اسمح لي ان اكتب اليك ما اكتب، فأنا _ كما عهدتني _ اؤثر الصراحة الجارحة احيانا على المراءاة المؤذية دائما!
عتبي عليك كبير ايها السيد المدير، فحينها لم يكن يعجبك كلامي لان اذنيك تعودتا سماع الكلام الممزوج بالغش، المنمق بالخداع، المجبول بالكذب!!
اكتب اليك وانا اعلم انك مشغول في هذا الوقت بترحيل حاجياتك الكثيرة، ولملمة اوراقك المتناثرة، وضم ذكرياتك المبعثرة، لكن لابأس ان ترتاح قليلا وتقرأ هذه الكلمات، فكأني داخل شعورك الذي مازال يتعالى على ما وصل اليه الآن، بل كان يؤمن ان الحال سيدوم والرخاء سيستمر الى ما لانهاية!! والمنصب لن يتخلى عنه بل سيبقى متشبثا به كما زين له سيده عقلك المشبع بالانانية المفرطة ومحبة الذات الطاغية..
هل كنت تؤمن بانك خالد في هذه الدنيا، وباق على ما انت فيه وربما يزيد؟!
هل نسيت ان دوام الحال من المحال وان لاشيء في هذه الدنيا باق سوى وجه ربك؟!
لقد كنت تعيش في برجك العاجي بعيدا عن الناس، تنظر اليهم بغرور ثم تسقطهم جميعا من ثقوب غربالك فلاتبقي احدا منهم لانك تراهم صغارا!! ولم تكن تدري انهم ينظرون اليك في اللحظة نفسها ثم يسقطونها من ثقوب منخلهم لانهم ببساطة لايكادون يبصرونك لصغرك!!
هل كنت تظن انك من طينة غير طينة البشر؟!
ثم هل كنت تظنهم مجبولين من الفحم الاسود ووحدك النجم الاوحد؟!
أليس عجيبا على من خلق من الصلصال ان يتيه على امثاله؟!
وان يكون كلامه يابسا ولا يُرى الا عابسا؟!
لقد غابت عنك حقيقة ان الناس كلهم من التراب والى التراب..
للأسف.. لم تكن تصغي الى مثل هذا الكلام، بل كنت تنظر لقائله شزرا، ثم تصعّر خدك متكبرا، بينما كان حريا بك ان تكون معتبرا وبمنصبك جديرا، كنت تغرق على اوتار بطر النعمة وغاب عنك ان كل نعيم _ لامحالة _ زائل.. لقد اسكرك خمر المنصب ولم تصح من تخبطك حتى جاءك الخبر اليقين مدويا صاعقا فبدأت تترنح من هول الصدمة، تتجرع الالم، يعذبك الوهم، تمد يديك فلا تحصد سوى السراب، تتمنى ان ترطب جفاف ضميرك فلا تنل سوى علقم الشراب..
أين المجاملون والمراؤون الذين كنت تفتح لهم ابوابك؟ انا اعدك بأنه لن يكون في وداعك احد منهم، لانهم أنانيون وغدا للمدير الجديد _ ان استطاعوا _ سيخدعون، لقد انطفأ قنديلك وحل الظلام الدامس على عالمك المظلم أصلا فأصبحت تتخبط في طيات من الظلمات فوقها وتحتها ظلمات!! سنوات مضت كأنها دهور وانت لم تشبع من جمع الاموال وبلع الثروات حتى صارت الروائح النتنة من حولك تفوح، ونسيت انك ستموت حتى لو عمّرت ما عمّر نوح..
حملت موظفيك الصبر والصبار، كان الاختلاس شعارك، والرشوة شريعتك، وأكل المال الحرام عرفا عندك، تهضم حقوق الناس وتأكل اموالهم غصبا وطغيانا.. وكانت الطامة الكبرى عندما اغلقت عينيك وصممت اذنيك عن ناصحيك المخلصين الغيارى: امسك عن هذا.. اقصر عن تصرفاتك يا هذا.. فلم تعِ ولم ترعو، فقد كنت تعتقد ان لن تطولك يد الحساب، فأنت _ كما زُين لك _ في منأى عن العقاب!
فابكِ الآن بكاء «ابي عبد الله الصغير» على منصب اعطاك الكثير ولم تعطه ما يستحق ولم تستثمره في رعاية مصلحة الناس، ولم تقدره حق قدره، واعتبرته تشريفا وليس تكليفا.. أللحق كنت تدحض وللباطل كنت تنصر؟! أللظلم كنت تمشي وللعدل كنت تنفر؟!
ألم تدر ان الظلم يفضي الى الندم، وان كنت على سرير الرخاء تنم فعين الله لا ولم تنم.. انظر الى نفسك لترى الحرمان والقنوط يرتاحان على قسماتك.. فواعجبا من بالون منفوخ ثقبته حدة العقاب فانظر اليه كيف اصبح الآن!
ايها الحي لكن المحسوب من الاموات: ابكِ ندما وأسفا لعل تلك الافعال القبيحة تمسحها العبرات الحارقة..
لقد اصبحت بقايا انسان يدوسه الناس بالحقد والهوان، واشلاء سيف مثلوم في قرابه ليس له اي شان، وها أنك ترتعد الان وراء باب نفوذك الذي كنت تسده دوما في وجوه الناس، تهب عليك عاصفات الترقب الهوجاء لان النهاية قريبة، فالله يمهل ولا يهمل والله اكبر على من طغى وتجبر..
والان سأنهي كلماتي فيكفيك الان ما تلاقي لان اصوات الخطوات العادلة الواثقة سائرة باتجاهك، والاغلال والقيود في انتظارك، والذل والفضائح في مواجهتك، وستتحدث الاخبار ان القانون قد طالك..
وان النصر دائما للحق الماحق ايها المدير. السابق
«التوقيع: مظلوم بن مقهور الصابر»
Bookmarks