لقد كان الحواضر ماء قومي فأصبحت الحواضر ماء نهد
وكثرت بطون جرم ونهد بها ، وفصائلها ، فتلاحقوا واقتتلوا وتفرقوا فلحقت نهد بن زيد ببني الحارث بن كعب فحالفوها ، وجامعوهم ، ولحقت جرم ببني زبيد حتى تحاربت بنو الحارث وبنو زبيد ، فكانت الدبرة يومئذ على بني زبيد، وفرت جرم من حلفائها من زبيد ، ولحقت بنهد وحالفوا في بني الحارث ، وصاروا يغزون معهم من قاتلوا ، وقال خالد بن الصقعب النهدي فيما كان بين نهد وجرم .
عقدنا بيننا عقداً وثيقــــاً شديداً لايوصل بالخيـــــــــوط
فتلك بيوتنا وبيوت جرم تقارب شعر ذي الرأس المشيط
فلم تزل جرم ونهد بتلك البلاد وهي على ذلك الحلف حتى أظهر الله الإسلام ومن هناك هاجر من هاجر منهم وبها بقيتهم (معجم ما استعجم ج1 ص43) .
وينقل البكري كذلك أن نهدا أوصى بنيه حين حضرته الوفاة فقال : أوصيكم بالناس شراً ، ضرباً أزاً ، وطعنا وخزاً ، كلموهم نزراً ، انظروهم شزراً ، واطعنوهم دسراً ، أقصروا الأعنة ، وطرروا الأسنة ، وارعوا الغيث حيث كان ، فقال شاعرهم :
وأوصى أبونا فاتبعنا وصاتـــه وكل امرئ موص أبـــوه وذاهب
فأوصى بأن لا تستباح دياركم وحاموا كما كنا عليهــــا نضارب
إذا أوقدت نار العدو فلا تزل شهاب لكم ترمي به الحرب ثاقب
يفرج عن أبنائنا ونسائنــــــا جلاد وطعن يـردع الخيل صائــب
وما ذاد عنا الناس إلا سيوفنا وخطية مما يتــــرص زاغــــــــــب
(معجم ما استعجم ج1 ص33)
وتوضح هذه الوصية - أن ثبتت - غلبة البداوة على نهد في الجاهلية . وجاء الإسلام ونهد في مواطنها على حلفها مع بني الحارث ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاباً لقيس بن الحصين الحارثي لبني أبيه بلحارث بن كعب ولبني نهد حلفاء بني الحارث (ابن سعد ج1 ص268) .
وفي خبر وفد طهفة بن أبي زهير النهدي أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب كتاباً لبني نهد جاء فيه "بسم الله الرحمن الرحيم ، محمد رسول الله إلى بنى نهد بن زيد ، السلام على من آمن بالله ورسوله ، لكم يابني نهد في الوظيفة الفريضة ، ولكم الفارض والفريش ، وذو العنان الركوت ، والفلو الضبيس ، لا يُمنع سرحكم ، ولا يُعضد طلحكم ، ولا يُحبس دركم ، ما لم تضمروا الاماق وتأكلوا الرباق ، من أقر بما في هذا الكتاب فله من رسول الله الوفاء بالعهد والذمة ، ومن أبى فعليه الربوة . (ابن عبدربه ج2 ص55)
وشاركت نهد في أحداث التاريخ الإسلامي ، فقد ذكر كثير من رجالها في قوائم الصحابة والتابعين ، وذكرت مشاركتها في فتح طبرستان مع سعيد بن العاص (الكامل ج3 ص55) .
وارتبط - بعد هذه الحقبة - تاريخ نهد بالأحداث في تاريخ اليمن ، فقد عدت كإحدى القبائل المؤيدة لدولة الملك علي بن محمد الصليحي (عمارة ص103) ، وقد تعرضت مع حليفتها بنى الحارث لهجمات الإمام الزيدي الهادي يحيى بن الحسين المتوفى سنة 298هـ ، ثم ذكرت بعد ذلك ضمن القبائل المؤيدة والوافدة على الإمام أحمد بن سليمان سنة 535هـ وهي قبائل وادعة ودهمه ونهد (غاية الأماني ج1 ص298) ، واشتركت معه سنة 549 في قتال قبيلة يام في نجران (غاية الأماني ج1 ص309) .
وتوضح هذه التحركات الأخيرة لنهد أنها كانت من القبائل المهمة والقوية في المنطقة .
وفي أواخر القرن السادس الهجري ، وبالتحديد سنة 592هـ - حسبما تذكر مصادر التاريخ الحضرمي - أي بعد أقل من خمسين عاماً من اشتراك نهد في مقاتلة قبيلة يام - تحركت بعض قبائل نهد الكبيرة ، وبعض حلفائها من بني الحارث إلى شمال غربي حضرموت ، وهي قبائل بني معروف وبنو حرام وبني ظبيان من نهد وبني ضنة من قضاعة وبني خيثمة وبني سعد من بني الحارث بن كعب من مذحج . وعرفت هذه القبائل بعد هجرتها بنهد ، جاء في "طرفة الأصحاب" عند الحديث عن قبائل خيثمة ، وبني ضنة وبني سعد "هذه الوجوه كلها يقال لها نهد ، وإنما قيل لهم نهد لأنهم في البلاد ، وانتسبوا إلى هذا الاسم فغلب عليهم ، وإلا فهم مختلفوا القبائل ، والأصل فيهم قحطان." (الرسولي ص139) .
أما سبب التحرك فلعله لا يخرج عن أحد الأسباب التالية :
- سبب متعلق بالحياة النباتية ، وحدوث ظروف جفاف .
- سبب سياسي - عسكري هو ضغط الدولة الزيدية في صعدة وقبائل يام من الجنوب ، وقبائل خثعم وشهران من الشمال .
- سبب اقتصادي هو طمع قبائل نهد وحلفائها في أودية حضرموت الزراعية .
ويذكر المؤرخ باحنان سبباً مباشراً هو مقتل فضالة بن شماخ ، وشماخ بن قلسان من نهد على يد بني مرة في وادي عمد بحضرموت (جواهر الأحقاف ج2 ص101) .
وقد أثارت قبائل نهد وحليفاتها - بعد هجرتهم - عواصف من الحروب على السلطة مع القبائل المحلية في حضرموت كبني حارثة وكندة ، واستطاعوا إقامة طويلات محلية ، والتحكم في جزء كبير من وادي حضرموت ، وأصبحوا بذلك إحدى أقوى قبائل شمال حضرموت ، حتى أنهم قتلوا ابن مهدي والى حضرموت من قبل الأيوبيين سنة 621هـ .
وقد استقرت نهد بعد ذلك في حضرموت ، فسكنت بنو ضنة شرقي حضرموت وبقية نهد في الشمال الغربي منها .
ولا ريب أن هجرة نهد من مواطنها القديمة بين نجران وتثليث لم تكن كاملة، إذ لعل بعض بطونها قد بقي في مواطنه ثم ذاب بعد ذلك في قبيلة قحطان التي ورثت مواطن نهد .
أما عن مساكن نهد فقد عد الهمداني مساكنها القديمة بين نجران وتثليث (الصفة ص 253) .
أما مساكنها الحالية فهي من (شروري شمالاً إلى وادي حضرموت جنوباً مارة قرب العبر وزمخ (البلادي ص 162) .
وهي قبائل مستقره وأخرى بادية رحل ، وتسكن المستقرة منها في المنطقة التي تبدأ من غرب القطن وتنتهي بأسفل وادي دوعن وهينن . (الشاطري ج2 ص363) .
وتعد قعوظة مركز قبائل نهد المستقرة ، وفيها يسكن الحكمان من نهد . أما عن قبائلها فقد ذكر الهمداني من بطونها القديمة : معرف ، حرام وهم أكثر نهد ، وبني زهير ، بني دويد ، بني خزيمة ، بني مرمص ، بني صخر ، بني ضنة ، بني يربوع ، بني قيس (الصفة ص 253) ، ولازال لبني معرف بقية تعرف ببني معروف ، كانت ضمن القبائل المهاجرة إلى حضرموت (انظر مادة بني معروف) .
أما بطون نهـــد الحالية فقد ذكر صلاح البكري ثلاثة قبائل معروفة كبيرة هي : نهيد ، بنو كليب ، بنو معروف . وينقسم بنو كليب إلى آل مقرم ، آل عامر ومن آل مقرم : الظلفان ، الشراشرة ، آل مهنا ، آل محمد .
وينقسم آل عامر إلى : آل بدر ، آل صريمان ، آل مذعذع ، آل البقري ، آل ثابت ، آل فارس ، آل بشر ، آل محمد ، آل حويل ، آل منيف .
وينقسم آل معروف (بنو يزيد) إلى : آل بالذياب ، آل بالحامظ ، بني الزوع ، آل شبيب . (الجنوب العربي ص 199) .
Bookmarks