الناسُ أعداءُ أهلِ الفضلِ مذْ خلقوا .. مِنْ عَهْدِ آدَمَ، سَبَّاقُونَ فِي الإِحَنِ
فَلاَ صَدِيقَ عَلَى وُدٍّ بِمُتَّفِقٍ .. ولاَ خليلَ على َ سرًّ بمؤتمنِ
فَلَيْتَ لِي وَدَوَاعِي النَّفْسِ كَاذِبَة ٌ .. خِلاًّ يَكُونُ سُرُورَ الْعَيْنِ وَالأُذُنِ
أصفيهِ وُدي ، وأمليهِ الهوى ، وأرى .. منهُ الصوابَ ، وَ أرجوهُ على الزمنِ
هيهاتَ ؛ أطلبُ أمراً ليسَ يبلغهُ .. حَيٌّ وَلَوْ سَارَ مِنْ هِنْدٍ إِلَى يَمَنِ
مَهْلاً أَخَا الجَهْلِ، لاَ يُغْوِيكَ مَا نَظَرَتْ .. عَيْنَاكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنَ الْفِتَنِ
هَذِي الْبَرِيَّة ُ، فَانْظُرْ، إِنْ وَجَدْتَ بِهَا .. غَيْرَ الَّذِي قُلْتُ، فَاهْجُرْنِي، وَلاَ تَرَنِي
أَنَا الَّذِي عَرَفَ الأَيَّامَ، وَانْكَشَفَتْ .. لَهُ سَرَائِرُهَا مِنْ كُلِّ مُخْتَزَنِ
طفتُ البلادَ ، وَ جربتُ العبادَ ، فلمْ .. أَرْكَنْ لِخِلٍّ، وَلَمْ أَجْنَحْ إِلَى سَكَنِ
خُلِقْتُ حُرًّا؛ فَلاَ قَدْرِي بِمُتَّضِعٍ .. عِنْدَ الْمُلُوكِ، وَلاَ عِرْضِي بِمُمْتَهَنِ
لا عيبَ فيَّ سوى أني عتبتُ على .. دَهْرِي؛ فَقَدَّمَ مِنْ دُونِي، وَأَخَّرَنِي!
وهذهِ شيمة ُ الدنيا ، ومنْ عجبٍ .. أَنِّي أَرَى مِحْنَتِي فِيهَا وَتُعْجِبُنِي
لَيْسَ السُّرُورُ الَّذِي يَأْتِي الزَّمَانُ بِهِ .. يفي بقدرِ الذي يمضي منَ الحزنِ
فَاسْتَبْقِ نَفْسَكَ إِنْ كُنْتَ امْرئ فَطِناً .. وَاقْنَعْ بِعَيْشِكَ فِي سِربَالِكَ الْخَشِنِ
وَلاَ تَفُهْ بِحَدِيثِ النَّفْسِ، إِنَّ بِهِ .. شَرَّ الْحَيَاة ِ، وَسَعْيَ الْحَاسِدِ الأَفِنِ
وَ لاَ تسلْ أحداً عوناً على أملٍ .. حَتَّى تَكُونَ أَسِيرَ الشُّكْرِ وَالْمِنَنِ
خَيْرُ الْمَعِيشَة ِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلَة ً .. هَوْناً، وَثَوْبُكَ مَعْصُومٌ مِنَ الدَّرَنِ
وَعَاشِرِ النَّاسَ بِالْحُسْنَى ، فَإِنْ عَرَضَتْ .. إساءة ٌ فتغمدها على الظننِ
فالصفحُ عنْ بعض ما يمنى الكريمُ بهِ .. فَضْلٌ يَطِيرُ بِهِ شُكْرٌ بِلاَ ثَمَنِ
(محمود سامي البارودي.. مصري
من أهم شعراء أوائل العصر الحديث..
رائد مدرسة "البعث والأحياء"
للشعر العربي
من زعماء الثورة العربية)
Bookmarks