اسمي القديم : يثرب ، ثم تركت هذا الاسم الجاهلي الذي لا يليق بنبيّ الله ورسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن هاجر وصحبُه الكرام إليّ ، فغدوت المدينة المنورة بنور الإسلام ، بنور الإيمان ، وبأنوار سيّد الخلق جميعاً ، محمد نبيّه ، صلى الله عليه وسلم .. فقد اختارني لهجرته من بين بلاد الدنيا ، واتخذني مقراً له وسكناً وعاصمة لدولة الإسلام ..
أقوم في الحجاز في واحة وفيرة المياه ، طيبة الأرض ، ينبت فيها العشب البهيج ، والحبوب ، وتكسوني أشجار النخيل التي شرعت أذرعها نحو السماء ، تدعو الله خالقها أن يحفظني ظئراً للإسلام والمسلمين الذين يلجؤون إليّ كلما حزبهم أمر ، وخاصة في آخر الزمان ، عندما يتداعى الكفار والمشركون على الإسلام والمسلمين .
وأنا المدينة المقدسة الثانية في الإسلام وعند المسلمين ، بعد أختي الكبرى : مكة المكرمة ، فإذا كان في مكة المكرمة يقوم المسجد الحرام ، والصلاة فيه بمئة ألف صلاة ، ففي قلبي وأحشائي وبين أضلاعي أضمّ المسجد النبوي الشريف ، وثواب الصلاة فيه بألف صلاة ، وأضمّ جثمان خير البشر ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وقبور أصحابه الأطهار الأبرار ، حيث يرقد بجانبه صاحباه الأثيران : أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، كما يحتوي البقيع على قبور عدد كبير من صحابته الكرام ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وقبور زوجاته أمهات المؤمنين .. أمهاتنا .. رضي الله عنهن .
وبالقرب مني جبل أحد الذي يحبّ الرسول وأصحابه ، كما يحبه الرسول القائد وأصحابه ، وفيه قبر عمه أسد الله وأسد رسوله : البطل الشهيد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه .
وإذا كانت أختي الكبرى مكة المكرمة قد شهدت ولادة النبي وبعثته ودعوته في مراحلها الأولى ، وما لقيه وصحابته الكرام من أذى وتعذيب على أيدي كفار قريش ، فقد شهدتُ أنا هجرته وهجرة أصحابه الميامين ، وما لقوا من اليهود الكفرة ، ومن المنافقين المجرمين الذين كانوا يأتمرون بأمر اليهود ، فأخزاهم الله جميعاً ، ونصر رسوله وصحابة رسوله عليهم ، حتى طهّر الجزيرة العربية من دنسهم ونجاستهم الحسيّة والمعنوية ، وكلهم رجس ونجاسة ودنس .
شهدتُ معاناتهم ، وغزواتهم ، وسراياهم ، وشَرِقتُ معهم بدموعهم ، وعشت صلواتهم ، وصيامهم ، وابتهالاتهم ، ودعواتهم ، وجهادهم ، فمني انطلقت الجيوش التي وحدت الجزيرة العربية ، ثم انساحت نحو الشرق والشمال والجنوب ، تنشر دين الله تعالى ، وترسي دعائم العدل والإحسان في الأرض .
فمن مثلي أنا ؟
من من المدن التي يضم ثراها ما ضمّ ثراي .. الجسد الشريف الطاهر ، جسد الرسول القائد ، والنبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ..
وأي الخنادق مثل خندقي الذي حفره الرسول القائد وصحابته الكرام بأيديهم العفيفة الطاهرة ؟
إن الذكريات الحبيبة تنهال على ذهني ، والخواطر تزاحمها في نفسي ورأسي ، وكلها حبيبة وأثيرة ..
مَنْ مثلي أنا ؟
أنا المدينة المنورة ...
مدينة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم .
Bookmarks