نفض عن عقله ركام الذكريات ، فلم يعد يتذكر أنه كان منهم.
ترك ذلك الطريق، الذي لا يفضي إلى غير الموت ، حيث يؤبن الإنسان ذاته ومازال قلبه ينبض .
على أنه قاوم موته الحي بإحياء عقله وبشق الأنفس ، كان يكابد فيروسات الأفكار التي تدمر جهاز المناعة الفكرية ، وتحيله إلى قطعة ثلج ، لا تقوى على إذابته حتى الشمس .
حين تقرر أن تختار طريقك ، تختاره عن قناعة ، وقد تلعب غرائزك دورا في تفتيق وعيك بهذا الطريق ، لما لا ، فأنت إنسان لك مطالب مختلفة ، لكنك تبحث عنها بطريقة لا تهيمن عليك أو تحرف مسارك ، فما يضر غيرك لن يكون بأي حال مشروع ، فكيف إذا كان هذا الغير هم الناس الذين لا يختلفون عنك او تختلف عنهم في شيء، قال يحدث ذاته كمجنون عاقل ، اما لو أني استمررت في ذات الدرب لكنت على غير ما أن عليه ، إن ما كنت تظنه الهدى هو عين الضلال وهل هناك أظل ممن يجعل عقله مستودع لأفكار الموت وتهاويم الغيب ، إن ما كنت فيه كان تيها ، تيها أغدقه عليك هواة حرف المسارات أؤلئك الذين يلبسون مسوح الأنبياء ويتلون آيات السماء ، يتبرجزن على حساب الكل وبأناقة مغرية يظهرون أنفسهم كهداة لما كانت الأرض بهم بهيجة.
أحرق ذكرياته وأبقى منها ما يصلح للنشر ، وما يستحق أن يقوله لكل من تستهوية تلك الصور التي تبتسم بجمود ولذة من يرى في غيره أضحية سهلة، وقربانا للسماء المكذوب عليها تلك التي تغط بكل ما فيها من نجوم وأفلاك ومجرات وحياة لانعلمها.
قاله صديقه" لا شيء في الحياة ينسى ذكرياتنا نور بهي يعذبنا ومنها ننسج التغيير ونصنع ذكرى جديدة .
لكن في الذاكرة ما يؤلمه ، لقد عبثوا بقلبه ونبل مشاعره ، استهوتهم فيه فطريته وإنسانيته التي تنبلج بما تكنزه ، لقد كان ظاهرا من الداخل حد الصفاء ، فهو لا يستبطن شيئا ، ولا يخفي أسراره ، فقد كانت فلسفته الساذجة تفيد : بأن لا ثمة ما يستحق الكتمان ، أو يستدعي الحرج .
قال له صديقه : يا عزيزي لا يمكن لشخص يملك عقله ان يصبح ضحية إنها خيارات نحددها بحسابات باردة وأحيانا ننفعل فنخطئ .. حياتنا ليست طريق قويم إنها نزعات تهيمن علينا أحيانا تجعل عقولنا حقيقة من سراب الوهم ،الفرد حر وخياراته هي نتاج عقله ولكل فرد الحرية الكاملة في تحديد مسارات حياته ..
التفت الى صديقه : لكن ألا ترى أن حرية الفرد حين تنتهك حرية المجتمع تصبح فوضى.؟
أجاب صديقة :عندما تصبح حريتي معيقة لحرية الآخر فإنها حرية فوضوية لا معنى لها الحرية ان تفهم حرية الآخرين لا حرية مع الاستغلال مثلا، ثم أردف: الحرية ليست رغبة ذاتية محكومة بالهوى بل حرية يعمرها العقل ومحكومة بالقانون.
أعجبه حديث صديقه فقال له : معنى ذلك أني عندما أدين تفكيرك فإني اعتدي على حريتك، لكن من حقي أن انقد تفكيرك وأفنده بالعقل والمنطق أما أن اتهمك فاني اعتدي عليك.
قال يا صديقي أغراهم حالي ووضعي ، فظنوا أن بإمكانهم تحويلي الى شيء غير ذي جدوى سوى أداة يسحقون بها التقدم ويعيقون بها قوى الخير التي ينبض قلبها بالإنسان.
أجابه صديقه عظمة الإنسان في بساطته وتلقائيته أما المتحذلقون فهم يخفون الغباء .. العظماء ستجدهم كانوا في قمة البساطة والتلقائية.
هو يدرك أنه ليس عظيما فقد أحالوه إلى عظمة أكلوها حد النخاع بعد ان أوغلوا في تجريدها من اللحم والدم ، أرادوا ان يبلسوه أقنعة مخيفة ،أو طمعوا في أن يكون كذلك ، لكنه كان يحتفظ ببذرة الإنسان في أعماقه يتعهدها بالرعاية وعلى أرصفة البؤس كان يسقيها من وجع الذين عركتهم هذه القوى بالشراكة مع سلطة الجوع والبؤس والجرع ، فالبرجوازية لا تنتج غير بشر ضحايا مساكنهم الشوارع وبيوتهم الأرصفة .
في سراديبهم التنظيمية ، هناك تحت الأرض حيث تولد أفكار الظلام هو ساقط ، لكنهم لا يعلمون كم يهوى هذا السقوط ، إنه بالنسبة اليه أروع سقوط في حياته..!!
Bookmarks