أنس بن مالك رضي الله عنه

[نسمه امـــــــل]

" اللهم ارزقه مالا وولدا ، وبارك له "
( من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم )
كان انس بن مالك في عمر الورد حين لقنته أمه " الغميصاء " الشهادتين ، وأترعت فؤاده الغض بحب نبي الإسلام محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام000
فشغف انس به حبا على السماع0
ولا غـرو، فالأذن تعشق قبل العين أحيانا000
وكم تمنى الغلام الصغير أن يمضي إلى نبيه في مكة ، أو يفد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم عليهم في " يثرب " ليسعد برؤياه ، ويهنأ بلقياه 0

***
لم يمض على ذلك طويل’ وقت حتى سرى في "يثرب" المحظوظة المغبوطة أن النبي صلوات الله وسلامه عليه وصاحبه الصديق في طريقهما إليها 000 فغـمرت البهجـة كل بيت ، وملأت الفرحة كل قلب 000
وتعلقت العيون والقـلوب بالطريق الميمون الذي يحمل خطا النبي صلى الله عليه وسلم وصاحـبــه إلى "يثرب"
***
وأخذ الفتيان يشيعـون مـع إشراقة كل صباح:
أن محمد قد جاء000
فكان يسعى إليه أنس مـع الساعين من الأولاد الصغار ، لكنه لايرى شيئا فيعود كئيبا محزونا

***
وفي ذات صباح شذيّ الانداء ، نضير الرواء ، هتف رجال في "يثرب" : إن محمدا وصاحبه غدوا قريبين من المدينة 0
فطفق الرجال يتجهون نحو الطريق الميمون الذي يحمل إليهم نبي الهدى والخير000
ومضوا يتسابقون إليه جماعات جماعات ، تتخللهم أسراب من صغار الفتيان تزغرد على وجوههم فرحة تغمر قلوبهم الصغيرة ، وتترع أفئدتهم الفتيّة000
وكان في طليعة هؤلاء الصبية أنس بن مالك الانصاري0

***
أقبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه مـع صاحبه الصديق ، ومضيا بين أظهر الجموع الزاخرة من الرجال والولدان 000
أما النسوة المخدرات ، والصبايا الصغيرات فقد عـلون سطوح المنازل ، وجعلن يتراءين الرسول صلوات الله وسلامه عليه ويقلن :
أيهم هـو؟0000أيهم هـو؟0
فكان ذلك اليوم يوما مشهودا000
ظل أنس بن مالك يذكره حتى نيّف على المائة من عمره0

***
ما كاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يستقر بالمدينة ، حتى جاءته "الغميصاء بنت ملحـان" أم أنس، وكان معها غلامها الصغير، وهو يسعى بين يديها ، وذؤابتاه تنوسان على جبينه000
ثم حيّت النبي عليه الصلاة والسلام وقالت :
يا رسول الله 000 لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة ، وإني لا أجد ما أتحفك به غـير إبني هذا000
فخذه ، فليخدمك ماشئت 000
فهشّ النّبي صلى الله عليه وسلم للفتى الصغير وبشّ ، ومسح رأسه بيده الشريفة ، ومسّ ذؤابته بأنامله الندية ، وضمه إلى أهله0

***
كان أنس بن مالك أو "أنيس" كما كانوا ينادونه تدليلا – في العاشرة من عمره يوم سعد بخدمة النبي صلوات الله وسلامه عليه 0
وظل يعيش في كنفه ورعايته إلى أن لحق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالرفيــق الأعـلـى 0
فكانت مدة صحبته له عشر سنوات كاملات ،نهل ما فيها من هديه ما زكّى به نفسه ، ووعى من حديثه ما ملأ به صدره ، وعرف من أحواله وأخباره وأسراره وشمائله مالم يعرفه أحـــد سواه0

***
وقــد لقــي أنس بن مالك مـن كــريـــم معــاملة النبي صلوات الله وســـلامــه عـليه ما لم يظفر به ولد من والد0000
وذاق من نبيل شمائله ، وجليل خصائله ما تغبطه عليه الدنيا 0
فلنترك لأنس الحديث عـن بعض الصور الوضّاءة من هذه المعاملة الكريمة التي لقيها في رحاب النبي السّمح الكريم صلى الله عليه وسلم ، فهو بها أدرى ، وعلى وصفها اقوى000
قال أنس بن مالك :
كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من أحسن الناس خلقا ،وأرحبهم صدرا ، وأوفرهم حنانا
فقد أرسلني يوما لحاجة فخرجت ، وقصدت صبيانا يلعبون في السّوق لألعب معهم ولم اذهب إلى ما أمرني به ، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي ، ويأخذ بثوبي 000
فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول :
( يا أنيس اذهب حيث أمرتك ؟) 0
فارتبكت وقلت : تعم 000
إني ذاهب الآن يا رسول الله 000
والله لقد خدمته عشر سنين ، فما قال لشيء صنعته : لم صنعته 000
ولا لشيء تركته : لم تركته ؟!
وكان الرسول صلوات الله وسلامه عليه إذا نادى أنسا صغره تحببا وتدليلا ، فتارة يناديه ياأنيس وأخرى يا بنيّ 0 وكان يغدق عليه من نصائحه ومواعظه ما ملا قلبه وملك لبّه 0
ومن ذلك قوله له :
( يا بني إن قدرت إن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل 000
يابني إن ذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني 000
ومن أحبّبني كان معي في الجنّة 000
يابني إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك )0

عاش أنس بن مالك بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام نيّفا وثمانين عاما ، ملا خلالها الصدور علما من علم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، واترع فيها العقول فقها من فقه النبوة 000
وأحيا فيها القلوب بما بثه بين الصحابة والتابعين من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أذاعه في الناس من شريف أقوال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وجليل أفعاله ، وقد غدا أنس على طول هذا العمر المديد مرجعا للمسلمين ، يفزعون إليه كلما أشكل عليهم أمر ، ويعوّلون عليه كلما استغلق على إفهامهم حكم 0من ذلك ، أن بعض الممارين في الدين جعلوا يتكلمون في ثبوت حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فسألوه في ذلك ، فقال :
ما كنت أظن أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض ، لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي واحدة منهن إلا سالت الله أن يسقيها من حوض النبي عليه الصلاة والسلام 0
ولقد ظل أنس بن مالك يعيش مـع ذكرى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ما امتدت به الحياة00فكان شديد البهجة بيوم لقائه ، سخيّ الدمعة على يوم فراقه ، كثير الترديد لكلامه 00
حريصا على متابعته في أفعاله وأقواله ، يحب ما أحب ، ويكره ما كره ، وكان أكثر ما يذكره من أيامه يومان :
يوم لقائه معه أول مرة ، ويوم مفارقته له آخر مرة 0
فإذا ذكر اليوم الأول سعد به وانتشى وإذا خطر له اليوم الثاني انتحب وبكى ، وأبكى من حوله من الناس0
وكثيرا ما كان يقول : لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يوم دخل علينا ، ورايته يوم قبض منا فلم أر يومين يشبهانهما 0 ففي يوم دخوله المدينة أضاء فيها كل شيء000
وفي اليوم الذي أوشك فيه أن يمضي إلى جوار ربه اظلم فيها كل شيء000
وكان آخر نظرة نظرتها إليه يوم الاثنين حين كشفت الستارة عـن حجرته ، فرأيت وجهه كأنه
ورقة مصحف ، وكان الناس يومئذ وقوفا خلف أبي بكر ينظرون إليه ، وقد كادو أن يضطربوا فأشار إليهم أبو بكر أن اثبتوا 0
ثم توفي الرسول عليه الصلاة والسلام في آخر ذلك اليوم ، فما نظرنا منظرا كان
أعجب إلينا من وجه – صلى الله علية وسلم – حين واريناه ترابه 0
ولقد دعا رسول الله صلوات الله عليه لأنس بن مالك أكثر من مرّة 000
وكان من دعائه له :
( اللهم ارزقه مالا وولدا ، وبارك له ) 000
وقد استجاب الله سبحانه دعاء نبيّه عليه الصلاة والسلام ، فكان أنس أكثر الأنصار مالا ، وأوفرهم ذريّة ، حتى إنه رأى من أولاده وحفدته ما يزيد على المائة 0
وقد بارك الله له في عمره حتى عاش قرنا كاملا 000
وفوقه ثلاث سنوات 0
وكان أنس رضوان الله عليه شديد الرّجاء لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له يوم القيامة ،
فكثيرا ما كان يقول :
إني لأرجو أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة فأقول له :
يا رسول الله هذا خويدمك أنيس 0

ولمّا مرض أنس بن مالك مرض الموت قال لأهله :
لقنوني : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله 0
ثم ظل يقولها حتى مات 0
وقد أوصى بعصيّة صغيرة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بان تدفن معه ، فوضعت بين جنبه وقميصه 0
هنيئا لأنس بن مالك الأنصاري على ما أسبغه الله عليه من خير 0
فقد عاش في كنف الرسول الأعـظم عشر سنوات كاملات 0000
وكان ثالث اثنين في رواية حديثه هما وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر 000
وجزاه الله هو وأمه الغميصاء عـن الإسلام والمسلمين خير الجزاء000

[أمـ من الشرق ـيرة]

اختي الفاضلة


اولا اعتذر عن التعديل في التنسيق * قمت بالتعديل كي يتسنى لنا قرائت الموضوع الرائع

ثانيا اشكرك على روعة الطرح القيم

فلا تحرمينا من تواجدك الدائم معنا


جزاك الله خيرا وبارك فيك ولكِ

احترامي