الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين ، الصادق الأمين ومن اهتدى بهدية وأستن بسنته إلى يوم الدين …..
وبعد …. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مما يذكر عن عبد الله بن العباس ( رضي الله عنهما ) قوله " أربعة لا أقدر على مكافأتهم .. رجل بدأني بالسلام ، ورجل وسع لي في المجلس ، ورجل أغبرت قدماه في المشي في حاجتي ، وأما الرابع فما يكافئه عن إلا الله – عز وجل "
قيل " من هو ؟ قال : " رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر فيمن يقصده ثم رآني أهلاً لحاجته ، فأنزلها بي "
أما بعد فأننا نستطيع أن نقرر وبهدوء وطمأنينة ، بناء على فقه هذا الحكيم أن الرجال الذين لا نقدر على مكافأتهم أربعة … لعظيم فعلهم ، وسمو صنيعهم ، وسبق همتهم ، وأما غيرهم فيمكن أن يكافأ بطريقة ما ..!
ثم أنك لترى عجباً في هذا الفقه ….. ففي الوقت الذي نرى فيه من الواجب على الناس أن يطرحوا علينا السلام … وأن يبادروا لفعل ذلك ، فأن فعلوا فقد أدوا واجباً لا يستحقون عليه شكراً ولا ثناء …
وإن لم يفعلوا حملنا عليهم وغضبنا منهم ( وصرمنا حبل مودتهم )
لذا نرى أن هذا الحكيم يجعل المبادر بالسلام ، كأنه يقدم معروفاً ، ويصنع إحساناً يطوق به عنقك ، وديناً كبير لا تقوى على سداده ...
فشتان بين الموقفين الأول ... يؤكد المودة والمحبة بين الإخوة والثاني ... كارهها ، ويقطع دابرها ، بمنطق الحسابات الضيقة ..
وهذا أول ما في هذا الفقه من عجب ... وثاني العجب كأوله ( ذاك في طرح السلام )
وأما في إفساح المجلس .. ففي الوقت الذي نرى فيه لزاماً على الناس أن يجلسونا ويوسعوا لنا في المجالس يرى هو فضلهم وكرمهم ، وحسن أخلاقهم ، وطيب أصلهم ، في هذا الصنيع فيرى فيه صنيع لا يكافأ ، وسبقاً لا يلحق ....
ومرة أخرى شتان بين الفقيهين !
والرجل الثالث ... الذي لا يكافأ في صنيعه ، هو الذي يمشي في قضاء حاجتك ، ويسعى في سداد دينك ، ويجتهد في فك عسرتك ، وإدخال السرور عليك ..... حقاً من كان هذا هو فأنه لا يكافأ ... فكيف بالذين لا يقدرون حق هؤلاء ... وكثير ما يردد أحدهم " ماذا فعل لي ؟ وما هو الجميل الذي صنعه ، صحيح أنه قدم معروفاً لكني لم أطلب منه ذلك ، هو الذي فعل دون أن أطلب منه ذلك ، ثم أنه شيء بسيط جداً ، لا يستحق أن أحفظه له حياتي كلها ، و يكفيه بل ويجزيه ... لن أقول له " شكراً " فهذا كثير على معروفه ذلك ...
هذا الرجل وباختصار ( لئيم ) واللئيم لا يعرف قدراً ، ولا يقدر معروفاً كما قالت العرب " إذا أكرمت الكريم ملكته وإذا أكرمت اللئيم تمردا )
..... فحاذر أخي في الله أن تكون واحداً من هؤلاء الذين أصبحت أعدادهم في ازدياد !
وأما عجب العُجاب في فقه هذا الحكيم أن يرى في الذين يطرقون بابه .. فينزلون به حاجتهم ، ويطلبون معونته ، ويرجون مساعدته ، ويسألون معروفه ... ويرونه أهلاً لقضاء حاجتهم والسعي في مرادهم ... وحل مشاكلهم
، والإصلاح فيما بينهم ، وأزاحت الهموم وتفريج الكروب ... أن يرى لهؤلاء فضلاً عظيماً وكرماً كبيراً ، وديناً في عنقه ، لا يستطيع قضاءه أو الوفاء به ، فمن أنزل بك حاجته لا يكافأ ، لأنه أعلى قدرك ، وعزز مكانتك ، ووثق بصلاحك ، وقدمك على أقرانك ، وأنتدبك لمهمة الأنبياء والمرسلين ، وزكاك في الرياده .. والقيادة .. وجعلك في الصفوف المتقدمة التي يحب الله أفرداها المتزاحمين المتنافسين والمتسابقين في مرضاته .. فمن الناس أقوام أنتدبهم الله وأختارهم واصطفاهم من بين خلقه لقضاء الحاجات والسعي في الملمات ، يصلح الله بهم الفساد ... ويجمع بهم القلوب ... ويوحد بجهدهم الصفوف ... فمن أنتدبك هذا ... ذكرك بفضل الله عليك فله في عنقك دين لا يقضى ، وصنيع لا يكافأ ..... بالإضافة إلى أن الأخ الصادق في إخوته ، هو الذي ينزل حاجته عن أخيه .... وهو الذي يرى وجوب ذلك في عنق الأخوة وكما قالت العرب " خادم القوم سيدهم "
فلا خير في أخ لا يرجو أخاه عند الحاجة ...... ولا خير في أخ لا يجده أخوه عند الحاجة .....
Bookmarks