هل حماس لغز؟
د. رفيق حبيب
بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس على قطاع غزة، انهالت الكتابات حول هذا الموضوع بصورة كبيرة، وهو في الواقع حدث مهم. وانقسمت الكتابات إلى مؤيد ومعارض، وكأن الحادث محوري لحد مثل نقطة فاصلة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ونقطة فاصلة في خلافات التيارات الفلسطينية حول وسيلة التعامل مع الاحتلال الصهيوني، وأظن أن هذا صحيح. ولكن المتابع لما يكتب عن حركة حماس، يلاحظ التنوع الشديد والتباين الشديد، وكأن ما يكتب لا يكتب عن حركة واحدة، وكأن هناك عدد من الحركات أسمها حماس. وإذا عدنا إلى ما قبل سيطرة حماس عسكريا على قطاع غزة، وحتى ما قبل الانتخابات التشريعية، سنجد أيضا تباينا واضحا في ما يكتب عن الحركة، فالعديد من الكتابات كانت تعتبر الحركة خارجة عن الواقع، لأنها لا تريد المشاركة في الانتخابات، خاصة قبل مشاركتها في الانتخابات البلدية، وعندما شاركت حماس في الانتخابات البلدية ثم في الانتخابات التشريعية وفازت بالأغلبية، وجدنا من يرى أن فوز حماس هو نتيجة الكراهية لحركة فتح. ثم جاءت مرحلة حصار حكومة حماس، والتي فرض فيها على الحركة التعاطي مع العديد من الشروط، وعندما وافقت الحركة على وثيقة الوفاق الوطني، المعروفة باسم وثيقة الأسرى، قيل أن حماس تمارس المرونة السياسية وأنها حركة واقعية. وعندما لم تنجح وثيقة الوفاق الوطني في حل المشكلات العالقة أو في تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساسها، ووقعت وثيقة مكة، قيل أن حماس بدأت تقدم التنازلات من أجل الحفاظ على مقعد السلطة. ولكن الاقتتال الداخلي استمر، وأصبح من الواضح أن تيار المشروع الأمريكي الصهيوني، والذي دعم حصار حماس منذ البداية يريد الحسم العسكري، فإذا بحركة حماس تبدأ الحسم العسكري وتنجح فيه. وهنا ملكت حركة حماس أوراقا مهمة في لعبة الحصار وفي لعبة السياسة، من خلال سيطرتها على قطاع غزة، وسيطرتها على الوثائق الموجودة في جهاز المخابرات وجهاز الأمن الوقائي، وهنا رأينا من يقول أن حركة حماس حركة دموية متطرفة. فإذا أضفنا لهذا صورة حماس قبل الدخول في العملية السياسية، والتي كانت ترى أنها حركة مقاومة، وأنها لا تفهم في العمل السياسي، ولا تعرف كيف تخطط لعملياتها، وأنها تفسد العملية التفاوضية بصواريخها، وأضفنا لذلك أيضا ما يقال عن صواريخ القسام، والتي تسمى بأنها مجرد ألعاب ليس لها تأثير، نكون قد وصلنا إلى الصورة المجمعة عن حركة حماس، وهي في الواقع لا تصلح أن تكون صورة تعرف من يقرأها بحركة المقاومة الإسلامية حماس.
هذه الصورة التي تبدو مشوهة وغير منطقية تحتاج إلى إعادة ترتيب حتى نعرف بالضبط الفكرة وراء الصورة التي تنشر عن حركة حماس. وعلينا ملاحظة أن تلك الصور التي يروج لها الطرف الآخر، وهو هنا حركة فتح والقوى والأنظمة العربية التي تساندها، وأيضا الدول الغربية التي تساند ذلك التحالف العربي، وربما نقول الدول الغربية التي شكلت هذا التحالف العربي، تمثل في الواقع محاولة لا لفهم حركة حماس، بل محاولة لإعادة إنتاج حركة حماس داخل المنظومة القائمة على التسوية مع الكيان الصهيوني. بمعنى أن حركة فتح منذ اتفاقات أوسلو، وهي تتبنى مشروعا محددا وهو المشروع المسمى بخيار السلام العربي، ومن خلال تبنيها لهذا المشروع، تضع وتروج صور عن حركة حماس بالصورة التي تناسب موقفها ومشروعها. وعلى هذا سنجد مثلا أن أفضل صورة لحركة حماس كانت في بدايات عملية التفاوض مع إسرائيل، حيث كان من المطلوب من حركة حماس القيام بدور المقاومة، لتسهيل عملية التفاوض، ولكن كان من المطلوب أيضا أن توقف الحركة المقاومة عندما يطلب منها هذا، وهو ما لم يحدث، فتحولت صورة الحركة إلى الصورة السلبية في نهايات عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما تصور أصحاب مشروع التسوية أن هناك حلا سلميا ممكنا. وعندما فشلت الحلول السلمية في كامب ديفيد الثانية في عام 2000، وعاد ياسر عرفات وهو مقتنع بأهمية عودة المقاومة وقامت الانتفاضة الثانية، أصبح دور حماس مهما ومطلوبا. ولكن عندما أصبحت العمليات الاستشهادية تؤثر تأثيرا كبيرا على إسرائيل بدأ النقد لحركة حماس. ثم وجه النقد للحركة لأنها ترفض الدخول في العملية السياسية، فلما دخلت وفازت أصبحت تمثل مشكلة، فطلب منها أن تدخل في عملية التسوية ورفضت، فأصبحت تمثل عائقا أمام المشروع، وبدأت الحرب على حركة حماس، لأنها قدمت مرونة سياسية ولم تقدم تنازلات، وعندها ثبت أنها غير قابلة للاستيعاب داخل مشروع التسوية.
كل تلك التحولات في الموقف من حركة حماس، لا يتمشى مع حقيقة موقف الحركة، فالحركة قامت على أساس أن المقاومة هي الوسيلة الأساسية لمواجهة الاحتلال، ثم رأت أهمية أن تقوم بدور في توجيه المجال السياسي والتعبير عن الشعب الفلسطيني، وتوفير غطاء شرعي لحماية المقاومة، بعد أن أصبحت مؤسسة السلطة الفلسطينية هي أكبر خطر على المقاومة. لذلك نرى أن الصور التي تروج عن حركة حماس، تتعلق بموقف التيار الآخر منها، ولا ترتبط بحقيقة موقف الحركة. فالمطلوب هو توظيف الحركة في مشروع التسوية والاستسلام، ثم التخلص من الحركة، من خلال تقديم الحركة تنازلات تقضي على مشروعها المقاوم، أو من خلال القضاء فعليا عليها. لهذا تقدم الحركة بصورة إيجابية لتوظيفها، ثم تقدم بصورة سلبية للقضاء عليها. فحماس ليست لغزا، بل مشروع مقاومة يواجه مشروع الاستسلام.
Bookmarks