واضيف على كلام اخي بن حبتور هذه المعلومات ان الرافعي إلى ذلك كله أصيل الفكرة في ميدان الإصلاح الاجتماعي، المستمد من استقامة تفكيره، المنطلق من ثقافة دينية ربطت في سماحة ويسر بين السلوك الاجتماعي والأدب الديني، وهو في كتاباته التي عالج فيها هذا الموضوع يختلف عنه حينما يكون الموضوع الذي يكتب فيه دفاعاً عن اللغة أو تصدياً لمن يريد أن ينال من عاداتنا وقيمنا الموروثة عن السلف.
وإن نظرة إلى مقالاته: «الطائشة» و«قصة زواج وفلسفة المهر» و«استنوق الجمل» و«الجمال البائس» وغيرها من مقالاته الاجتماعية لتكشف لنا صورة للرافعي جديدة جميلة تحمل في أعطافها إشارة واضحة إلى مصطلح اجتماعي من طراز فريد، ناقش مشكلات زمنه بفهم عميق، وتناولها بسلاسة ويسر استعصيا على كثيرين من معاصريه مفكرين وكتاباً ومصلحين.
ولعل أفكاره البكر المتأبية على غيره من أترابه في هذا الميدان قد أودعها كتابه: «المساكين» الذي بهر به مفكري زمانه مثل العقاد وأحمد زكي باشا، وكثرة وافرة من الذين قرأوه بإحساس محايد بعيد عن الحسد والبغضاء فلم يخفوا إعجابهم بأسلوبه ومحتواه
وربما كانت بعض المضايقات التي تعرض لها ولم يكن أهلاً لأن يضايق هي التي جعلته يكتب بيتيه اللذين حملهما كل ما في طاقة نفسه من سخط حين قال:
وما أنتِ يا مصرُ دار الأديب
وما أنتِ بالبلدِ الطيّبِ
وكم فيكِ يا مصرِ من كاتبٍ
أقال اليراعَ ولم يكتبِ
لقد تعرض الرافعي بسبب هذين البيتين لكثير من الحملات في زمانه، فقد كان حاسدوه من الكثرة وشدة الحفيظة عليه بحيث يلتمسون له الهفوات ثم يجسمونها ويطلقونها من خلال أبواق عالية مسموعة، بل إن بين الدارسين المحدثين ممّن لم يزنوا قيمة الرافعي حق الوزن لا يزالون يمسكون بخناقه بسبب هذين البيتين وما درس هؤلاء وأولئك أن الرافعي قال البيتين في زمان يختلف كل الاختلاف عن زمانهم هذا الذي نعيش فيه، وفرق كبير بين مصر المستعبدة يومئذٍ، ومصر المستقلة في أيامنا، وليس الرافعي في حاجة لمن يدفع عنه هذه التهمة فقد كتب عن مصر شعراً لم يكتبه غيره في أناشيده الرائعة العديدة الشهيرة مثل نشيد:
حماة الحمى يا حماة الحمى
هلموا هلموا لمجد الزمنْ
فقد صرخت في العروف الدما
نموت نموت ويحيا الوطن
ونشيد:
أسلمي يا مصر إنني الفدا
ذي يدي إن مدّت الدنيا يدا
ونشيد:
إلى العلا إلى العلا بين الوطن
إلى العلا كل فتاة وفتى
والرافعي كشاعر طرق أبواب الشعر المختلفة من تقليدية ومحدثة وهو في كل ذلك مهتاج النفس وافر الموسيقى رائع البيان، إنه يعمد إلى الكتابة في فلسفة تربية اليافعين فيقول:
لكل فتى من الدنيا كمالُ
فما نقص الورى إلاّ الفعالُ
ومن لم يرشدوه في صباهُ
تحكم في شبيبته الضلالُ
فما قلبُ الصغير سوى كتابٍ
تسطّر في صحائفه الخلالُ
ولا ينسى الرافعي أنه مرتبط بلبنان ارتباط الدم والأرض والوطن الكبير، وربما ارتباط القلب أيضاً، وهو لذلك لم ينس لبنان في شعره، فأنشأ القصائد الرقيقة والأبيات الأخاذة في ذكرها، فيقول في الحنين إلى طرابلس لبنان(4):
فيا طرابْلس حيتكِ المنى بلداً
بي من هوى الحسن فيك فوق ما أصفْ
أحسّ بين ضلوعي كلّما خطرتْ
ذكراك أنّ إليكِ القلبَ ينعطفْ
Bookmarks