حكام إلى الأبد
امتنع الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، عن الترشح للانتخابات الرئاسية، وهذه ممارسة ديمقراطية حقة وسلوك حضاري راق، والتزام بمبدأ التداول على السلطة·
تمنيت أن ينتقل هذا الفعل إلى مجتمعاتنا العربية· وحاولت أن أستعرض في مخيلتي بعض النماذج التي حاكى فيها حكامنا المنتشرون من المحيط إلى الخليج، النموذج الديمقراطي، فلم أجد سوى ثلاثة فقط· أولهم ''سوار الذهب'' في السودان، العسكري الذي سلم السلطة لمدني· والثاني ''زروال'' في الجزائر، العسكري الذي سلم السلطة لمدني· والثالث ''فال'' في موريتانيا، العسكري الذي سلم السلطة لمدني أيضا· هؤلاء الثلاثة جنرالات تنازلوا عن الحكم لرجال السياسة بعد أن دعوا إلى انتخابات رئاسية وأشرفوا على تنظيمها·
أعتقد أن ما قام به هؤلاء الثلاثة سيظل استثناء عن القاعدة المعمول بها في العالم العربي، حيث أن الحاكم لا يتزحزح من مكانه إلا باثنتين لا ثالثة لهما: أولهما الموت ومنه الوفاة أو الاغتيال، وثانيهما الانقلاب، وقد يكون عسكريا دمويا أو سلميا، كما قد يكون الانقلاب سياسيا نتيجة لضغوط أو لعملية سحب ثقة·
منذ نشأة أول دولة في منتصف القرن العشرين حتى اليوم والدول العربية جميعها دون استثناء، الجمهوريات منها والمملكات، تعيش على وقع ''بركة سيدنا الحاكم الأبدي'' الذي لا يجرؤ أي أحد، ولو كان من المقربين منه، على مكالمته في شؤون التنازل عن الحكم· فالملك يبقى في العرش حتى ''يخرف'' عقله ويضعف بصره ويتقوس ظهره· والرئيس يبقى في الكرسي حتى يصبح لا يعرف عدد السنوات التي قضاها في السلطة ولا يفرق بين مميزات الحكم الملكي والحكم الجمهوري· وكم من جلالته وكم من فخامته سيّروا شؤون بلدانهم من كراس متحركة ومن أسرّة المصحات·
الملوك في دولنا العربية يعيشون ليحكموا والرؤساء يموتون ليورّثوا أبناءهم· فرياح التغيير لم تطرأ على المملكات، أما الجمهوريات فتحولت إلى ''جملوكيات''··· شيراك لم يأخذ من وقت مواطنيه سوى عشر دقائق ليقول لهم: ''لن أترشح مرة ثالثة للرئاسة''· أما الحكام العرب فيأخذون سنوات طويلة من زمن ومستقبل ومصير شعوبهم ليقولوا لهم: ''احموا وطنكم من مؤامرات الطامعين في الحكم''
منقول
Bookmarks