قرأت بتعجب الخبر الذي نشرته جميع الصحف السعودية حول مالك فندق يمني مغترب قام بتأجير الفندق لبعثتي حج في وقت واحد، لبعثة حج يمنية وأخرى تايلندية. وكيف أن هذا الفندق كاد أن يشهد مأساة أخرى شبيهة بما حصل في العام الماضي بعد أن شب حريق هائل في مولدات الكهرباء المغذية له ولولا لطف الله ورعايته لحجاج بيته. ثم التدخل السريع لوحدات الإنقاذ والإطفاء في الدفاع المدني لانتهى الأمر بما لاتحمد عقباه.
ترى من هو السبب في حدوث مثل هذه الأخطاء والتجاوزات المتعمدة هل هو الإنسان أم النظام أم كلاهما معا.
ما الذي دفع صاحب الفندق وشجعه على تأجير فندقه لحملتي حج في آن واحد هل هو الطمع؟ ولماذا يطمع إنسان يملك فندقا من ثلاثة عشر طابقا في منطقة تعتبر من أكثر مناطق العالم استقطابا للناس وأفضلها للاستثمار يدر عليه ملايين الريالات فيقدم على جريمة نكراء يسيء فيها لضيوف الرحمن وفي موسم الحج؟
هل يمكن أن يكون لسوق الأسهم دور في ذلك؟ ربما فقد يكون صاحب الفندق أحد ضحايا هذه السوق الجائعة التي تلتهم صغار مضاربيها بلا رحمة ويزداد جوعها مع جشع بعض كبارها ممن تنتفخ بطونهم بمئات الملايين ومع ذلك يطمعون ببعض الألوف مما يعلق عليه الصغار أحلامهم فدفعته إحدى نكباتها وربما شجعته إحدى أخبارها على الاستيلاء على مبالغ أكبر للمضاربة بها ولحاق الخبر وأرباحه.
أو لعله من كبار هواميرها فأعطته هذه السوق جرأة على النظام وزادته جشعا فما عاد يكفيه ما يكسبه منها لأنه اعتاد تدبيل الأرباح!
أم أن المشكلة قائمة في الأنظمة التي تنظم هذه المنشآت في مواسم الحج وغيرها، وقد يكون صاحب هذا الفندق وأمثاله كثير قد تفوقوا على هذه الأنظمة وأتقنوا التحايل عليها واختراقها واعتادوا تجاوزها. فمن أمن العقوبة أساء الأدب. ومواسم الحج السابقة قد أثبتت لنا بأنه ومع الأسف يوجد بيننا بعض المسلمين ممن يعرفون قدسية هذا الموسم وشرف خدمة حجاج بيت الله وضيوفه ومع ذلك إسلامهم وعلمهم ومعرفتهم بحرمة هذا الشهر وشعائره لم يمنعهم من الإجرام وسرقة هؤلاء الحجيج واستغلال شوقهم ولهفتهم لقضاء مناسكهم وإتمام الركن الخامس في إسلامهم.
فإذا كنا لا نستطيع أن نعوّل على أمانة الإنسان وشرفه ولا نضمن ما تؤله له نفسه وتدفعه له من تجاوزات وانتهاكات فليس لنا سوى أن نركز جهدنا على التوعية بألاعيب وأطماع وأخطار مثل هذه الفئة من الناس، وأن نبذل قصارى جهدنا في منعهم من التمادي أو التطاول على حقوق الآخرين. حتى لا يشوهوا بأطماعهم المريضة جمال هذه الشعيرة التي ترمز للمحبة والتآخي وتوحد المسلمين في مكان وزمان وهدف واحد. بإعادة النظر في الأنظمة الحالية وتقوية أماكن الضعف فيها وسد ثغراتها.
فالأنظمة الصارمة والدقيقة والحازمة التي لا تسمح بالتجاوز أو التساهل أو حتى الغفران. هي الضمان الوحيد لمنع الطامعين وردعهم مما تسوله لهم أنفسهم المريضة الجائعة التي أدمنت نهب المال حتى من الصغار المحتاجين الذين أفنوا زهرة أعمارهم وشبابهم في جمع هذا المال اليسير ليحققوا به حلما عزيزا على قلوبهم أو يقضوا فرضا وركنا خامسا به يتمون دينهم.
Bookmarks