في 28 أكتوبر 1972 م وتبعها بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972 م الذي بموجبه تم تشكيل اللجان الفنية المشتركة التي تعد لقيام الوحدة، وقد وقع بيان طرابلس كل من القاضي/عبد الرحمن الإرياني عن الجمهورية العربية اليمنية، وسالم ربيع علي عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
وقد جاء لقاء القاهرة وتوقيع الاتفاقية تجاوباً مع الجهود التي بذلتها لجنة التوفيق العربية والمشكلة بقرار من مجلس جامعة الدول العربية بتاريخ 13 سبتمبر 1972 م من أجل تسوية الخلافات بين شطري اليمن بعد حدوث أول اشتباكات بين قواتهما، وقد وقع الاتفاق كل من محسن العيني/ رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في الجمهورية العربية اليمنية وعلي ناصر محمد/ رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية،
وفي الفترة 28- 30 مارس 1979 م، تم انعقاد قمة في الكويت بين الأخ الرئيس/علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية (سابقاً) وعبد الفتاح إسماعيل أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (سابقاً) بعد اشتباكات بين الأطراف حينذاك؛ مما أدى إلى وساطة الجامعة العربية التي عقد مجلسها جلسة طارئة في الكويت في الفترة (4- 6 مارس 1979 م)، وأوصى بعقد قمة لرئيسي الشطرين، وقد صدر في ختام القمة يوم 30 مارس 1979 م بيان وقعه الطرفان نص على أن تقوم اللجنة الدستورية بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة خلال فترة أربعة أشهر، ثم تُقر الصيغة النهائية له من قبل الرئاسة في الشطرين، فيتم الاستفتاء على الدستور وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجديدة، وكان هذا البيان بداية للعمل الجاد نحو إنجاز الخطوات المؤدية إلى تحقيق الوحدة، وقد استمر بعده عقد اللقاءات بين المسئولين في الشطرين على مختلف المستويات، كما استمرت أعمال اللجان المشتركة، وفي 2 ديسمبر1981م تم تشكيل المجلس اليمني الأعلى من الأخ الرئيس/ علي عبد الله صالح، والرئيس/ علي ناصر محمد لمتابعة سير تنفيذ اتفاقيات الوحدة بين شطري الوطن وللإشراف على لجان الوحدة، وكان ذلك ضمن اتفاق تطوير التعاون والتنسيق بين شطري الوطن الموقع في 2 ديسمبر1981 م خلال زيارة الأخ الرئيس/علي عبد الله صالح لعدن، وقد تم الاتفاق المبدئي بين وزيري داخلية البلدين آنذاك على تنقل المواطنين بين الشطرين بالبطاقة الشخصية، وعلى إزالة المواقع العسكرية من الأطراف، وعلى إنشاء عدد من الشركات المشتركة في مجال السياحة والمواصلات والنقل البري والبحري وفي قطاع الصناعة وفي مجال تكرير النفط وغير ذلك، وقد استمر المجلس اليمني الأعلى في أنشطته حتى جاءت أحداث الثالث عشر من يناير 1986م في عدن وخروج الرئيس علي ناصر محمد من الشطر الجنوبي ومعه عدد كبير من قيادات الحزب ورجال الدولة، وكان تصرف الأخ الرئيس/ علي عبد الله صالح خلال تلك الأحداث المؤسفة حكيماً ومستلهماً لرؤية عميقة؛ حيث رفض -ورغم كل المغريات- التدخل وبشكل قاطع في الصراع الدائر بين الرفاق، بل دعا إلى حل الخلافات والاحتكام إلى الحوار، الأمر الذي انعكس على تهيئة مناخات من الثقة أمكن خلالها فيما بعد استئناف الحوار الوحدوي مع الجناح المنتصر في قيادة الحزب الاشتراكي الذي استلم السلطة في عدن، وجاء انعقاد قمة تعز في 16 أبريل 1988م بين الجانبين، حيث تم التأكيد في الاتفاق الذي تم خلال القمة على الالتزام الكامل والتنفيذ لما سبق أن توصل إليه الشطران في العمل الوحدوي قبل أحداث يناير1986م في كافة المجالات، وعلى أهمية تنشيط أعمال الهيئات واللجان الوحدوية القائمة بينهما، وفي نفس الوقت تم تكليف سكرتارية المجلس اليمني الأعلى بإعداد برنامج زمني لإحالة مشروع دستور الوحدة إلى مجلس الشورى والشعب في الشطرين ومن ثم الاستفتاء عليه كما نصت على ذلك اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس، ومن أهم ما اتفق عليه التأكيد على أهمية قيام مشروعات استثمارية مشتركة للثروات الطبيعية،
وقد بدأت الخطوات العملية المبشرة بإعادة تحقيق الوحدة في 4 مايو 1988م عندما تم عقد اتفاق بشأن تسهيل حركة تنقل المواطنين بين الشطرين، وكان ذلك بمثابة إذابة الجليد النفسي وتفتيت التراكمات والحواجز الشطرية، وتم أيضاً الاتفاق على الاستثمار النفطي المشترك بين محافظتي مأرب وشبوة، وقد تم فعلاً إلغاء النقاط العسكرية التي كانت متمركزة على الأطراف والممرات بين الشطرين وبدأ تنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية من تاريخ (يوليو 1988م) حيث ألغيت كل الإجراءات المعيقة لحرية التنقل في عموم الوطن اليمني، وكان ذلك إسهاماً فعالاً وخطوة واثقة على طريق إعادة تحقيق الوحدة من خلال ما أزالته من تعبئة نفسية وإعلامية خاطئة لدى أبناء الوطن الواحد في الشطرين، وتوجت الجهود الوحدوية المخلصة التي بذلها الأخ الرئيس بالتوقيع على اتفاق عدن التاريخي في الثلاثين من نوفمبر1989م التاريخي، أثناء الزيارة التي قام بها الأخ الرئيس إلى عدن، كما تم المصادقة عليها وإقرار مشروع دستور دولة الوحدة وإحالته إلى مجلسي الشورى والشعب في شطري الوطن وذلك للموافقة عليه طبقاً للأنظمة الدستورية السارية لكل منهما،
اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية
في يوم 27 رمضان 1410 هجرية، الموافق 22 أبريل عام 1990م تم التوقيع على اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية، وتنظيم الفترة الانتقالية من قبل زعيمي الشطرين، وفيما يلي نص الاتفاق:
* تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من مايو عام 1990 م الموافق 27 شوال بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني) وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية) ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة،
* بعد نفاذ هذا الاتفاق يكون مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية لمدة الفترة الانتقالية ويتألف من خمسة أشخاص ينتخبون من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس لمدة المجلس ، ويشكل مجلس الرئاسة عن طريق الانتخابات من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، والمجلس الاستشاري، ويؤدي مجلس الرئاسة اليمين الدستورية أمام هذا الاجتماع المشترك قبل مباشرة مهامه، ويمارس مجلس الرئاسة فور انتخابه جميع الاختصاصات المخولة لمجلس الرئاسة في الدستور،
* تحدد فترة انتقالية لمدة سنتين وستة أشهر، ويتكون مجلس النواب خلال هذه الفترة من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الأعلى بالإضافة إلى عدد (31)عضواً يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة، ويمارس مجلس النواب كافة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور،
* يصدر مجلس الرئاسة في أول اجتماع له قراراً بتشكيل مجلس استشاري مكون من (45)عضواً، وتُحدد مهام المجلس في نفس القرار،
* يكلف مجلس الرئاسة في أول اجتماع له فريقاً فنياً لتقديم تصور حول إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية بما يكفل تعزيز الوحدة الوطنية وإزالة آثار التشطير،
وبناءً على هذا الاتفاق، تم إعادة تحقيق الوحدة وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في الموعد المحدد بعلمها وشعارها الوطني، وانتهى عهد التشطير إلى الأبد، وتم اختيار الأخ الرئيس/علي عبد الله صالح رئيسا لمجلس الرئاسة في الجمهورية اليمنية.
المؤامرات ضد الوحدة
لقد دخل الحزب الاشتراكي الوحدة مُرغماً وهروباً للأمام؛ خشية الغضبة الجماهيرية، وتخلصاً من المأزق الذي كان يعيشه الحزب في ظل الانهيارات التي شهدتها الأحزاب الشيوعية في العالم؛ ولهذا وقع قادة الحزب الاشتراكي اتفاقية الوحدة وهم يخططون للعودة إلى الوراء؛ لذلك قاوموا فكرة دمج القوات المسلحة والأمن وبعض المؤسسات السيادية الأخرى التي ظلت تحت سيطرتهم في المحافظات الجنوبية والشرقية وافتعلوا أزمة سياسية ومارسوا انفصالاً غير معلن.
وقد كانت قيادة الحزب الاشتراكي تتخوف من اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، وتحاول عبر مناوراتها العديدة أن تحصل على الكثير من التنازلات من الطرف الآخر قبل الانتخابات، قصد ترسيخ أقدام أتباعها في سدة الحكم، ومن تلك المناورات ما يلي:
* المحافظة على مراكز أتباعها في الدولة والحكومة مناصفة مع الأعضاء من المؤتمر الشعبي العام مع عدم إدخال أي قُوى وطنية أخرى.
* الاعتماد على عدم تطبيق الدستور حيث أن بعض مؤسسات الدولة مازالت لم تكن قد أدمجت خاصة الجيش الذي كان يعول عليه الحزب كورقة رابحة وضاغطة على الشريك الآخر.
* إبقاء الوضع على حاله وعدم تنفيذ اتفاق الوحدة، فالدولة دولتان والأمن أمنان والجيش جيشان، وتظل الوحدة الفعلية حبراً على ورق.
* تحميل الأخ الرئيس كل مسئوليات تردي الأوضاع في الوطن، وتشويه سمعة رجال المؤتمر الشعبي العام عبر وسائل الإعلام التي تحت سيطرة الحزب، وخلق شعارات سياسية تنادي بسقوط الرئيس وحزبه عبر تأجيج الرأي العام وقيادة بعض الفتن الداخلية المفتعلة بواسطة الحزب في بعض شوارع المدن الرئيسية.
* إظهار الأخ الرئيس وكأنه غير قادر على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية؛ حيث كانت العملة الوطنية تشهد تدهوراً مضطرداً، مرجعه العبء الكبير الذي تحملته ميزانية الدولة بعد الوحدة؛ فالمعروف أن ديون الشطر الجنوبي سابقاً قد ألقيت على حكومة الجمهورية اليمنية، ومع ذلك ظلَّ العزف على أغنية الفساد والمفسدين وضعف الدولة مع التركيز على شخص الأخ الرئيس.
* لجأت قيادة الحزب الاشتراكي إلى كل وسائل المراوغات كي تحصل على مكاسب إضافية، وأهم هذه الوسائل: الاعتكافات التي انتهجها البيض هرباً من واجباته الوطنية ومسئولياته تجاه بناء دولة الوحدة، بل إن قيادة الحزب قد حاولت العودة إلى واقع التشطير السابق خاصة بعد افتتاح حقول النفط في وادي المسيلة بحضرموت، وبدأ المتنفذون وأصحاب المصالح في الحزب الاشتراكي يخططون جدياً للعودة إلى واقع ما قبل الوحدة، عن طريق إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والمناطقية والحزبية وبذر الفتن بين مختلف القوى السياسية في اليمن،
* كان البيض لا يكتفي بالاعتكاف في حضرموت وعدن، ولكنه كان يدير حرباً دعائية شعواء ضد الأخ الرئيس شخصياً، ويسعى إلى كسب تعاطف الرأي العام عن طريق الدعاوى الوهمية والدعايات المضللة.
* اعتمدت قيادة الحزب الاشتراكي مبدأ إثارة الأزمات السياسية بصفة منتظمة، وزادت رغبتها في الانفصال بعد أن أدركت أن كل التنازلات سيبطل مفعولها مع أول انتخابات برلمانية، وقد تجلت النوايا التخريبية الانفصالية صراحة مع الاعتكاف الأخير للنائب البيض، وقد ذهب في يوليو 1993م إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحت غطاء إجراء بعض الفحوصات العلاجية، فقام أثناءها بكثير من الاتصالات مع قيادات الحزب الاشتراكي في الخارج وبعض الأطراف الخارجية، ممهداً لتنفيذ المخطط الانفصالي والعودة إلى التشطير والتجزئة للوطن مرة أخرى، وبدلاً من عودته إلى صنعاء عاد مباشرة
في 19 أغسطس إلى عدن، وأعلن من هناك أكبر حملة دعائية سياسية ضد الأخ رئيس الجمهورية ، ورفض كل الوساطات ومحاولات تهدئة الأجواء حفاظاً على الوحدة الوطنية.
* استغلت قيادة الحزب بعض المناسبات الهامة مثل احتفالات أكتوبر المجيدة لتقود منها أعظم حملة ضد القيادة السياسية، وأصبحت تخطط سراً وعلانية للقضاء على الوحدة، خاصةً بعد الانتخابات البرلمانية في 27 إبريل 1993 م والتي أظهرت الحجم الحقيقي للحزب الاشتراكي في الساحة الوطنية؛ فقد سبب فوز المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية الساحقة ويليه الإصلاح فزعاً كبيراً لدى المتنفذين في الحزب الاشتراكي، ورفض البيض القبول بحكم الأغلبية، وشكك في العملية الديمقراطية برمتها، ونادى بأعلى صوته قائلاً : إن الأغلبية ليست الأغلبية العددية .
* أما موقف الأخ الرئيس/علي عبد الله صالح فقد اتسم بالحكمة والتسامح ومحاولة احتواء الخلافات التي أثارها الحزب الاشتراكي، فقال معلماً وناصحاً حينئذٍ:
علينا أن نتعلم كيف ندير خلافاتنا، وأن نتعلم من مدرسة الديمقراطية، ومدرسة الديمقراطية لا تعني الإساءة للآخرين وإثارة الحقد، ولكن الديمقراطية تعنى البناء، ونتعلم كيف نتخاطب ونتحاور مع بعضنا البعض، وكيف ندير خلافاتنا جميعاً من أجل الأمة، وليس من أجل مصالحنا وكراسينا في السلطة .
* وكان الأخ الرئيس مستعداً لكل شيء إلا مسألة المساومة على الوحدة، فإنه رفض جملة وتفصيلاً التفريط في هذا المنجز مهما كانت الظروف، وقالها بكل صراحة :
لقد كنا مستعدين أن نقدم مليون شهيد من أجل أن تبقى وحدتنا، وقد عملنا حسابنا لحرب قد تدوم ست أو سبع سنوات، وعندما قال:الوحدة أو الموت، أصبحت هذه الصرخة المدوية شعاراً خالداً لكل أبناء اليمن حاضراً ومستقبلاً .
الوحدة أو الموت،،
أثمرت الوساطات العربية عن لقاء عمان بين الأخ رئيس الجمهورية ونائبه أمين عام اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي ومعهما لجنة حوار القوى السياسية، وتم توقيع ما سمي بـ " وثيقة العهد والاتفاق" ؛ تفادياً لإراقة الدماء اليمنية؛ وكشفاً لمخطط الانفصال وحقيقة نوايا الانفصاليين بعد أن عملوا على تكديس الأسلحة وإشعال الفتن في الوطن والزج بأبناء القوات المسلحة في الاقتتال فيما بينهم كما حدث في معسكر عمران ومنطقة دوفس؛ فأدركت القيادة السياسية للوطن الموحد أن الحزب الاشتراكي يسعى إلى إشعال الحرب، وأن توقيع الاتفاق ما هو إلا أسلوب تكتيكي يقصد منه ذر الرماد على العيون، وفرض فكرة العودة إلى حالة التشطير بصورة عملية من خلال التمهيد للدخول في مناورات أخرى،
كما أن البيض وزمرته وبدلاً من العودة إلى الوطن لتنفيذ ما جاء في الاتفاق، سارعوا يطوفون على بعض العواصم طلباً للدعم وتصعيداً للموقف المتأزم الذي افتعلوه، غير أن الأخ الرئيس بحكمة وصبر ظل يتعامل مع التطورات المتسارعة ويهدئ من حدة التوتر إلى آخر لحظة، ويعتبر ما يحدث على الساحة الوطنية أمراً اعتيادياً سيتم تلافيه بين الآونة والأخرى، بل إنه قال يوم شن الانفصاليون الحرب في الوطن: إن الأمور في تحسن وهناك حلٌ مُرضٍ لجميع الأطراف، وهذا يؤكد بما لا يدع للشك مجالاً أنه ظل حريصاً على الحل الديمقراطي السلمي، وبقي يردد علي الدوام وفى مختلف المحافل أن ما يحدث في اليمن شأن داخلي، ويشبه تماماً ما يدور بين الأخوة في العائلة الواحدة، ولكن الانفصاليين لم يأبهوا لهذه الدعوة الصادقة ومضوا قدماً نحو تفجير الحرب دفعة واحدة لتمرير مخططهم الانفصالي وفرضهم القوة.
وفي صبيحة يوم 4 مايو 1994م أشعل الانفصاليون شرارة الحرب الشاملة في كل أنحاء الوطن، وكانت حرباً بين كل فئات الشعب وأحزابه ورجاله وبين فئة انفصالية متمردة على الشرعية الدستورية، واتخذ الانفصاليون كعادتهم إجراءات تعسفية لا نظير لها داخل المناطق الشرقية والجنوبية، وانتهكوا أبسط قواعد حقوق الإنسان المعروفة، مدفوعين بحب الدم والطمع والشهوة إلى خوض حرب يعلم مسبقاً استحالة النصر فيها، مادام الشعب اليمني لا يرضى بأي حال من الأحوال بالتفريط في وحدة ترابه التي تحققت بعد صراع طويل ومرير، فمهما كان تاريخهم دموياً- كما تجسد في 1986م - يريدون إعادته على أوسع مستوياته، إلا أنهم لم يتمكنوا من إجهاض أعظم منجز على الصعيد الوطني والقومي والتاريخي،
ولذلك لم يحظ الانفصاليون بأي تأييد خارجي، وبقي العالم مؤيداً للقيادة الحكيمة بزعامة الأخ الرئيس/ علي عبد الله صالح، وأعلنت كثير من الدول وقوفها إلى جانبه مع شعبه ووحدته وديمقراطيته، وحذرت الطرف الآخر من مغبة الدخول في مغامرة لا يحمد عقباها،
وهكذا ومع توقيع وثيقة العهد والاتفاق في 21 فبراير 1994م في عمان بالأردن، أخذت القيادة الانفصالية في الحزب الاشتراكي تفرض سياسة الأمر الواقع وإشعال نار الفتنة بين قوات الوطن الواحد في منطقة دوفس بأبين حيث كانوا يخططون للقضاء التام على لواء العمالقة في محافظة أبين بغية الانتقال من مرحلة المناورة السياسية إلى مرحلة فرض الموقف العسكري بهدف تحقيق مكاسب سياسية انفصالية، وقامت قيادة الحزب بسحب كوادرها المدنية والعسكرية من صنعاء إلى عدن، كمحاولة للقضاء على أي فرصة للحوار وتحكيم العقل على السلاح، وتجلى هذا في يوم العرس الديمقراطي في 27 إبريل 1994 م، عندما فجروا الموقف عسكرياً في منطقة عمران بين أخوة وزملاء السلاح من أبناء الوطن الواحد.
وفي مرحلة أولى، كانوا يوقتون اختلاق المصادمات العسكرية مع كل اجتماع للحكومة، فمثلاً بعد اجتماعها الأول بعدن فجروا الوضع في بيحان ومنطقة السليم بمحافظة شبوة، وعندما اجتمعت الحكومة مرة ثانية في مدينة تعز عملت القيادة الانفصالية على إشعال الموقف العسكري في مدينة ذمار ويجيء هذا كله؛ لإفشال الحوار وقطع خط العودة إلى التئام المؤسسات، وتطبيع الحياة بشكل عام في البلاد، وهنا بدأ التصعيد للأزمة من خلال العمل السياسي والعسكري،
وأشعلوا نار الحرب ابتداءً من يوم 4 مايو 1994 م لتستمر ثلاثة وستين يوماً تقريباً، وانتهت يوم الانتصار العظيم في 7 يوليو 1994م، وكانت القوات المدافعة عن الوحدة والشرعية تحقق انتصارات حاسمة على طول خطوط القتال، وكانت الخسائر في صفوفها محدودة، وسعى جنود الوطن في كل شبر منه للانضمام في لُحمة واحدة للتقدم لتخليص عدن من قبضة الانفصاليين، وتثبيت أسس الوحدة اليمنية التي مهرت بدماء الشعب الزكية،
والشيء الذي يثير الأسى هو إقدام القيادات الانفصالية على نهب المنشآت الأساسية وتدميرها، وإطلاق صواريخ سكود على الأحياء السكنية في محافظتي صنعاء وتعز، وتدمير محطات الكهرباء ومصافي النفط والطرق والجسور وإذاعة عدن وأبنية ومنشآت عامة، وكذلك منازل المواطنين الأبرياء التي لم تسلم من تخريبهم، فدمروا وأحرقوا كل شيئ، وعكسوا بذلك حقيقة الحزب وزيف الشعارات التقدمية وخبث قيادته ضد الوطن ووحدته. وتشير التقديرات إلى أن الحرب التي أشعلها الانفصاليون كلفت الوطن حوالي 11 مليار دولار.
وعقب النصر العظيم، تحمل الأخ الرئيس مسؤولية تطبيع أوضاع الحياة العامة في البلاد، مترفعاً فوق كل الجراح، منطلقاً من إيمانه وقناعته الأكيدة بأن اليد القوية الحامية هي التي ستبنى ما دمر، وأن التسامح ضروري لتقييم النفوس قبل ترميم المنشآت، وعلم الجميع أن الأخ الرئيس بحق مثال مشرف لوحدة اليمن، واليد الحامية له من كل المؤامرات على السيادة الوطنية داخلياً وخارجياً ؛
فعندما أعلن الأخ رئيس الجمهورية العفو العام في 23 مايو 94م عن كل المغرر بهم في حرب الردة والانفصال، ما عدا الـ (16) الذين تزعموا الحرب وكانوا سبباً في تدمير البنية التحتية للوطن، والقضاء على مكتسبات الوحدة والديمقراطية، والمطلوبين للمثول أمام العدالة،، ضرب الأخ الرئيس مثالاً فريداً في العفو عند المقدرة، ودعا الجميع إلى البدء في معركة جديدة هي معركة البناء والتنمية وتخطي أوجاع الماضي وترابط مختلف شرائح الشعب اليمني من أجل خدمة الوطن ورفعته وتقدمه وترسيخ وحدته،،
يتبع
Bookmarks