هل يبدو للسلطة أن أسلوب القمع والاعتقالات، في الاتجاه الصحيح ويحقق تقدما ما لديها؟ !!
ليس لهذا السؤال علاقة بما يحدث في الدول ذات النظم الديكتاتورية والمستبدة. نحن هنا في اليمن.. ذات النظام الجمهوري الديمقراطي.
اليمن التي تضمن الدولة بموجب الدستور للمواطنين حق تنظيم أنفسهم سياسيا ومهنيا ونقابيا.. بل التي يلزمها الدستور أن تتخذ جـميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسة هذا الحق. وضمان كافة الحريات للمؤسسات والمنظمات السياسيـة والنقابيـة والثقافيـة والعلميـة والاجتماعيـة (انظر المادة رقم 58 من دستور الجمهورية اليمنية).
- منذ أكثر من عام والمواطنون هنا يحاولون – بشكل جدي - أن يلفتوا عناية هذه السلطة إلى تلك الواجبات والضمانات الواجبة عليها.
ومنذ أسبوع ذهبت لتخبط خبط عشواء في كل مكان.. تطلق الذخيرة الحية، وتعتقل.. بل وتصدر أحكامها بعيداً عن القضاء (بعيداً عن الدستور والقانون).
تصرف التهم مجاناً للجميع: مواطنين وأحزاب، شخصيات اجتماعية وفنانين. صحف وقادة رأي..الخ. هكذا بكل سهولة ويسر. وليتها كانت تتعامل مع قضايا المواطنين وحقوقهم بتلك الطريقة..!!
- تظاهر المواطنون مطالبين بحقهم في العمل.. بل في التجنيد، أرادوا أن يقدموا أرواحهم في الدفاع عن الوطن والوحدة والديمقراطية. عاطلون عن العمل، ذهبوا للبحث عن المادة رقم (29) من دستور الجمهورية اليمنية. والتي اعتبرت أن "العمل حق وشرف وضرورة لتطوير المجتمع" والتي أكدت على أنه "لكل مواطن الحق فـي ممارسـة العمل الذي يخـتاره لنفسه في حدود القانون.."
- وحين أن لم يجدوا شيء تظاهروا.. وكانوا قبل ذلك قد بحثوا بشكل تسلسلي عن المادة الدستورية رقم (24). والتي أحالتهم إلى واجب كفالة الدولة "تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتصدر القوانين لتحقـيـق ذلـك" .
- ما لذي قامت به السلطة بموجب الدستور (عقدنا السياسي والاجتماعي)..؟!! شيء واحد فقط تجيده تماماً.. ذلك هو مخالفة هذا الدستور..!!
هاك ماحدث: المادة (48 دستور) تقرر في فقرتها ( أ ) أن " تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيها حرية المواطن ولا يجوز تقييد حرية أحد إلا بحكـم من محـكـمـة مختــصـة"
الأمر الواضح تماماً أن ما تم كان بعكس ذلك صراحة.
اتخمت السجون بالسياسيين والناشطين الحقوقيين. اقتحمت المنازل، ثم اعتقلت، ثم ألبست تهمها لهم بعد ذلك. ولعلها تفكر حالياً بمحاكمتهم بأثر رجعي..!!
ثم أردفت ذلك بأن اعتقلت - دون أي مسوغ قانوني أيضا - العشرات من المواطنين الذين خرجوا بعد ذلك مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
وتواصلا لذات المسلسل المخالف للدستور ذهبت السلطة لتكيل تهمها – دون أدلة مادية - لأحزاب اللقاء المشترك عقب أن نفذت قياداتها اعتصاما في صنعاء تضامنا مع المعتقلين. غير أن المجلس الأعلى للمشترك، لم منعه تلك التهم (الهوائية) من إدانة تلك السياسات وأعربت عن رفضها "عسكرة لحياة السياسية والمدنية" وطالبت – في بيانها الصادر بهذا الخصوص السبت الماضي – بإطلاق سراح جميع المعتقلين ودعت إلى تنفيذ أعتصامات تضامنية سلمية في كافة المحافظات للمطالبة بإطلاق سراح مئات المعتقلين..
وأعتبر المشترك ما تقوم به السلطات، تصعيداً رسميا غير مبرر لحالة التوتر في محافظات "الضالع"، "لحج"، "عدن"، "أبين"، "حضرموت" و"تعز" عبر الإجراءات العسكرية والأمنية المكثـفة والاستخدام المفرط للقوة وللأسلحة الثقيلة والخفيفة.
لكن دعونا هنا نضع هذا السؤال : هل بالضرورة أن تصنع لنا السلطة متاهات دائمة؟ كلما حدث شيء تكلف نفسها لتصنع عدوا ما يقف دائما خلف الأحداث..!! لماذا تحاول أن تقلل من غضب المواطن..!! وسوء سلوكها نحوه..!!
ومع ذلك تبرز التناقضات. فقادة الحزب "البلداء" ليس لديهم من زوايا ينظرون اليها سوى المعارضة.. التي ينامون ويصحون على كوابيس وقوفها ضد عبثهم وبلادتهم.
ذلك هو شأن نفر من قيادات الحزب الحاكم.. أما وزير الداخلية فيقولون أنه مهووس دائما بعقدة الأجنبي، فهو – وكما نقلت وسائل إعلامية – أكد في جلسة استجواب مجلس النواب الأثنين الماضي، أن أياد خارجية تقف وراء تلك الأحداث.؟!!
هناك في السلطة من يعتقد – خطأ – أن ميدان السلطة الذي تجيد التحرك فيه هو هذا العبث الذي يحدث الآن..!! الأمن والمجنزرات والرصاص والاعتقالات. يفضلون مثلاً عبارة "الضرب بيد من حديد..". مثل هذا الاعتقاد يقودنا إلى الحديث عن نوايا مبيتة للدفع بالأمور إلى هذا النحو..!!
ومع ذلك ليست الفكرة صحيحة البتة. ولو كانت كذالك، لما ازدادت الأجواء سخونة على مدى الفترة الماضية (منذ اندلاع المواجهات أواخر الشهر الماضي وحتى اليوم).
تلك التي يسميها هؤلاء سياسة بمثل هذه الأفكار المدمرة، تعكس لنا مدى سيطرة فكرة "الميكافيللية" على حساب "الأخلاق" و"القيم" بل وعلى حساب "الوطن".
كان نيقولا ميكافيللي ( 1469 – 1527م) قد كتب كتابه "الأمير" وقدمه لأحد الأمراء الشباب حديث عهد بالولاية التي ورثها عن آبائه. وكان الأمر الذي ألحق بـ"ميكافيللي" سمعة سيئة أنه لم يخجل في تقديم نصائحه صراحة بما فيها من معاني الخسة والانتهازية، وعدم احترام حقوق الآخرين. لقد أعتبر في كتابه أن قتل الأبرياء شيء طبيعي، ومن الممكن فعله من أجل الحفاظ على الملك..!!
عندما تشتعل النار، فإن الحلول الحقيقة دائما تكون باتجاه إخمادها لا إشعالها..
وقد أكد بيان اللقاء المشترك على تلك الحقيقة حين حذر "من التبعات والتداعيات الخطيرة الناجمة عن استمراء السلطة السير في هذا الطريق المسدود الذي لن يفضي إلا إلى المزيد من العنف والآلام والمآسي ويدفع ولا ريب بالأوضاع المعيشية للناس إلى المزيد من الإفقار والبؤس، وبالأزمات الوطنية إلى المزيد من التعقيد والشمول."
كانت ردفان لوحدها، حين اشتعلت النار. وحين أضرمتها السلطة انتشرت لتبلغ الضالع وأبين وحضرموت وتعز. بل لقد سمعنا عن مواطنين يطلقون النار ويلقون بالقذائف ضد الجنود..
وإذا كان الأمر سيختلف هنا عن سابقيه في اتجاه الحلول الايجابية الواقعية، لا "التهدئة" فقط دون تقديم الحلول.. فإن خبر تشكيل رئيس الجمهورية، لجنة خاصة تضم كبار قادة الجيش والسلطة المحلية، للنزول الميداني إلى ردفان والوقوف أمام تلك الأحداث (29 مارس – 5 ابريل) والعمل على حلها.. إن كان هذا الخبر صحيحاً.. فإنه سيتوجب على اللجنة أن تعمل بشفافية مطلقة دون محاباة أو مواربة وعليها أن تلتقي بالمواطنين قبل المشائخ والمسئولين. كما أن عليها أن تكون محايدة من أجل مصلحة المواطن لا المسئول والسلطة فالمواطن أولا وما قامت السلطة إلا لخدمته وهو صاحب السلطة الحقيقية. كما يفترض أن لا تكون اللجنة كسابقاتها من اللجان التي تعمدت تهدئة الأمور لا حلها.
ذلك في الوقت الذي يجب فيه على النظام أن يخرج من تبعيته للحزب الواحد، ومصالحه، للالتقاء مع حزب المواطن ( وهو الوطن) وذلك بإيلاء ما ستسفر عنه النتائج النهائية والتوصيات أهمية كبرى (إن كانت حقاً تسعى لإنقاذ البلاد من المصير الذي لم يعد مجهولا بعد الآن). ويأتي هذا الطلب بعد أن التجارب السابقة التي عودتنا على أن تقدم اللجان تقاريرها ثم تترك في الأدراج إذا كانت تتحدث عن أخطاء السلطة أو عن محاسبة مجموعة متنفذين.
وبقي أن نقول أن ما حدث في ردفان والضالع من اعتقالات ومواجهات بين الأمن والمواطنين، إنما يؤكد أن القضايا التي تتغاضى عنها السلطة كثيرة وليست كما تقول أنها قضايا مرتبطة بمطالب محددة بفترة زمنية أو بأشخاص بعينهم.
ومن ذلك على السلطة أن تعي جيدا أن الخلل ليس في المواطن(الجائع، العاطل عن العمل، المريض، المتعب، الحالم...) الذي يبحث عن واقع وعود انتخابية وعدت بها أثناء الانتخابات. إنما الخلل الحقيقي يكمن في إهمال الجمع الكلي للوطن (الشعب) من أجل مصالح فئوية ضيقة..!!
على النظام إن عجز عن إصلاح هذا الخلل بسبب تغلغل مراكز القوى في أوصاله. فليس ثمة من بد سوى أن تترك لنا شيء واحد: أن تحتكم معنا الى الدستور الذي تسعى أن تحيطه بتعديلاتها القادمة (وكأنها تأبه لمواده التي هو عليه الآن..!!)
المادة رقم ( 28) من الدستور تؤكد أن
الخدمة العامة تكليف وشرف للقائمين بها، ويستهدف الموظفون القائمون بها في أدائهم لأعمالهم المصلحة العامة وخدمة الشعب ويحـدد القانون شروط الخدمـة العامة وحقوق وواجبات القائميـن بـه.
Bookmarks