قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :'من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد' وقال أيضاً : 'ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئاُ ...' كل حديث على حدة كفيل أن يجعل أشد المبتدعين والطامعين يرتدعون عن سلوك هذا الطريق المهلك فما بالكم إذا اجتمع هذان الحديثان في شخص ما , إنها قصة خليفة استغل سلطته ونفوذه في فرض بدعة خبيثة كفرية على الناس ومارس أسوأ أنواع الضغوط على أهل العلم ليجبرهم على اعتناق تلك العقيدة ليقوموا بنقلها لعامة المسلمين فسن بذلك بدعة خبيثة وسنة سيئة في الإسلام في فرض الباطل بقوة السلطة , ورغم ما كان لهذا الخليفة من الأعمال الصالحة والجهاد والخير إلا أن كل ذلك انغمر في سوء بدعته وسنته السيئة التي سنها في الإسلام ونسى الناس كل ذلك وحفظوا له بدعته وسنته السيئة .
هو الخليفة العباسي عبد الله المأمون بن هارون الرشيد العباسي القرشي الهاشمي ولد في شهر ربيع أول سنة 170هـ في نفس الليلة التي توفى فيها عمه الهادي الخليفة لذلك يقال لتلك الليلة أنها ليلة الخلفاء لأن فيها مات خليفة وولد خليفة وتولى خليفة , نشأ في بيت الخلافة وكان مربيه وأستاذه هو 'جعفر البرمكي' وبانت نجابته وذكائه من صغره ورشحته صفاته لأن يعقد له أبوه الرشيد البيعة للخلافة بعد أخيه الأمين الذي فضله عليه لأن أمه كانت عربية الأصل وأم المأمون كانت أم ولد اسمها 'مراجل الباذغيسية' وهذه الفعلة من الرشيد رحمه الله أدت لنشوب الخلاف بين الأمين والمأمون ووقوع القتال أكثر من أربعة سنوات وحدثت فتنة عظيمة بين المسلمين انتهت بقتل الأمين , وكان المأمون محظوظاً في وجود عدة شخصيات قوية من حوله ساعدته على الحصول على الخلافة والانتصار على أخيه الأمين من أمثال هذه الشخصيات القائدين الحربيين الكبيرين طاهر بن الحسين وهرئمة بن أعين والوزير صاحب الدور المشبوه 'الفضل بن سهل' الذي استولى تماماً على المأمون وحجبه عن الناس وحجب الناس عنه وعزل كل الأخبار عنه وكان غرضه من ذلك إسقاط الخلافة العباسية وإسنادها للطالبيين لأنه كان من الشيعة المغالين لذلك استطاع الفضل بن سهل أن يقنع المأمون بولاية العهد من بعده 'لعلي الرضا' الإمام السابع عند الشيعة الإثنى عشرية وخلع السواد شعار الدولة العباسية ولبس الخضرة مكانها , وهذه الأمور كلها جعلت الفترة من 198 حتى سنة 202هـ كلها اضطرابات عليه وعلى خلافته وخلعه أهل بغداد ونصبوا عليهم إبراهيم بن المهدي عم المأمون ولم يستقم أمر الخلافة للمأمون إلى بعد مقتل الفضل بن سهل وقيل أن المأمون هو الذي وضع عليه من قتله ووفاة 'على الرضا' ولي عهده فجأة وقيل أيضاً أن المأمون هو الذي سمه ليرضى عنه أهل بغداد ولا ينازعون في أمر الخلافة وبالفعل بعد وفاة هذين الرجلين استقامت الخلافة للمأمون وبدأ ملكه الحقيق من سنة 202هـ .
كان المأمون ذا خبرة عظيمة في سياسة الحكم عالماً بأحوال رعيته وخاصة باطنته وخواصه , محباً للعدل يرى فيه أساساً لثبات الحكم وكان يجلس بنفسه للفصل بين الناس ويأخذ الحق من أي شخص كائناً ما كان , وكان محباً للعفو عن المخطئين وقال عن نفسه :'ليت أهل الجرائم يعرفون مذهبي العفو حتى يذهب الخوف عنهم' وكان كريماً بصورة تصل إلى السرف حتى أنه أنفق في عرسه على 'بوران بنت الحسن' ما يوازي خمسين مليون درهم ؛ وكان فيه شهامة عظيمة وقوة جسيمة في قتال الكافرين خاصة الروم الذي حاصرهم وصابرهم مرات كثيرة وباشر القتال بنفسه وكان يستمع إلى النصيحة ويرجع إلى الحق . أمر يوماً بإباحة نكاح المتعة 'وهذا يوضح أثر التشيع على المأمون لأن نكاح المتعة مباح عند الشيعة' فدخل عليه القاضي 'يحيى بن أكثم' مهموماً مغتماً فقال له المأمون 'مالك يا يحيى؟' قال له يحيى'أبيح اليوم الزنا يا أمير المؤمنين' فارتعد المأمون قائلاً وكيف ذلك ؟ قال يحيى' أبيع اليوم نكاح المتعة' فقال المأمون وهل هو زنا ؟ قال يحيى ' يا أمير المؤمنين قل لي 'عن زوجة المتعة هل هي التي ترث أو تعتد أو هي ملك يمين' فقال المأمون كلاً فقال يحيى 'إذا هي زنا' فقال المأمون 'أستغفر الله من ذلك وأمر منادياً بتحريم المتعة' .
وكان المأمون من حفظة القرآن كثير التلاوة حتى أنه كان يتلو في رمضان ثلاثاً وثلاثين ختمة وكانت له بصيرة بعلوم متعددة فقهاً وطباً وشعراً وفرائض وكلاماً ونحواً حتى علم النجوم .
كان المأمون يحب العلم ولم يكن له بصيرة نافذة فيه وكان جاهلاً بالسنة الصحيحة وهذا الأمر وعدم تمكنه من العلم جعل المعتزلة يروجون عليه ذلك لأن بعض رؤساء الاعتزال اجتمعوا عنده وعبثوا بعقله وراجع عليه الباطل والاعتزال خاصة أن المأمون كان يحب قراءة كتب الفلسفة والمنطق وما سطره الأوائل في هذا الشأن فعظم عليه أمر العقل لذا اعتنق فكر الاعتزال وعلا عنده شأن بشر المريس وأحمد بن أبي داود رؤساء الاعتزال وألزموه دعوة الناس لهذا الفكر الباطل والقول بخلق القرآن وظل من سنة 202هـ حتى 218هـ يدعو لهذا الفكر بالحوار فلما رأى إعراض الناس ورفضهم لتلك البدعة الخبيثة قرر الاستعانة بسلطته ونفوذه وقرر إجبار أهل العلم والمحدثين على اعتناق هذا المذهب وعقد لهم محاكم تفتيش وهددهم بالفصل والحرمان والتعذيب والتشريد حتى أكرههم على ذلك ولم يثبت في تلك الفتنة سوى الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فأمر المأمون أن يحملا إليه مقيدين على جمل إلى طر سوس وسل سيفاً لم يسله من قبل وأقسم أن يقتل أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح إذا لم يجيبا بالقول بخلق القرآن وعندها جثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال 'سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته , اللهم لا تجعلنا نراه ولا تجعله يرانا' فاستجاب الله دعاء العبد الصالح فمات المأمون قبل أن يصلا إلى طر سوس .
كان المأمون هو الخليفة العباسي الوحيد الذي كان على مذهب الشيعة حيث كان يذهب إلى تفضيل على بن أبي طالب عن باقي الصحابة فخالف بذلك جمهور الخلفاء والعلماء والمسلمين .
Bookmarks