الإخوة في الائتلاف أو "الاختلاف" المشترك مدينون لبرنامج " من سيربح المليون" – ولو أن البرنامج أصلاً لشركة أجنبية متخصصة في تسويق الأفكار الإبداعية، وما المحطة العربية إلا واحدة من عدة مشترين لحق البث فقط – فقد مثل لهم هذا البرنامج منقذاً حقيقياً في وقت صعب وعسير، بعد أن بدأت عقارب الساعة في العد التنازلي، وكاد "أللقاء" أن تنفصم عراه، وينقض الجمع النشاز أصلاً من بدايته، فقفز من بين الحاضرين "قرداحي" نصف فطن، وعرض عليهم فكرة إمكانية الاستعادة بـ"صديق" وتقديمه مرشحاً للرئاسة، طالما أنهم غير قادرين على تقديم مرشح قوي منافس يتم الاتفاق عليه من بين هذه الأحزاب ولاقت هذه الفكرة استحساناً وقبولاً بين أعضاء المجلس الذين ضاقت أمامهم بدائل الاختيار كما تضيق الزجاجة عند عنقها، ولم يعد أمام هذا المجلس الموقر الذي يجمع صفوة اليسار واليمين وما بينهما سوى الأخذ بهذا المقترح، على الرغم من أن "الأصدقاء" في البرنامج المذكور على الأقل كثيراً ما كانوا وبالاً على من استعانوا بهم، وسبباً لخسارة من ظنوا أنهم سيكسبونهم!

صحيح بأن إخفاق "اللقاء المشترك" في تقديم شخصية وطنية قوية من هذه الأحزاب التي تضم أكبر الأحزاب السياسية المعارضة – كما يقال – على الساحة اليمنية يعكس العجز البين الذي تعيشه المعارضة حالياً مهما حاولت إخفاء ذلك، ويؤكد على أنها فعلاً ظاهرة " صحفية" أثيرية "خيوطية" أكثر منها أي شيء آخر واقعي في حياتنا العملية، غير أن المسألة إلى جانب هذا التحليل البادي للعيان تنطوي أيضاً على دلالات كبيرة، تستدعي التوقف أمامها بالقراءة المتأنية، والتحليل المتجرد من جميع المواقف المسبقة، وأول ما يبرز في هذا المجال؛ ما يلي:

- يثبت هذا الترشيح مدى "الانفصام" و"الاغتراب" الذي تعيشه أحزاب "اللقاء المشترك"، سواءً على مستوى القمة أو القاعدة. مهما كانت عمليات التجميل من أجل إخفاء هذه العورة، ومحاولات التزييف من أجل مداراة هذه الحقيقية الواقعية المرة، فهذا الاجتماع هو أصلاً بمثابة "الدخيل" على الجسم الذي يلفظه من أول وهلة، وتستمر قوى الدفاع الجسدية من أجل التخلص منه، وهو ما تأكد عند أول تحد واختبار حقيقي، تمثل في إخفاق هذه الأحزاب في تقديم مرشح لمنصب الرئاسة تتفق عليه جميعاً.

- يعكس هذا الترشيح أزمة داخلية حقيقية تعيشها هذه الأحزاب منذ عدة أشهر خلت، فيما يتعلق باختيارها مرشحاً للرئاسة، على الرغم من المحاولات المستميتة لصرف الأنظار عن وجود أزمة من هذا النوع، ومحاولاتها تصوير الأمور بأنها تسير على ما يرام، وكل شيء مخطط له ومدروس، وبأنها ستقدم مرشحها في الوقت المناسب، وغير ذلك مما درجت على تصويره للرأي العام على نحو مخادع، والمتمثل وفقاً لتواتر الأخبار والتحليلات بأنه واحد من "أمناء عموم" هذه الأحزاب، وفجأة وبين أقل من عشية وضحاها يتغير الوضع كلية، ويتم اختيار البطل" من خارج الفرقة، ويكتفي الباقون بالقيام بالأدوار المساعدة له، ولا نقول دور "الكومبارس" على حد التعبير المسرحي!

- من ضمن ما تسعى ا لمعارضة إليه من وراء هذا الترشيح هو تعويض ضعفها البين وعجزها في تقديم مرشح قادر على المنافسة، لا على مجرد تسجيل الحضور المشرف وعجزها في تقديم مرشح قادر على المنافسة، لا على مجرد تسجيل الحضور المشرف كحال فرقنا العربية في كأس العالم في كل مشاركة دولية، غير أنها – أي المعارضة – من حيث لم تحتسب ستقع في عكس ما أرادت الوصول إليه، فهذا الترشيح يعكس "نشازا" بين مرشح هذه الأحزاب من ناحية وبين برنامجها من ناحية أخرى، فكيف للناخب الفطن وبقليل من التأمل والعقلانية أن يمنح صوته الانتخابي، ويضع مصير وطنه لسبع سنوات قادمة لـ"تركيبة" غير مفهومة ولا مستساغة، برنامج حزبي وضعه آخرون، ويحاولون "إلباسه" في آخر لحظة لشخص آخر، آت من خارج هذه الأحزاب، ولم يسهم بشيء في ما يتعلق بإعداد هذا البرنامج ووضعه من البداية، وحاله في ذلك كحال عدم انتمائه لأي من هذه الأحزاب أساساً، فضلاً عن الانقسام المتوقع في آليات تسيير شئون البلاد فيما لو قدر لهذا المرشح الفوز بمنصب قيادة البلاد الأعظم.
-
- تسجل المعارضة اليمنية بممارساتها مجتمعة تنظيراً جديداً في عالم السياسة والممارسة الديمقراطية ولعل العالم يتعلم منها من هذا السلوك الفريد، إذ لا معنى، وفق ممارستها التحالفية الحالية، للعمل الحزبي المضني والشاق الذي يسعى إلى ضم أكبر عدد من الناس إلى عضويته، ويحاول حشد أكبر كم لتأييد برنامجه، ولا غير ذلك مما تعرفه الممارسات الحزبية، والديمقراطيات العريقة التي تشكلت على مدار مئات السنين من الممارسة الديمقراطية المرحلية المتأنية فالمسألة بالنسبة إلى معارضتنا الوطنية لا تعدو أكثر من "لاعب" محترف، يمكن ضمه إلى الفريق في آخر لحظة للفوز بالمباراة.

- كان من الأفضل لكل من الأخ "شملان" وأحزاب اللقاء المشترك في ذات الوقت أن يتقدم هذا الشخص كمرشح "مستقل" ساعاتها سيستثمر كل من رصيده الوطني، وتأييد هذه الأحزاب الضمني له في نفس الوقت، بدلاً من سياسة "طاقية" الرأس التي نحاول إلباسها لرأس آخر، و"الرأس" الآخر الذي نحاول إقحامه في الطاقية" على الرغم من تفاوت مقاسات الرؤوس".
-
والخلاصة: هي أن آليات العمل الحزبي المعارض في بلادنا على نحوه الحالي، وعلى الطريقة التي درج عليها، لا يعزز الممارسة الديمقراطية، ولا يضيف إلى العملية الديمقراطية الكثير، لأنه لا يبني أحزاباً تمر بمراحل البناء التي تأخذ زمنها الطبيعي حتى تتشكل هذه الأحزاب وتستوي على سوقها، وإنما عينها على "الكرسي" مهما كانت الطرق المؤدية إلى ذلك، فالغاية تبرر الوسيلة، ولا يهمها كثيراً لا ترسيخ الممارسة الديمقراطية، ولا بناء أحزابها والخوف ألا يعنيها في هذا البلد شيء أكثر من الوصول إلى "بر الكرسي" لا توصيل الوطن إلى بر الأمان!.