بسم الله الرحمن الرحيم تفكر ساعة…… ثم صورناكمالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه. أما بعد… ما من إنسان يأخذ منه التعب، ويجهده القلق، ويتلبسه الضيق والحزن ثم يلجأ إلى شجرة يستريح في كنفها أو يرتاد حديقة ليتأمل صورة ما بها إلا وزال عنه ما أتعبه وأقلقه وتحرر من ضيقه وحزنه. هذه حقيقة واضحة جلية وتجربة مر بها واستشعرها كل إنسان. ولكن هل فكرنا، ما هو السبب في هذا التبدل والتحول في الأحوال من التعب والقلق إلى الراحة والسكينة ومن ضيق الصدر والحزن إلى سعة الصدر والفرح والانتعاش؟ إن السبب في هذا هو إن صورة النباتات والأشجار والزروع بأنواعها وصورة الحيوانات والطيور والحشرات وصورة الشمس والقمر والسماء والأرض والغيوم وكل باقي المخلوقات هي صورة تشرح القلب وتسر العين وتسعد الخاطر. وذلك لأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الموجودات فإنه تعالى قد حسنها وجملها وزينها بعد الخلق والإيجاد أي أن الله سبحانه وتعالى قد صورها. فالله سبحانه وتعالى هو الخالق البارئ المصور، قال تعالى في سورة الحشر، بسم الله الرحمن الرحيم: ((هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم.)) (الحشر: 24). وقد يظن البعض أن هذه الأسماء مترادفة المعنى ولكن الأمر ليس كذلك، فكل ما يخرج من العدم إلى الوجود فهو يفتقر إلى التقدير أولاً والى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً والى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً. والله سبحانه وتعالى هو… الخالق: أي المقدر المصمم. البارئ: أي المنفذ الموجد المخرج. المصور: أي مرتب صور المخلوقات احسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً، فالبناء يحتاج إلى مهندس ليقدر ما لابد منه من شكل البناء والمواد التي يحتاجها، ثم يحتاج إلى بناء يتولى أعمال البناء ثم إلى مزين ينقش ظاهره ويزين صورته… ولله المثل الأعلى. فالله تعالى هو المقدر والموجد والمزين فهو الخالق البارئ المصور. فهذا الإنسان المتعب القلق الحزين عندما أوى إلى الشجرة ونظر إلى المخلوقات الجميلة المزينة تجلى الله سبحانه وتعالى له باسمه المصور فبدأت خلايا عينه ودماغه وأعصابه وباقي جسمه تسبح لله تعالى فارتاح وسكن وانتعش. والله سبحانه وتعالى يصف أسمائه بأنها حسنى (له الأسماء الحسنى)، فما معنى حسنى؟ المعنى هو: 1. الحسنى في ذاتها بلا حاجة إلى استحسان من الخلق ولا توقف على استحسانهم. 2. والحسنى التي توحي بالحسن إلى القلوب وتفيضه عليها. 3. وهي الأسماء التي يتدبرها المؤمن ليصوغ نفسه وفق إيحائها واتجاهها، إذ أنه يعلم أن الله تبارك وتعالى يحب له أن يتخلق بها وأن يتدرج في مراقيه وهو يتطلع إليها، فيتحول حاله إلى الحالة الحسنى. ونرجع فنقول إن هذا الإنسان المتعب القلق الحزين عندما لجأ إلى الشجرة ونظر إلى المخلوقات فاض اسم الله المصور على قلبه بالحسن والجمال فارتاح وسكن وانتعش قلبه. فأنت عندما تنظر إلى النباتات والأشجار ترى تجلي الخالق البارئ المصور في الأشجار والزروع وفي أنواع سيقانها وأوراقها وأزهارها وثمارها الجميلة. وعندما تنظر إلى الحيوانات فترى الحصان أغر الناصية محجل القوائم، وحمار الوحش جلده مخططاً خطوطاً ذات زينة وجمال ونسق بديع، والطاووس بريشه المزين بأبدع زينة والملون بأجمل الألوان، والديك ذي ريشات الذيل القوسية ذات الألوان البديعة والشكل الجمالي الرفيع، والهدهد بتاج الريش الذي على رأسه، ترى تجلي الخالق البارئ المصور. وعندما تنظر إلى الأرض والجبال والى السماء وما فيها من نجوم وغيوم وشمس وقمر منور جميل ترى اسم الله المصور يتجلى بوضوح فهذا النسق البديع لا يأتي إلا من مصور، يرسم صنائعه على ما تقضيه غاية التجميل والتزيين للناظرين، يصف لنا القمر أحد رواد الفضاء الذين نزلوا على سطحه فيقول: إن تربته هشة جداً ولامعة كأنها لتجيد عكس نور الشمس للإنسان!! يقول الشاعر محدثاَ عن نفسه كيف عرف ربه إلهي عرفتك من لامعاتِ الأفق عرفتك من موحشات الغسق عرفتـك من نفحات الفلق عرفتـك مـن خلقك المتسق بأنك أنت الإله الأحد عرفتك من بهجة في القمر عرفتك من نسمة في السحر عرفتك من بسمة في الزهر عرفتك مـن ناميات الشجر بأنك أنت الإله الأحد عرفتك من ذي جناح يطيـر عرفتـك من ذي قوام يسيـر عرفتك من سابحات في الغدير عرفتك من زاحفٍ في الهجير بأنك أنت الإله الأحد عرفتك لما نظرت الجبال عرفتك من رائعات الجمال عرفتك حين شرب الزلال عرفتك إذ ظـللتني الظلال بأنك أنت الإله الأحد عرفتك حين ركبت الهواء وطوفت في جنبات الفضاء وحيـن تأملت هذي السماء وكـل عظيـم بها ذي بهاء بأنك أنت الإله الأحد وأنك أنت العظيم الصمد ونجد أن هذا المعنى واضح في القرآن الكريم، فعندما نتدبر ونتفكر في الآيات التي تتحدث عن الخلق والصنع نجد أن مسحة التصوير والتجميل والتحسين فيها واضحة جلية واليك المثال، ففي سورة الغاشية مثلاً عرض لنا القرآن لوحة فنية مما خلق الله تعالى وصور من جمال في الطبيعة… بسم الله الرحمن الرحيم: ((أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. والى السماء كيف رفعت. والى الجبال كيف نصبت. والى الأرض كيف سطحت.)) (الغاشية: 17-20). إن هذه المخلوقات مجتمعة تقدم لوحة فنية يرى الناظر إليها أول ما يرى مسيرة قافلة الإبل في الصحراء، ثم تبرز له الجبال، ثم يهبط إلى الأرض فيرى انبساطها، ويلتقط ذو الفن الرفيع هذا المشهد في الطبيعة فيرسم له لوحة فنية رائعة الجمال. والآن فلننتقل إلى الإنسان… إن الله سبحانه وتعالى هو المصور الذي صور الأنواع كلها كيف شاء بأجمل وأبدع واحسن تصوير، وجمل الإنسان بالصورة التي نراها بأبهى واجمل صورة كما قال تعالى في سورة غافر، بسم الله الرحمن الرحيم: ((وصوركم فأحسن صوركم…)) (غافر: 64)، فالله سبحانه وتعالى شرف الإنسان وكرمه بأن جعل له هذه الصورة الجميلة الحسنة وبأن زين وجمل له المخلوقات ليستمتع بصورتها وليتعرف على الله سبحانه وتعالى من خلال تذوقه لهذا الحسن والتصوير فيها. وعندما تحدث الله سبحانه وتعالى عن بدء خلق الإنسان نجد الله سبحانه وتعالى يصف ذلك بآية عجيبة جداً وجميلة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين.)) (الأعراف: 11). إن الخلق معناه الإنشاء والتصوير معناه إعطاء الصورة والخصائص وهما مرتبتان في النشأة لا مرحلتان كما يرجح صاحب الظلال، فإن "ثم" هنا هي للترقي المعنوي وليس الترتيب الزمني فالتصوير أرقى مرتبة من مجرد الوجود. فبعد هذا الترقي أعلن الله سبحانه وتعالى بذاته العلية الجليلة العظيمة ميلاد هذا الكائن الإنساني في حفل حافل في الملأ الأعلى، (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين.). وهكذا عندما ننظر إلى الإنسان ونتفكر في تصويره الجميل نجد أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لنا باسمه المصور. واروي لكم في هذا المعنى قصة واقعية حدثت لأحد العلماء المارقين عن الدين ذكرها في أحد كتبه العلمية وكانت السبب المباشر في تحويل مجرى حياته فيما بعد… ففي أحد الأيام كان هذا العالم يتطلع إلى ابنته الصغيرة ثم التفت دون شعور إلى شكل أذنيها وذكر بينه وبين نفسه أنه من المحال أن تكون تلك التلافيف التي تشتمل عليها الأذن قد نشأت عن طريق المصادفة، إنها لا يمكن أن تكون قد نشأت إلا عن خبرة بالغة وتصميم وتدبير وتصوير… ولكنه أبعد هذه الفكرة عن عقله المارق عن الدين، فقد خشي أن يؤدي به هذا النوع من التفكير إلى رؤية تجلي الخالق البارئ المصور المبدع فيؤمن، فهو لم يكن مستعداً حتى ذلك الوقت لقبول هذه الفكرة… ولكن هذه اللحظات من التجلي الذي فاض على قلبه أدى إلى تحول مجرى حياته وتفكيره فيما بعد. فالله سبحانه وتعالى هو المصور وحظ الإنسان من هذا الاسم كما شاهدنا هو النظر بالعين والتفكر في صورة ما خلق الله سبحانه وتعالى، فإن العين إذا تأملت صورة ما خلق الله سبحانه وتعالى ذكرته ذكراً كثيراً وسبحته سبحاً طويلاً ولذلك فقد قرر القرآن الكريم إن العين التي لا تذكر إنما مصيرها جهنم والعياذ بالله بنص القرآن الكريم. بسم الله الرحمن الرحيم: ((وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً. الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً.)) (الكهف: 100-101). فذكر العين إنما يتم بالتأمل في كل صورة من صور المخلوقات التي صورها الله سبحانه وتعالى، وهذا الذكر يورث الراحة والسكينة والانتعاش… فحيّ على ذكر العين واستقبال فيوضات الحسن والجمال من تجلي اسم الله المصور. بسم الله الرحمن الرحيم ((هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم.)) (الحشر: 24) والحمد لله رب العالمين منقول د.عماد البياتي العراق-بغداد
Reply With Quote
.gif)
(( أحبكم في الله )) 
Bookmarks