هذه القصة واقعية ..
او لنقل 99 % منها واقعي ..
لأني أخشى أن أبالغ في الوصف .. فتنتفي صفة الواقعية ..
أو لا أحسن الوصف فتنتفي المصداقية ..
فدعونا نبحر في بحر هذه القصة ..
طالب أنا الآن ..
في كلية أخذت من الطالب كل شيء ..
شغله و فراغه .. همه وفرحه .. عافيته ومرضه ..
حتى حروفها اشتقتها من اسمه ..
ط ا ل ب .. ا ل ط ب ..
أنا الآن في بدايات سنين الدراسة ..
مازلت شابا .. تنقصه خبرات الحياة ..
ومن أولئك الذين يخفق قلبهم حبا من النظرة الأولى ..
ويخبو حبهم في النظرة الثانية .. مباشرة ..
لو سمينا ذلك حبا تجاوزا ..
تنهكه النظرات .. فيتحاشى عنها ..
فالنظرة الأولى من القلب ..
والثانية من العقل ..
فإن تبع العقل القلب ..
فهو الحب ..
و لكن دوما ما كان القلب يتبع العقل ..
فيخلف أثرا في القلب لا يندمل بسرعة ..
من تلك السهااااااااام .. القلبية ..الفتاكة ..
انا في بلادي ..
في اليمن ..
في عدن ..
لكن بلادي كانت بالنسبة لي .. كيان أحبه .. لا أعرفه ..
و أخشى مما ينتظرني فيه ..
وهكذا هو الخوف من المجهووول ..
غادرتها .. وأنا بالكاد أنطق أسمي ..
وأعود لها وأنا طالب جامعي ..
دعونا نعود للقصة ..
جالس انا في أحد كرسيين في فناء الكلية منتظرا أحد رفاقي ..
ممسكا بكتاب .. أقلب فيه نظري هاربا .. شاردا ..
مما يعبث بقلبي ..
من سهاااااااام النظرة ..
فجأة شعور غريب يكتنفني ..
حاسة سادسة .. لقلب مرهف ..
بأن هناك من يراقبني ..
رفعت عيناي ..
فاصطدمت بعينيها ..
مباشرة ..
جمال .. خلاب ..
وثقة مفرطة ..
ونور مبهر ..
اكتنفني ..
فلم أرى غيره ..
حاولت الشرود بنظري للكتاب ككل مرة ..
إلا أن تلك النظرة الثاقبة المباشرة ..
أسرت نور عيني ..
فلم أرى من حروف الكتاب شيئا ..
ولم أجد كلمة تقرأ ..
فعدت بعيني ..
لأنظر لها ..
و لا أدري أهو العناد اكتنفني .. لكي لا أبعد عيناي عنها ..
لرؤية من يستسلم .. أولا ..
أم هو الجمال الذي خلب لبي .. فجمد اطرافي وعيناي ..
أم هو الفضول .. لرؤية مدى حياء وخجل تلك الفتاة من النظر اليها ..
المهم أنها لم ترفع عيناها عني ..
فأشحت بعيني عنها ..
ولم أصبر فعدت فوجدتها تتقدم نحوي بخط مستقيم ..
يوحي لي بأنها تقصدني ..
فارتفعت نبضات قلبي مع كل خطوة ..و
بدأ عقلي يعمل بسرعة .. بأصناف الشكوك الظن السيء والحسن ..
لربما لا تريدني ..
جعلت اتطلع خلفي فلم اجد الا الجدار .. ولا شيء معلق فيه ..
مما جعلها تبتسم ابتسامة اختلع لها قلبي ..
واختلجت شفتاي وهي تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ..
ومن وساوسه ..
لربما تريد الكرسي ..
فقمت .. منه مع وصولها أمامي ..
وهممت بالذهاب ..
فإذا بي اسمع بصوت لين رقيق ..
شككت في أني قد سمعت صوت نسائي معه من قبل ..
زادها جمالا وأنوثة ..
و سحرا ..
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
- وعليكم السلام ورحمته وبركاته ..
رددت السلام ..
فاستوقفتني قائلة :
- كيف حالك يا محمد ؟
وجلست على الكرسي المحاذي لي ..
مئة علامة استفهام اشتعلت في رأسي ..
إذن هي تقصدني ؟
لماذا ؟ هل ؟ كيف ؟ لعل .. لكن ..
وبينما انا في شرودي دعتني للجلوس ..
فجلست كالمسلوب منه ارادته ..
أخذت زمام المبادرة فلم استطع فكاكا منه ..
كنت اجيب فقط بلا سؤال ..
بعد ان سحرني قربها مني ..
فأصبحت ابتسامتها كاشراقة شمس صغيرة .. تزيدها بهاء ..
عذبة منعشة .. كشرب عصير برتقال طازج بارد .. وانت في قمة العطش ..
ونظرتها كسهم يدخل القلب بدون ان يخرج منه ..
و جلوسي معها كالجالس في الجنة على قطعة من نار ..
كان عقلي لا زال يعمل بنصفيه ..
نصفه الايسر .. كان يفكر بعنف ويحلل كل كلمة .. ويطرح اسئلة لا حل لها ..
والايمن .. يرسم لوحة هادئة رومانسية .. جمعت مشاعرا متضاربة ..
تعجب .. استنكار .. عتاب .. واعجاب ..
انظر لمن حولي فأجدهم يختلسون النظرات علينا ..
ولا ادري أهي .. تعجب ام استنكار ام عتاب ام اعجاب ..
حتى رفيقي الذي انا كنت منتظره وقف مبتسما في خبث يراقب ..
كنت اتمنى بأن تستمر في الكلام ..
وأن تتوقف .. عن الكلام ..
هكذا .. قلب متعب .. وعقل حائر ..
مرتبك ..
حتى سكتت .. فسألت سؤالي الذي على لساني منذ أن رأيتها ..
- هل تعرفينني ؟
ضحكت وابتسمت ابتسامة ..
تمنى ابليس معها ان تكون الاجابة .. نعم ..
- ألست محمد بن فلان ..
صمتت .. في حيرة ثم قلت ..
- كلا .. لربما والدي كان له أسم اخر لا اعرفه ..
غطت حمرة الخجل عليها .. وابتسمت .. مما زادها بهاء ..
وقالت بصوت كالهمس :
- عفوا .. كنت احسب انك هو ..
- يخلق من الشبه اربعين ..
اقولها بتعجب .. وحيرة ..
مضت .. بخجل تمشي ..
والدنيا حولي تظلم كغروب الشمس ..
مخلفة قلبا جريحا ..
و أثرا لم يندمل ..
ومنذ ست سنين لم أرها مرة أخرى ..
ولم أرى شبيهي ..
كانت قصة .. تجبرني على الاعتراف أن للجمال سحرا .. يذهب بالعقول ..
وان كانت العقول تأبى أن يحكمها الجمال ..
قصة لحب من أول نظرة ..
Bookmarks