لم يكن يوما صعبا .. كان اليوم الاصعب . فجأة امى تنادينى بصوت مشروخ : الحقنى .. تعالى شوف ابوك !! الساعة الثانية صباحا .. عدت الى المنزل منهكا تماما .. ولم انم .. بل اواصل عملى على الكمبيوتر بنصف تركيز .. " شوية وجاى " .. قلتها بتعب وانا مندمج فى محاولة لاستنهاض ما يمكن ان يكون متبقيا من طاقتى بعد 17 ساعة عمل متواصلة !! " سيب اللى فى ايدك وتعالى " قالتها هذه المرة بصوت مرعوب افزعنى ونزعنى من مكانى نزعا حتى وصلت الى غرفته . وجدته ملقيا على الارض وقد فارق الحياة . لم يكن عندى شك انه مات .. اشرت اليها ان اهدئى وقلت لها كلمة واحدة : خلاص !! .................................................. .................................................. ... كان لزاما علىّ فى تلك اللحظة ان استرجع بسرعة البرق تعليماته غير المباشرة التى اودعها فى قلبى الف مرة دون ان ينطق بها ابدا : " لما اموت خلى بالك من امك واخوك الصغير .. خلى بالك من اعمامك وعماتك .. فانا كبيرهم .. وانت سوف تتولى مسئولياتهم من بعدى .. تماسك حتى لا ينهار الجميع ، فجميعهم سوف يستندوا عليك فتحمل .. تلقى عزائى بصبر وثبات .. اياك ان تضعف او تدمع او تنهار .. كن رجلا " تمام يا افندم . .................................................. .................................................. ... اه لو تدرك كم كان حبسى لدمعى مؤلما .. قاسيا .. الجميع يشيعونك بدموعهم وبكائهم الحار الا انا .. حتى عندما نزلت معك الى قبرك .. ووجهتك نحو القبلة .. وظللنا سويا وحدنا للحظات اختلست خلالها دمعة لم تكد تصل الى خدى .. حتى جفت من تلقاء نفسها .. او ربما لمحت نظرة عدم رضا من تحت كفنك .. فلم تشأ ان تغضبك .. فتبخرت !! .................................................. .................................................. ... اللهم احشر مصطفى مع المصطفى – صلى الله عليه وسلم – دعاء جميل ومؤثر دعا به الشيخ فبكى له الجميع وخشع له قلبى وتذلل الى الله ان يصدق فيك .. ولكن عينى احترمت الاتفاق ولم تضعف . .................................................. .................................................. .. اطمئن يا ابى .. الايام تمر وانا ما ازال ثابتا متماسكا – على الاقل فى الظاهر – بينما يغلى قلبى لوعة لفراقك .. ولكن التعبير عن هذه اللوعة ممنوع .. فانا الابن الاكبر الذى يجب ان يبقى متماسكا فى اشد الظروف حتى يحافظ على البيت .. والناس .. من الانهيار الكامل . احتويت الجميع .. اعمامى وعماتى .. واخوالى وخالاتى .. ضممتهم بقوة بين احضانى .. مسحت دموعهم بيدى وربتت على اكتافهم .. لا تقلق !! .................................................. .................................................. .. الاعمام والاقارب والجيران وزملاء العمل - وحتى من لا يعرفنا - اثنوا على وقفتى الثابتة واعصابى الهادئة وصبرى الجميل .. احدهم احضر معه ابنه الصغير وقال له : لما اموت اعمل زى محمد ما عمل لابوه " و قال ثان : لا يحزن متوفى ترك على ظهر الدنيا مثل هذا الشاب " وقال ثالث " ولد صالح يدعو له " بينما قال اخر : اللى خلف ماماتش " اقسم بالله العظيم اننى لم افرح باى حرف من هذا الاطراء .. بل كنت اود ان اصرخ فيهم جميعا : لا .. اننى اتقطع حزنا على فراق احب الناس الى قلبى على ظهر الارض .. لا تصدقوا تماسكى ولا ثباتى ولا ابتسامتى الهادئة التى اخفف بها من احزان محبيه .. فانا اكثركم انهيارا وضياعا والما .. ولكنها الاوامر !! .................................................. .................................................. ... ابى الحبيب .. مر حتى الان 4 شهور على فراقك .. وحشتنى جدا جدا جدا جدا .. غير قادر على التحمل اكثر من ذلك .. اشتاق الى ان تضمنى الى حضنك وتنادينى بكلمتك الاثيرة : انت ابن عمرى " محن وازمات ومشاكل .. احتاج اليك .. احتاج الى رأيك .. الى استشارتك .. الى نصحك .. لكنى افتقدك .. لا اجدك كما كنت معتادا دائما . كل شىء حولى يقول لى ان ابى مات .. ابى ماااااااااااات .. لقد كدت انسى خلال الايام السابقة هذه الحقيقة – واللهم لا اعتراض – . فى زحمة المسئوليات و ( تنفيذ الاوامر ) كنت اتعامل مع الموقف كأنك غائب وستعود مجددا – على الاقل حتى تتسلم منى تقريرا مفصلا عن فترة غيابك - .. اما الان وقد ( فقت ) على هذه الحقيقة المرة .. اسمح لى ان اترك الفرصة لشلالات دموعى ان تخرج من محابسها .. ابى الحبيب – عليك رحمة الله - .. اسمح لى ابكى
<<<<منقول عن أيميلي
Bookmarks