بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .... أما بعد ..
أيها الأحباب اقرؤوا معي أول سورة العنكبوت يقول الله تعالى :
{ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ }
أن يقولوا..... إنه قول يتعقبه الله بالفتنة والاختبار ... ليميز الله الخبيث من الطيب ... حتى يعلم المجاهدين منا والصابرين
لقد قال الله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} (8) سورة البقرة
ثم انظر أخي الحبيب إلى نبي الله سليمان – عليه السلام – الذي أوضح تلك القضية وهو يتعامل مع الهدهد حين قال : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ......} فقال سليمان – عليه السلام - : { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِين َ}
وكان يمكن لنبي الله سليمان – عليه السلام –أن يقبل من الهدهد ما زعم خاصة وأن الطير لا يكذب لأنه مفطور على الصدق ... لكن الأنبياء يتخلقون بأخلاق ربهم ... وهذا هو الأسلوب الذي يعامل الله به جميع الناس فيما يزعمون ويدعون سواء أعلنوا تلك المزاعم ... أم أسروها لأنه يعلم السر وأخفى ....
ومن هنا فإن على العاقل الحصيف أن يكـف فورا عن المزاعم والأقوال التي ليس لها رصيد في واقع حياته ... حتى لا يوضع في التجربة فتنكشف حقيقة مزاعمه ويظهر زيف ادعائه فيبدو للملأ أن من الكاذبين ... ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ )
مستحيل أن يتركوا ... فيزعمون ما يريدون ... ويقولون ما يشاؤون ... ثم لا يضعهم الله في التجربة التي تكشف حقيقة مزاعمهم ...
ولذا قال الله بعدها : {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}
وقال في آية أخرى : {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ }
إذن لا بد من الفتنة والاختبار ....
ثم تتلألأ الآية من بعدها لتبدد أوهام الناس وظنوهم الكاذبة ، وأنهم لم يفهموا عن الله مراده ، ولم يدركوا قدرته على إظهار حقائقهم المكنونة {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}
هذا أسوأ فهم يفهمه الإنسان عن ربه ... وهذا يدل على أقصى الجهل بقدرتنا
من أجل ذلك يجب على المؤمن أن يحذر من إطلاق المزاعم ليكف عن وجهه ضربات الفتن ...
فلا تزعم أنك مسلم ... ولكن قل اللهم اجعلني مسلما ... وتذكر ما قاله الخليل إبراهيم – عليه السلام - : (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ )
ولا تقل إني صابر ولكن قل : اللهم اجعلني من الصابرين وتذكر قول إسماعيل – عليه السلام - : { ُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وقول موسى – عليه السلام - : {قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا ولا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} فاحذر أن تزعم زعما فيهلكك ما تقول ... لأن الله لن يترك أحدا أن يقول ما يشاء دون أن يوضع موضع الفتنة والاختبار ... وهذه القاعدة تخفى على كثير من الناس إلا مَنْ مَنَََّ الله عليه بمعرفته ... وكأيّن من إنسان جرّ على نفسه البلايا بسبب مزاعم زعمها وهو يظن أنه سوف يترك آمنا ... يقول ما يشاء ...
فالأمة التي تكذب وتزعم دوليا أنها كذا وكذا ... من الحتم أن توضع في التجربة فتنكشف حقيقتها للعالم كله ...
والفرد الذي يزعم ويكذب ... من الحتم أن يوضع في الفتن التي تكشف حقيقته لمن كذب عليهم ... وهكذا يطّرد هذا الأمر ويستمر في الأمم والأفراد
فاحذر أن تقول قولا يجر عليك بلاءً لا قبل لك به ولا طاقة ...
سواء كنت صادقا فيما تقول ... أم كنت من الكاذبين ...
فإن كنت صادقا وقعت في الفخر ... والله لا يحب كل مختال فخور ...
فمن الحتم أن يتعقبك ربك بما يذهب فخرك ...
وإن كنت كاذبا وقعت في دائرة أكبر المقت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون َ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}
ولكن انكسر لربك ( أنا عند المنكسرة قلوبهم ) واعدد نفسك لا شيء ..
هنا لك تنجو ... من الفتن ... التي هي للذين يقولون ما يقولون بالمرصاد ( إن ربك لبالمرصاد ) وهذا ما فهمه أولوا الألباب
فهم لا يفخرون ولا يزعمون ... ولا يقولون ما ليس فيهم ... ولا ما فيهم ... فأحسنوا بذلك إلى أنفسهم .. وفهموا عن الله مراده ...
فهل يا ترى سنأخذ هذا الدرس المفيد ... إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...
Bookmarks