بقلم: فؤاد الهجرسي


قال الله تعالي: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (63)﴾ (الفرقان).



1- ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰنِ﴾ هم الذين يقبلهم الرحمن تبارك اسمه عبادًا له، وهم الذين طابت هيئتهم وسيرتهم ومقالتهم، يتواضعون في مشيتهم.. لا يتبخترون ولا يسرعون، بل يقصدون، وإذا أساء إليهم السفهاء لم يجاروهم، بل على مثل من قال الله فيهم: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)﴾ (القصص) (تفسير: فتح الرحمن).



وهم الذين أطاعوا الله وعبدوه، وشغلوا أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم وقلوبهم بما أمر الله به، أولئك يستحقون اسم العبودية وشرف الانتساب، ومن كان على عكس ذلك يُقال لهم:

﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ (الأعراف: من الآية 179).



2- ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾، والمراد: مشيًا تعلوه السكينة والوقار، يُفهم ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم في طريق الصلاة: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (رواه البخاري ومسلم).



ولعل المراد بالسكينة هنا طمأنينة النفس، ووقار يعلو حال المقبل على الله، يصلي له ويعبده، هذا مع الهمة والنشاط والحرص على عدم الفوت.



ويراد بالسكينة: الخروج من حال الهرولة و"الهرجلة" التي تذهب الوقار، قال صلى الله علية وسلم: "يأيها الناس عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس بالإيضاع"... أي السرعة التي تخل بالوضع.



وتنسحب صفتا الهون والسكينة على خلق الماشي، فضلاً عن صورته وهيئته، فقد قيل (رب ماشٍ هونًا وفي خلقه طبع ذئب أطلس) أي: رمادي اللون أجرب الجلد شديد الافتراس.



3- وليس المراد بالمشي الهون مشية البطيء المريض، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى، فكأنما ينحط من صعيد وكأن الأرض تُطوى له.



ورأى عمر رضي الله عنه شابًّا يمشي رويدًا، فقال له: (ما لك؟ أأنت مريض قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه رضي الله بالدرة وأمره أن يمشي بقوة.



4- ومما قاله الإمام الحسن البصري رضي الله عنه في هذا المقام: (إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والقلوب والجوارح؛ حتى لتحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، منعهم من الدنيا علمهم بالآخرة فقالوا: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)، وأما والله ما أحزنهم حزن الناس ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الآخرة، أبكاهم الخوف من النار، دارية من يتعز بعزاء الله، تَقطٌعُ نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب فقد قل علمه وحضر عذابه).