صوره بالتلفون أثناء تعذيبه.. في مملكة شيخ لا تحكمها الجمهورية
24/12/2006
ناس برس- صالح الصريمي- علي الفقيه
غادر قريته خائفا يترقب بحثا عن لحظات أمان* وعن سند يشعره أنه لا يزال هناك فرصة في العيش.. خرج يتتبع إنسانية سلبت منه عله يجد من يعينه على استعادتها* ومع سعة سهل تهامة وامتداده إلا أنه زهد في تلك السعة ويمم وجهه شطر العاصمة صنعاء حيث لا يزال يعتقد أن فيها دولة يمكن أن يركن اليها.
بعد أن جُرِّد المواطن حمدان درسي من ملابسه* وانتهكت إنسانيته في حضرة أحد المشائخ النافذين الذين يعيشون محصنين ضد النظام والقانون وينسجون لأنفسهم أوطانا خاصة بهم وكل من يعيش حولهم رعايا من الدرجة الرابعة لا يحق لهم حتى أن يتسمون بأسمائهم* أبلغ بذلك الجهات الرسمية إلا أنه لا يطمع كثيرا في أن تصل يد العدالة إلى غريمه الذي يعيش رجال الأمن المرابطين في المنطقة تحت رحمته.
وحتى لا تطول المقدمات وتضيع القضية كما ضاعت سابقاتها -وما أكثرهن– فقد فوجئ المواطن حمدان درسي –عامل بناء– في أواخر الثلاثينات من العمر كما يعتقد فهو لا يدري كم عمره تحديدا* بعساكر الشيخ شعيب الفاشق يستدعونه عصر يوم الأربعاء13 ديسمبر ليأتي إلى الشيخ ولأنه لا أحد يستطيع أن يعصي أمر الشيخ وهو يعيش في أرض تابعة لمملكته في مدينة الحسينية فقد ترك أدوات البناء ونزل من عمارة كان يعمل فيها كمعلم بناء واتجه صوب بيت الشيخ دون أن يسأل فيم طلبه.
وعلى الرغم أن استدعاء الشيخ يرعب الرعية لكن حمدان لم يدر بخلده أنه سيكون أحد الضحايا فهو مواطن صالح ويعمل ليشقى على الأولاد بكد عرقه ولم يرتكب ما يجعله يفكر أنه سيكون الضحية هذه المرة.
يقول درسي وهو يسرد مأساته أنه وفور وصوله بيت الشيخ سلم لكنه وجد رد السلام سيلاً من السباب والشتائم ليس أكثرها "يا **** يا ابن ****".
لم يفاتح حمدان بتهمته التي اقتيد إثرها وليس في قانون المرافعات الخاص بالشيخ شيء من هذا وكل ما في الأمر أن أمر جنوده أن يقيّدوه ويضعوه بين المساجين في الحوش وما كان لهم أن يعصوا أمره أو يتأخروا في التنفيذ.
يقول حمدان "ألقوني في الحوش بين العشرات المظلومين أمثالي وبعضهم مضى عليه فترة طويلة في سجن الشيخ* وبقيت مقيداً حتى الساعة الثانية عشر ليلاً".
وفي الوقت الذي نام معظم السجناء في حوشهم المظلم بينما لا يزال حمدان يقظا يفكر في الجرم الذي اقترفه وما الذي يمكن أن يلحق به جاءه عكفة الفاشق يستدعونه ليقابل الشيخ بعد أن خرج من عنده كل الضيوف الذين كانوا عنده.
سيسجن لفترة طويلة* قد يعاقبه الشيخ بلطمة ينزل إثرها الدم* قد يغرمه مبلغاً جائراً* وقد يعاقب بحلاقة رأسه بطريقة مهينه تلك الوساوس التي داهمته وهو في الحوش.
لكنه لم يكن يتوقع أنه سيجرد من إنسانيته وكرامته وهو ما وجده فعلا يقول "وصلت عند الشيخ فأمر عسكره مباشرة بأن يجردوني من ثيابي كاملة* وتم تجريد ثيابي كاملة وأصبحت مثلما خلقني ربي".
يتجرعها غصة في حلقه يستطرد درسي في شرح ليلته المأساوية "بعدها قال الشيخ لمرافقيه "****" بعد أن صب الخمر على رأسي* ولما ترددوا في تنفيذ ذلك أمرهم أن يربطوني من أرجلي الى ماسورة وضعت مرتفعة* وأصبحت معلقا من رجلي* فأحضر الشيخ هراوة خشبية وطلاها بمادة دهنية* وأدخلها في **** أكثر من مرة* وبقيت على هذه الحالة حوالي نصف ساعة."
لم يشفع له الصراخ والعويل وهو على هذه الحالة وإنسانيته تهراق وكرامته تنتزع وليس له من ذنب إلا أنه يعيش في الحسينية - منطقة أعلن فيها الشيخ تسلطه على كل شيء وأنها محمية للظلم والطغيان.
لم يعد عقابا ينزله الشيخ بضحاياه فقط لكنها تأصلت فيه وأصبحت نزعة سادية يشبعها والدليل كما يقول حمدان "كان يصورني بالتلفون وأنا أقاسي التعذيب"* ولأنه كان يرى أن ما أنزله بضحيته لا يكفي "فقد طلب مني أن اتصل بأخي ليحضر زوجتي أو أختي ويقوم بانتهاك عرض أحد منهن أمامي فرفضت أن أتصل".
يقول حمدان وهو يروي مأساته لـ"الناس" "أثناء التعذيب وأيضاً بعد الانتهاء من عمله الإجرامي وانتهاك عرضي كان الشيخ يحرقني في **** بسجارته* وكان يضع السكين على رقبتي وقد كنت أتمنى أن يذبحني ولا العمل الذي قام به".
استمرت ليلته السوداء ليتركه الشيخ معلقا من رجليه وطرح له شروطاً ينفذها مقابل الإفراج عنه فهو مخير بين قتل الفداوي –صاحب البناية التي كان حمدان يبنيها- أو أن يهدم تلك البناية.. ومطلوب منه مغادرة الحسينية مع أسرته "وإذا لم أنفذ أحد هذا الشروط قال لي أن دمي أنا وأسرتي مهدور".
ومع إطلاقه له إلا أنه أراد أن يختتم الفيلم بمشهد أكثر مأساوية فقد أخرجه لا شيء يستره إلا ظلمة الليل.
يقول حمدان "وأنا في طريقي الى منزلي البعيد وجدت اثنين وطلبت منهم أن يعطوني أي شيء استر به جسدي وقلت لهم استروني الله يستركم في الدنيا والآخرة وقد كانوا يظنوا أنني سكران فأشفقوا علي وأعطوني كيس دقيق فارغ ستروني به ووفروا لي دباب أوصلني إلى بيتي وقد رفض صاحب الدباب في البداية أن يوصلني عندما رآني على الحالة الذي كنت بها".
تجاوز مرحلة الطريق وأقله دباب ليصل الى البيت لكنه لا يزال يتخيل كيف سيدخل على أهله وهو بتلك الحالة المهينة.
يقول "أول من استقبلني في البيت زوجتي ولما رأتني على تلك الحالة أصيبت بالذهول وقامت تبكي وبعد ذلك اجتمعت أسرتي كلها وبكوا جميعا إشفاقا علي".
اتجه حمدان صبيحة ليلة لم يذق فيها طعم النوم الى إدارة أمن المديرية وأبلغهم بما حصل له يقول حققوا في الموضوع* لكن من يجرؤ على استدعاء شيخ أكبر من دولة يضيف "لم يستدعوا الشيخ ولن يستطيعوا أن يستدعوه وبإمكان وسائل الإعلام أن تتصل بالجهات الأمنية وستفاجأ بأنها عاجزة عن استدعاء الجاني"* وهو ما ثبت من خلال تواصلنا بالجهات الأمنية التي عجزت عنه في مرات سابقة وسبق له أن واجه الأجهزة الأمنية بالرصاص.
الحالة أثبتت بتقرير طبي* وحررت المباحث محضر جمع استدلالات ومذكرة للنيابة للقبض على الجاني وأصدر النائب العام أمرا بالقبض على الشيخ والنائب السابق شعيب الفاشق إلا أن حمدان لا يزال يشكك في تمكن الجهات الأمنية من القبض عليه أو الاتجاه نحو منزله واختتم حديثه بالقول "وأنا أدعو الرئيس علي عبدالله صالح بأن ينصفني وقد كنا نسمع وقت الانتخابات بشعار الأمن والأمان فأين الأمن والأمان وكان شعاره بأنه يحارب الفساد فهل هناك فساد أكبر من انتهاك عرض مواطن، كما أوجه النداء إلى منظمات حقوق الإنسان المحلية والخارجية وكل أصحاب الضمائر الحية بأن يقفوا إلى جنبي من أجل إنصافي وأخذ حقي من الجاني وحتى لا تكرر مثل هذه المأساة إذا ما تم السكوت عنها".
تلك مأساته وهي مأساة آلاف المواطنين في كثير من المناطق التي لا يزال يملك الشيخ كل شيء فيها وإنما سجل حمدان درسي ومن قبله سعيد قطاب سابق في إخراج تلك الوقائع الى الضوء وإطلاع الصحافة على ما يجري.
ليس غريباً أن يصل خبر عن محاولة (الفاشق) دفع (200) ألف ريال مقابل إنسانية المسكين وإن كان لا يزال الضحية يرفضها.
Bookmarks