دموع التماسيح

عبده محمد الجندي
-----------------
هؤلاء الذين يعلنون استقالاتهم من المؤتمر الشعبي العام ومن أعمالهم الحكومية أمالأنهم ينتمون لأحزاب وتنظيمات سياسية أخرى ؟ وإما لأنهم يستبقون الأحداث ويتعاملون مع من يعتقدون فيه طعم العسل لان فيهم روح الذباب الباحث عن الحلو؟ وإما لأنهم متهمون بقضايا فساد يعتقدون أنه لا خلاص منها إلا بالانضمام إلى ساحة المعارضة وركوب موجة الاعتصامات المطالبة بإسقاط النظام ، أو لأنهم انتهازيون يعانون من الضعف لا مبادئ لهم ولا مواقف، لا يستطيعون الثبات على ما يعلن من القناعات والانتماءات الحزبية والسياسية.
فتجدهم لذلك يتساقطون تباعاً في اللحظات الحرجة ويتحولون من النقيض إلى النقيض ويذرفون دموع التماسيح على أولئك الذين استشهدوا ثابتون على مالديهم من قناعات لأنهم اعتادوا التحول الانتهازي من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين وعبور ما بينهما من مساحة الوسط تبعاً لما يعتقدون أنه في خدمة ما لديهم من المصالح الذاتية الأنانية المحركة لمواقفهم السياسية ولكن تحت مبررات تظهرهم كأصحاب مواقف بطولية ومبدئية تخفي ما فيهم من العيوب الانتهازية الفاضحة.. فها نحن اليوم أمام استقالات غير مبررة ترفض ما يطلقونه عليه من عنف بحق المعتصمين سلمياً رغم معرفتهم بأن العنف ناتج عن احتكاكات عفوية ومصادمات مرتجلة وقد يكون ناتج عن حسابات سياسية مبتذلة من قبل أولئك الذين «يقتلون القتيل ويتقدمون صفوف جنازته» لا علاقة للقيادة السياسية وأجهزتها الأمنية والعسكرية به من قريب أو بعيد بأي حال من الأحوال.. وبين هذا وذاك يبقى الانتظار لما سوف تتوصل إليه اللجنة المكلفة بالتحقيق ضرورة تفرضها المصلحة الوطنية وما تستوجبه من المحاكمة العادلة للمتورطين في هذا العمل الجبان أيا كانت انتماءاتهم السياسية والحزبية وحتى المستقلة وسواءً كانوا محسوبين على من هم في الحكم أو كانوا محسوبين على من هم في المعارضة كما تحدث عن ذلك الأخ رئيس الجمهورية في خطابة الموجز الذي وعد به الشعب وإذا كانت الانفعالات الشبابية العاطفية قد نطقت بكل ما هو ذميم وقبيح من الاتهامات الموجهة بقصد أو بدون قصد وبوعي أو بدون وعي إلى رئيس الجمهورية.. فإن المحلل السياسي المحايد لا يستطيع القبول بهذه الاتهامات الكيدية لأن مصلحة رئيس الجمهورية لا تتفق مع مثل هذه الأعمال الدامية للأسباب التالية:
1- لأنه يدرك سلفاً أن قمع المعتصمين وقتلهم يتنافى مع ما هو معلن من توجيهات لا تصب في مصلحته بأي حال من الأحوال.
2- لأنه يعلم سلفاً أن المستفيدين من هذا العمل هم خصومه الذين يطالبون برحيله من الحكم قبل أن تنتهي فترته الدستورية والقانونية.
3- لأنه يعلم سلفاً أن الاتهامات سوف توجه إليه والى أجهزته الأمنية حتى ولو لم تكن لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بقمع المعتصمين وقتلهم.
4- وما كان لعاقل وصاحب حكمة وحنكة سياسية امتزجت فيها الموهبة بالكفاءة وبالخبرة العملية أن يعمل ضد نفسه ولصالح خصومه ومنافسيه السياسيين.
5- لأنه يعلم أن القتل لا يندرج في نطاق أجندته وما تنطوي عليه من التكتيكات والمناورات السياسية نظراً لما ينتج عنه من ردود أفعال غاضبة.
6- لأنه يعلم أن ما يبدأ بالدم لا ينتهي إلا إلى المزيد من الدماء والقتل.. الذي يتضرر منه الجميع ولا يستفيد منه أحد على الإطلاق.
لهذه الأسباب كانت المعارضة جاهزة للاتهامات المبنية على ردود أفعال مبالغة سوف نشير فيما يلي إلى اهمها على الأقل:
1. توجيه التهمة لرئيس الجمهورية وأبنائه بسرعة تدل على الإعداد المسبق الذي يشبه القتل المسبق مع سبق الإصرار والترصد.
2. اتهام ما لديه من الأجهزة الأمنية بقتل المعتصمين رغم علمهم المسبق بأن الرصاص لم تكن صادرة من جنود الأمن العزل من السلاح الذين وجدوا لحماية المعتصمين وحراستهم..
3. حصر الإسعاف في نطاق ما لديهم من المستشفيات الميدانية والمستشفيات الخاصة المجهزة بالكوادر الطبية المنتمية لأحزاب وتنظيمات اللقاء المشترك دون غيرهم ومنع المستشفيات العامة والحكومية من استقبال الجرحى ومعالجة المصابين من قبل الأطباء والكوادر المؤتمريين أو المستقلين لعدم الثقة فيهم وفيما يصدر عنهم.
4. حصر التغطية الإعلامية في نطاق الصحف والقنوات والمواقع التابعة أو المنحازة لأحزاب اللقاء المشترك مثل الجزيرة وسهيل والصحف والمواقع التابعة.
5. ومعنى ذلك أنه كلما يصدر عن هذه القنوات والمستشفيات سوف يعكس ما لديهم من قناعات وحسابات سياسية هادفة إلى دعم مطالبهم بإسقاط النظام وإجبار رئيس الجمهورية على الرحيل المفتوح على كل الرغبات الانتقامية العديمة المصداقية.. وهكذا يلاحظ من خلال هذا العمل المحسوب بدقة متناهية أن ما حدث في شارع الجامعة من مأساة درامية لم تكن وليدة المصادفة العبثية بقدر ما هي وليدة إعداد توافرت له كل الحسابات المدروسة بدقة مسبق لابد من أن يجمع أصحاب الرأي على أهمية التحقيق من قبل لجنة محايدة وغير منحازة لأي طرف من الأطراف السياسية المتنافسة والمتصارعة على السلطة..
أعود فأقول أن من هم محسوبين على رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم هم من يستوجب عليهم الابتعاد عن أي مواقف مرتجلة ومبنية على سوء النية لأن أي حركة احتجاجات متسرعة فيما يصدر عنها من الانتقادات والمواقف سوف تتحول إلى مبررات داعمة لخصومهم السياسيين الذين كانوا في حالة جاهزية اتهامية مثيرة للريبة والشك.
أما أن يسارع هؤلاء المستفيدون من السلطة إلى تقديم الاستقالات وما يعقبها من المواقف الداعمة للمعارضة قبل أن تباشر لجنة التحقيقات مهامها القانونية فذلك هو ما يعزز الاحتمالات بأن في الأمر مؤامرة مركبة من الناحيتين الداخلية والخارجية التي يلتقي فيها منهم في المعارضة مع منهم في الحكم..
في وقت كشفت فيه الحركة السريعة والطليقة للقيادات الحزبية المعارضة أن الذين قدموا استقالاتهم قد خضعوا لتعميمات وتوجيهات حزبية مسبقة من أحزاب اللقاء المشترك تكشف عن جوانب كثيرة من خيوط المؤامرة وما كشف عنها من جانب من الأوراق المستترة قد لا تكون الأخيرة لأن ما هو غائب مازال مفتوحاً على كل الاحتمالات الأمر الذي يستوجب المراجعة وعدم الاندفاع بهذا القدر من السرعة المجنونة حتى لا تجد نفسها عرضة لسلسلة من المخاطر ذات العواقب الكارثية الوخيمة على الوطن والمواطن بدرجة أساسية لا سيما وان الفترة الافتراضية لنجاح المؤامرة قد تأخرت كثيراً أمام ما أظهره الرئيس وحزبه الحاكم من الصمود بوجه المؤامرة على نحو نوضحه بالأتي:
1. ما زال الرئيس وحزبه الأقدر على حشد الشارع من الناحيتين الكمية والكيفية.
2. ما زال الرئيس وحزبه ممسكاً بزمام ما لديه من القوة العسكرية والأمنية..
3. ما زال الرئيس وحزبه يتحكمان بالقدر الأكبر من القاعدة القبلية الداعمة.
5- مازال الرئيس وحزبه قادراً على تقيم المبادرات الداعية إلى الحوارات الديمقراطية.
6- مازال الرئيس وحزبه الأقدر على التمتع بثقة المجتمع الدولي الداعم للديمقراطية.
7- مازال الرئيس وحزبه الأقدر على مجابهة ما يعتمل في الواقع من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
8- مازال الشعب ينظر للرئيس وحزبه بأنه صمام الأمان في قيادة الوطن إلى بر الأمان قياساً بغيره من القوى المتحالفة والمتعددة الأجندات المتناقضة.. الذين لا يمتلكون ما يتفقون عليه سوى رغبة الانتقام من الرئيس وحزبه ومن بعده الطوفان وهكذا يتضح مما تقدم أن لعبة الاعتصامات السلمية تخفي خلفها الكثير من الأهداف التآمرية الظاهرة والخفية التي تضع مستقبل الوطن على كفوف العفاريت المجنونة بصورة تستوجب الابتعاد عن الحركات ذات المواقف المرتجلة غير المدروسة وغير المحسوبة بدقة وما قد ينتج عنها من المخاطر والإشكالات الدامية والمدمرة بعد أن استنفدت الاعتصامات الشبابية أهدافها وخرجت من نطاق التجمعات الشبابية إلى نطاق القيادات السياسية المتعددة الأهداف والنوايا السيئة لأن التجربة الديمقراطية اليمنية الناشئة ما برحت تعاني من صعوبات محققة تستوجب المراجعة والتراجع من الخطأ إلى الصواب ومن الكذب على النفس إلى الوضوح والصدق مع النفس وما يترتب على ذلك من التصويب للأخطاء لأن الأصل أن تكون المصلحة العامة هي المرجعية التي يجب أن تقف عندها المصالح الذاتية لان تجاوزها معناه الخروج من المشروع إلى اللا مشروع .
إن ما تعانيه البلد والشعب بشكل عام من حزن على أولئك الشباب الذين فقدوا حياتهم في لحظة فوضاء استهتار وعدم احترام للقوانين أيا كانت مبرراتهم لا يمكن التعامل معه إلا بكل ما في الكلمات القانونية من معاني الحزم والردع والعقوبات، لان الدماء الزكية والأرواح الطاهرة لهؤلاء الشهداء الشباب أمانة في أعناقنا جميعاً لا ولن نبرأ منها إلا من خلال أعمال العدالة.. لأن العدل في الأمة مقياساً لحضارتها والقانون قوة ضاربة لا تقهر أما أن نتخذ منها فرصة لإفراغ ما لدينا من الأحقاد وكشف ما لدينا من أحقاد وأطماع تعكس الانتماءات المستترة تحقيقاً لمصلحة أو منفعة ذاتية أنانية مرفوضة فتلك هي الخيانة التي لا تكسبنا الاحترام ولا تجعلنا أهلا للثقافة ناهيك عما يترتب على محاولة الاصطياد في المياه العكرة والتوظيف السياسي للدماء الزكية والأرواح الطاهرة.. لأن الصفقات السياسية تحتم علينا الدخول فيما لا يناسبنا من التكتيك والمناورة التي تضيف ذنوباً إلى ذنوبنا وفساداً إلى فسادنا لا حاجة لنا به من قريب أو من بعيد..
اخلص من ذلك إلى القول إن رئيس الجمهورية هو الأكثر حرصاً على ظهور الحقيقة ومعاقبة القتلة ومن يقف إلى جانبهم من أعداء الحياة والحرية والديمقراطية وكذلك من المتسببين الذين أشعلوا نار الفتنة ودفعوا بالبلد إلى أفق الأزمات السياسية التي تحولت إلى أزمات أمنية وعسكرية مقلقة للأمن والاستقرار ومهددة للوحدة الوطنية صمام أمان النجاح الدائم والمستمر.