يُقال إن مبدأ (فرّقْ تسدْ) استعماري الأصل والمنشأ والولادة. كنا نظن أن هذا المبدأ العقيم لا يلجأ إليه إلاَّ الضعفاء، ولكن مواقف تاريخية عديدة تؤكد أنه أسلوب لجأ إليه الأقوياء، ظنًّا أن خصومهم أشد بأسًا منهم. بعض الغرب ينظر إلى الأمة الإسلامية بازدراء، وبعضهم بخوف ووجل من أن يتوحد المسلمون ضدهم، ولم يعلموا أنهم قد مزّقوا تمزقًا قد يتعذّر جمعه بسبب ممارسات الغرب ضدهم من استعمار لأوطانهم واضطهاد ونهب للخيرات والثروات، واليوم لازال الاستعمار مستمرًا ولكن عن بُعد، وهو اليوم أشد إيلامًا من ذي قبل؛ لأن كنوز المعلومات التي لديه عن كل دولة إسلامية على حدة كافية لتمزيق أوطانهم اربًا اربًا، وهم ماضون في هذا الطريق بوسائل شتّى، ولكن وفق ما يخدم مصالحهم. لقد رسخ في أذهان الغرب أن المسلمين يزداد عددهم يومًا بعد آخر من حيث التكاثر أو من حيث اعتناق الدين الإسلامي، وأن ثلثي خزائن النفط تقع في العالم الإسلامي، فضلاً عن النسب العالية الأخرى من المعادن والغاز والثروات الطبيعية، وبالتالي أصبح تفتت هذا العالم مطلبًا ملحًّا، فلا غرو أن نشهد دومًا زيادة في حدة التوترات على أصعدة مختلفة، وقد تُقام حركة انفصالية عن الشرعية في بلد ما وتجد تأييدًا من الغرب ومناصرة لهذه الحركة، وقد تكون هذه الحركات للأقليات غير المسلمة، كما حصل في تيمور بإندونيسيا، وما يحدث حاليًّا في جنوب السودان. حتى أحزاب المعارضة لدولة شرعية تجد مَن يقف وراءها ويدعمها لاستخدام المعارضة وسيلة من وسائل الضغط والابتزاز.. إن ما يلفت النظر حقًّا هو ما نشهده من محاولات لتهدئة اللعبة في الشرق الأوسط.. بدأنا في قطاف بعضها، إلاَّ أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، فقد منحوا أنفسهم الوقت لالتقاط الأنفاس، ولإعادة توظيف ما تم جمعه من معلومات لبدء سيناريوهات جديدة في المنطقة. الأمة الإسلامية -وبكل أسف- (مفعول به)، فمتى تكون فاعلاً ؟ الإجابة ليست عسيرة ولا صعبة المنال، ولعل أفضل سلاح يتحلّى به المسلم هو سلاح العلم والإيمان، فهو من الأسلحة العظيمة الشأن، ومجلبة للخير. نحن في حاجة إلى تنوير الأذهان، والثقة بالله أولاً وقبل كل شيء، ثم الثقة بالنفس، والاعتراف، والحوار مع الآخر، والتعايش معه. قد يرى البعض أن الغرب ساحة مفتوحة، وأنه يفتقد في نفس الوقت إلى الاشباع الروحي والاجتماعي، وربما كانت هذه الفرصة مواتية لدعاتنا للقيام بهذا الدور، وقد يكون القول صحيحًا، إلاَّ أن الدعوة بالحسنى فيما بيننا، وتوحيد القلوب أولى من اجتياز الحدود، أمّا سياسة (فرّقْ تسدْ) فهي دنيئة الهدف، ولا يلجأ إليها العقلاء، فضلاً عن أنها تؤجّج الفتن، وتخلق العداءات.. وبالتالي يضعف الإنتاج، ويعم الفساد. وإذا عشنا معهم، أو عاشوا معنا فإن القدوة هي الأسلوب الأمثل.. فهل نحن فاعلون؟ وعلى الباغي تدور الدوائر.
منقول
Bookmarks