بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذة الفاضلة مها
احترامي لقلمك الكبير كثر الله من أمثالك وما أروع ما سطرته يداك
وأسجل إعجابي بطريقة حوارك وأسأل الله أن يجزيكي عنا خير الجزاء
تابعت جميع ما كتبتيه ومعظم ما كتبه الاخوة والاخوات وبارك الله في الجميع
استاذتي الطيبة لفت انتباهي قولك أن هذه المسائل لم تجدي لها إجابات مقنعة عند أهل العلم
فللاستاذ الفاضل محمد قطب رحمه الله كتاب اسمه شبهات حول الإسلام في ثناياه تكلم عن شبهات حول المرأة
لا أدري هل اطلعتي عليه لكني شخصياً أعجبني ما قرأته للاستاذ محمد قطب.
واستسمحك استاذتي في نقل اجزاء من كلامه
يقول الاستاذ محمد قطب في مقدمة كتابه
اقتباس:
ومع ذلك فإن تجربتي في حقل الكتابة الإسلامية والدعوة الإسلامية خلال تلك الفترة من الزمان، قد دلتني على أن الرد على الشبهات ليس هو المنهج الصحيح في الدعوة ولا في الكتابة عن الإسلام.
إن المنهج الصحيح هو عرض حقائق الإسلام ابتداءً لتوضيحها للناس، لا رداً على شبهة، ولا إجابة على تساؤل في نفوسهم نحو صلاحيته أو إمكانية تطبيقه في العصر الحاضر. وإنما من أجل " البيان " الواجب على الكتّاب والعلماء لكل جيل من أجيال المسلمين. ثم لا بأس - في أثناء عرض هذه الحقائق - من الوقوف عند بعض النقاط التي يساء فهمها أو يساء تأويلها من قبل الأعداء أو الأصدقاء سواء! وفي مثل هذا الجو في الحقيقة كانت ترد ردود القرآن على شبهات المشركين وأهل الكتاب!
ثم إن التجربة قد دلتني على شيء آخر.. إن معركة الجدل التي يخوضها الشباب المسلم المتحمس مع أعداء الإسلام، لا تستحق في الحقيقة ما يبذل فيها من الجهد!
إن الكثرة الغالبة من هؤلاء المجادلين لا تجادل بحثاً عن الحقيقة ولا رغبة في المعرفة، وإنما فقط لإثارة الشبهات ومحاولة الفتنة.
والرد الحقيقي عليهم ليس هو الدخول في معركة جدلية معهم، ولو أفحمهم الرد في لحظتهم!
إنما الرد الحقيقي على خصوم الإسلام هو إخراج نماذج من المسلمين تربت على حقيقة الإسلام، فأصبحت نموذجاً تطبيقياً واقعياً لهذه الحقيقة، يراه الناس فيحبونه، ويسعون إلى الإكثار منه، وتوسيع رقعته في واقع الحياة.
هذا هو الذي " ينفع الناس فيمكث في الأرض "، وهذا هو مجال الدعوة الحقيقية للإسلام.
ويقول الاستاذ محمد قطب
اقتباس:
في الشرق اليوم " هيجة " تسمى حقوق المرأة! والمطالبة بالمساواة الكاملة مع الرجل.
وفي وسط هذه " الهيجة " التي تشبه الحمى، يهذي بعض المحمومين والمحمومات باسم الإسلام. بعضهم - للتوريط - يقول إن الإسلام قد سوى بين الجنسين في كل شيء، وبعضهم - جهلاً منه أو غفلة - يقول إن الإسلام عدو للمرأة ينتقص كرامتها ويهين كبرياءها، ويحطم شعورها بذاتيتها، ويدعها في مرتبة أقرب للحيوانية، متاعاً حسياً للرجل وأداة للنسل ليس غير.. وهي في هذا في موضع التابع من الرجل يسيطر عليها في كل شيء، ويفضلها في كل شيء.
وهؤلاء وأولئك لا يعرفون حقيقة الإسلام، أو يعرفونها ثم يلبسون الحق بالباطل ابتغاء الفتنة ونشراً للفساد في المجتمع، ليسهل الصيد لمن يريد الصيد في الأقذار.
ويقول
اقتباس:
ونعود إلى وضع المرأة في الإسلام، لنعرف إن كانت ظروفنا التاريخية والجغرافية والاقتصادية والعقيدية والتشريعية، تجعل للمرأة " قضية " تكافح من أجلها، كما كان للمرأة الغربية قضية، أم إنها شهوة التقليد الخالصة، والعبودية الخفية للغرب - التي تجعلنا لا نبصر الأشياء بعيوننا، ولا نراها في حقيقتها - هي التي تملأ الجو بهذا الضجيج الزائف في مؤتمرات النساء؟!
من البديهيات الإسلامية التي لا تحتاج إلى ذكر ولا إعادة، أن المرأة في عرف الإسلام كائن إنساني، له روح إنسانية من نفس " النوع " الذي منه روح الرجل: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ( ) " فهي إذن الوحدة الكاملة في الأصل والمنشأ والمصير، والمساواة
الكاملة في الكيان البشري، تترتب عليها كل الحقوق المتصلة مباشرة بهذا الكيان، فحرمة الدم أو العرض والمال، والكرامة التي لا يجوز أن تلمز مواجهة أو تغتاب، ولا يجوز أن يتجسس عليها أو تقتحم الدور.. كلها حقوق مشتركة لا تمييز فيها بين جنس وجنس. والأوامر والتشريعات فيها عامة للجميع: " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ( ) ".. " ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضاً ( ) ".. " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ( ) ".. " كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وعرضه وماله ( ) ".
والجزاء في الآخرة واحد للجنسين: " فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ( ) ".
وتحقيق الكيان البشري في الأرض متاح للجنسين: الأهلية للملك والتصرف فيه بجميع أنواع التصرف من رهن وإجارة ووقف وبيع وشراء واستغلال.. إلخ " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( ) " " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ( ) ".
....
....
وهنا يحق للإسلام أن يفخر بما أعطى المرأة من كيان اقتصادي مستقل، فصارت تملك وتتصرف وتنتفع، بشخصها مباشرة بلا وكالة، وتعامل المجتمع بلا وسيط.
ولم يكتف الإسلام بتحقيق كيان المرأة في مسألة الملكية، بل حققه في أخطر المسائل المتعلقة بحياتها وهي مسألة الزواج. فلا يجوز أن تتزوج بغير إذنها، ولا يتم العقد حتى تعطي الإذن: " لا تزوج الثيب حتى تستأمر ولا تزوج البكر حتى تستأذن وإذنها صماتها ( ) " ويصبح العقد باطلاً إذا أعلنت أنها لم توافق عليه.
وقد كانت المرأة - في غير الإسلام - تحتاج إلى سلوك طرق ملتوية لتهرب من زواج لا تريده، لأنها لا تملك شرعاً ولا عرفاً أن ترفض. ولكن الإسلام أعطاها هذا الحق الصريح، تستخدمه متى أرادت ( )، بل أعطاها أن تخطب لنفسها، وهو آخر ما وصلت إليه أوربا في القرن العشرين، وحسبته انتصاراً هائلاً على التقاليد البالية العتيقة!
ويبلغ من تقدير الإسلام لمقومات الكيان البشري - في عصور كان يغشيها الجهل والظلام - أن اعتبر العلم والتعلم ضرورة بشرية، ضرورة لازمة لكل فرد لا لطائفة
محدودة من الناس، فقرر للملايين حق التعلم، بل جعله فريضة وركناً من الإيمان بالله على طريقة الإسلام. وهنا كذلك يحق له أن يفخر بأنه أول نظام في التاريخ نظر إلى المرأة على أنها كائن بشري، لا يستكمل مقومات بشريته حتى يتعلم، شأنها شأن الرجل سواء بسواء، فجعل العلم فريضة عليها كما هو فريضة على الرجل، ودعاها أن ترتفع بعقلها، كما ترتفع بجسدها وروحها عن مستوى الحيوان، بينما ظلت أوروبا تنكر هذا الحق إلى عهد قريب. ولم تستجب إليه إلا خضوعاً للضرورات.
* * *
إلى هذا الحد وصل تكريم الإسلام للمرأة. ولا يستطيع أحد مهما أوتي القدرة على التبجح، أن يقول إن فكرة الإسلام في كل هذه الأمور قائمة على أن المرأة مخلوق ثانوي، أو تابع في وجوده لمخلوق آخر، أو إن دورها في الحياة دور ضئيل لا يؤبه له. فلو كان الأمر كذلك ما عني بتعليمها. والتعليم بالذات مسألة لها دلالة خاصة، وتكفي وحدها - دون حاجة إلى المسائل الأخرى - لتقرير الوضع الحقيقي للمرأة في الإسلام، وهو وضع كريم عند الله وعند الناس.
ولكن الإسلام بعد هذا - بعد تقرير المساواة الكاملة في الإنسانية، والمساواة في جميع الحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك بين الجميع - يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق وبعض الواجبات. وهنا الضجة الكبرى التي تثيرها نساء المؤتمرات، ويثيرها معهن كتاب و " مصلحون " وشباب، يعلم الله كم يريدون بدعوتهم وجه الإصلاح، وكم يريدون بها أن يجدوا المرأة سهلة التناول في المجتمع وفي الطريق!
ثم يقول
اقتباس:
وقبل الدخول في تفصيل هذه المواضع التي يفرق فيها الإسلام بين الرجل والمرأة، ينبغي أولاً أن نرد المسألة إلى جوهرها الحقيقي، إلى أصولها الوظيفية، الجسمية والنفسية، ثم نستعرض بعد ذلك رأي الإسلام.
هل هما جنس واحد أو جنسان؟ وهل هي وظيفة واحدة أم وظيفتان؟ تلك عقدة الموضوع. فإن أرادت نساء المؤتمرات وكتابهن ومصلحوهن وشبابهن أن يقولوا: ليس بين المرأة والرجل خلاف في التكوين الجسدي والكيان الوجداني ووظائف الحياة البيولوجية، فما عسى أن يرد به عليهم!؟ وإن أقروا بوجود هذا الخلاف فهناك إذن أساس صالح لمناقشة الموضوع.
وقد ناقشت مسألة المساواة بين الجنسين في كتاب " الإنسان بين المادية والإسلام " في فصل طويل عن " المشكلة الجنسية " لا أرى بأساً في أن أنقل منه هنا بضع فقرات:
".. وتبعاً لهذا الاختلاف الحاسم في المهمة والأهداف اختلفت طبيعة الرجل والمرأة، ليواجه كل منهما مطالبه الأساسية وقد زودته الحياة بكل التيسيرات الممكنة، ومنحته التكييف الملائم لوظيفته.
" لذلك لا أرى كيف تستساغ هذه الثرثرة الفارغة عن المساواة الآلية بين الجنسين! إن المساواة في الإنسانية أمر طبيعي ومطلب معقول. فالمرأة والرجل هما شقا الإنسانية، وشقا النفس الواحدة. أما المساواة في وظائف الحياة وطرائقها فكيف يمكن تنفيذها؛ ولو أرادتها كل نساء الأرض وعقدت من أجلها المؤتمرات وأصدرت القرارات؟
" هل في وسع هذه المؤتمرات وقراراتها الخطيرة أن تبدل طبائع الأشياء، فتجعل الرجل يشارك المرأة في الحمل والولادة والإرضاع؟
" وهل يمكن أن تكون هناك وظيفة بيولوجية من غير تكييف نفسي وجسدي خاص؟ هل اختصاص أحد الجنسين بالحمل والرضاعة لا يستتبعه أن تكون مشاعر هذا الجنس وعواطفه وأفكاره مهيأة بطريقة خاصة لاستقبال هذا الحادث الضخم، والتمشي مع مطالبه الدائمة؟
" إن الأمومة، بكل ما تحويه من مشاعر نبيلة، وأعمال رفيعة، وصبر على الجهد المتواصل، ودقة متناهية في الملاحظة وفي الأداء.. هي التكييف النفسي والعصبي والفكري الذي يقابل التكييف الجسدي للحمل والإرضاع. كلاهما متمم للآخر متناسق معه، بحيث يكون عجيباً أن يوجد أحدهما في غيبة من الآخر.
" وهذه الرقة اللطيفة في العاطفة، والانفعال السريع في الوجدان، والثورة القوية في المشاعر، التي تجعل الجانب العاطفي، لا الفكري، هو النبع المستعد أبداً بالفيض، المستجاش أبداً بأول لمسة، كل ذلك من مستلزمات الأمومة، لأن مطالب الطفولة لا تحتاج إلى التفكير، الذي قد يسرع أو يبطئ، وقد يستجيب أولا يستجيب، وإنما تحتاج إلى عاطفة مشبوبة لا تفكر، بل تلبي الداعي بلا تراخ ولا إبطاء.
" فهذا كله هو الوضع الصحيح للمرأة حين تلبي وظيفتها الأصيلة وهدفها المرسوم.
" والرجل من جانب آخر مكلف بوظيفة أخرى، ومهيأ لها على طريقة أخرى.
" مكلف بصراع الحياة في الخارج. سواء كان الصراع هو مجابهة الوحوش في الغابة، أو قوى الطبيعة في السماء والأرض، أو نظام الحكومة وقوانين الاقتصاد … كل ذلك لاستخلاص القوت، ولحماية ذاته وزوجه وأولاده من العدوان.
" هذه الوظيفة لا تحتاج أن تكون العاطفة هي المنبع المستجاش، بل ذلك يضرها ولا ينفعها. فالعاطفة تنقلب في لحظات من النقيض إلى النقيض. ولا تصبر على اتجاه واحد إلا فترة، تتجه بعدها إلى هدف جديد. وهذا يصلح لمطالب الأمومة المتغيرة المتقلبة، ولكنه لا يصلح لعمل خطة مرسومة تحتاج في تنفيذها إلى الثبات على وضع واحد لفترة طويلة من الوقت. وإنما يصلح لذلك الفكر. فهو بطبيعته أقدر على التدبير وحساب المقدمات والنتائج قبل التنفيذ. وهو أبطأ عملاً من العاطفة الجياشة المتفجرة. وليس المطلوب منه هو السرعة، بقدر ما هو تقدير الاحتمالات والعواقب، وتهيئة أحسن الأساليب للوصول إلى الهدف المنشود. وسواء كان المقصود هو صيد فريسة، أو اختراع آلة، أو وضع خطة اقتصادية، أو سياسة حكم، أو إشعال حرب، أو تدبير سلم، فكلها أمور تحتاج إلى إعمال الفكر، ويفسدها تقلب العاطفة.
" ولذلك فالرجل في وضعه الصحيح حين يؤدي هدفه الصحيح.
" وهذا يفسر كثيراً من أوجه الخلاف بين الرجل والمرأة. فهو يفسر مثلاً لماذا يستقر الرجل في عمله، ويمنحه الجانب الأكبر من نفسه وتفكيره بينما هو في الميدان العاطفي متنقل كالأطفال. في حين أن المرأة تستقر في علاقاتها العاطفية تجاه الرجل، وحينما تتجه إليه فكأنما كيانها كله يتحرك ويدبر الخطط ويرتب الملابسات، وهي في هذا الشأن أبعد ما تكون نظراً وأشد ما تكون دقة. ترسم أهدافها لمسافات بعيدة، وتعمل دائبة على تحقيق أغراضها. بينما هي لا تستقر في العمل إلا أن يكون فيه ما يلبي جزءاً من طبيعتها الأنثوية كالتمريض أو التدريس أو الحضانة. أما حين تعمل في المتجر فهي تلبي كذلك جزءاً من عاطفتها بحثاً عن الرجل هناك. ولكن هذه الأعمال كلها بديل لا يغني عن الأصل، وهو الحصول على رجل وبيت وأسرة وأولاد. وما إن تعرض الفرصة للوظيفة الأولى حتى تترك المرأة عملها لتهب نفسها لبيتها. إلا أن يحول دون ذلك عائق قهري كحاجتها إلى المال.
" ولكن هذا ليس معناه الفصل الحاسم القاطع بين الجنسين، ولا معناه أن كلا منهما لا يصلح أية صلاحية لعمل الآخر.
".. الجنسان إذن خليط، وعلى نسب متفاوتة، فإذا وجدت امرأة تصلح للحكم أو القضاء أو حمل الأثقال أو الحرب والقتال.. وإذا وجد رجل يصلح للطهي وإدارة البيوت أو الإشراف الدقيق على الأطفال أو الحنان الأنثوي، أو كان سريع التقلب بعواطفه ينتقل في لحظة من النقيض للنقيض، فكل ذلك أمر طبيعي، ونتيجة صحيحة لاختلاط الجنسين في كيان كل جنس. ولكنه خلو من الدلالة المزيفة التي يريد أن يلصقها به شذاذ الآفاق في الغرب المنحل والشرق المتفكك سواء.
فالمسألة في وضعها الصحيح ينبغي أن توضع على هذه الصورة: هل كل هذه الأعمال التي تصلح لها المرأة زائدة على وظيفتها الطبيعية، تغنيها عن هذه الوظيفة الأصيلة؟ تغنيها عن طلب البيت والأولاد والأسرة؟ وتغنيها عن طلب الرجل قبل هذا وبعد ذلك ليكون في البيت رجل! بصرف النظر عن شهوة الجنس وجوعة الجسد؟ " ….
والآن وقد استعرضنا حقيقة الخلاف بين طبيعة الرجل والمرأة، نعود إلى مواضع التفرقة بينهما في الإسلام.
....
فيقول رحمه الله
اقتباس:
إن مزية الإسلام الكبرى أنه نظام واقعي، يراعي الفطرة البشرية دائماً ولا يصادمها أو يحيد بها عن طبيعتها. وهو يدعو الناس لتهذيب طبائعهم والارتفاع بها، ويصل في ذلك إلى نماذج تقرب من الخيالات والأحلام، ولكنه في تهذيبه لا يدعو لتغيير الطبائع، ولا يضع في حسابه أن هذا التغيير ممكن، أو مفيد لحياة البشرية حتى إذا أمكن! وإنما يؤمن بأن أفضل ما تستطيع البشرية أن تصل إليه من الخير، هو ما يجيئ متمشياً مع الفطرة بعد تهذيبها، والارتفاع بها من مستوى الضرورة إلى مستوى التطوع النبيل.
وهو يسير في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية المدركة لفطرة البشر، فيسوي بينهما حيث تكون التسوية هي منطق الفطرة الصحيح، ويفرق بينهما كذلك حيث تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح. فلننظر أهم مواضع التفرقة: تقسيم الإرث ومسألة القوامة.
يقول الإسلام في الإرث: " للذكر مثل حظ الأنثيين ". ذلك حق. لكنه يجعل الرجل هو المكلف بالإنفاق. ولا يتطلب من المرأة أن تنفق شيئاً من مالها على غير نفسها وزينتها (إلا حيث تكون العائل الوحيد لأسرتها وهي حالات نادرة في ظل النظام الإسلامي، لأن أي عاصب من الرجال مكلف بالإنفاق ولو بعدت درجته) فأين الظلم الذي يزعمه دعاة المساواة المطلقة؟ إن المسألة مسألة حساب، لا عواطف ولا ادعاء. تأخذ المرأة - كمجموعة - ثلث الثروة الموروثة لتنفقها على نفسها، ويأخذ الرجل ثلثي الثروة لينفقها أولاً على زوجة - أي على امرأة - وثانياً على أسرة وأولاد - فأيهما يصيب أكثر من الآخر بمنطق الحساب والأرقام؟ وإذا كانت هناك حالات شاذة لرجال ينفقون كل ثرواتهم على أنفسهم ولا يتزوجون ولا يبنون أسرة، فتلك أمثلة نادرة، وإنما الأمر الطبيعي أن ينفق الرجل ثروته على بناء أسرة فيها امرأة بطبيعة الحال هي الزوجة. وهو ينفق عليها لا تطوعاً منه بل تكليفاً. ومهما كانت ثروتها الخاصة فلا يحق له أن يأخذ منها شيئاً البتة إلا بالتراضي الكامل بينهما. وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً، ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق، أو قتر فيه بالنسبة لما يملك، ويحكم لها الشرع بالنفقة أو بالانفصال. فهل بقيت بعد ذلك شبهة في القدر الحقيقي الذي تناله المرأة من مجموع الثروة؟ وهل هو امتياز حقيقي في حساب الاقتصاد أن يكون للرجل مثل حظ الأنثيين وهو مكلف مالا تكلفه الأنثى؟
على أن هذه النسبة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب، فهو يقسم بمقتضى العدل الرباني الذي يعطي " لكل حسب حاجته ". ومقياس الحاجة هو التكاليف المنوطة بمن يحملها. أما المال المكتسب فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة، لا في الأجر على العمل، ولا في ربح التجارة ولا ريع الأرض إلخ. لأنه يتبع مقياساً آخر هو المساواة بين الجهد والجزاء. وإذن فلا ظلم ولا شبهة في ظلم، وليس وضع المسألة أن قيمة المرأة هي نصف قيمة الرجل في حساب الإسلام، كما يفهم العوام من المسلمين، وكما يقول المشنعون من أعداء الإسلام. وقد رأينا بحساب الأرقام أن ذلك غير صحيح.
وليس اعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد دليلاً كذلك على أن المرأة تساوي نصف رجل. إنما هذا إجراء روعي فيه توفير كل الضمانات في الشهادة، سواء كانت الشهادة لصالح المتهم أو ضده، ولما كانت المرأة بطبيعتها العاطفية المتدفقة السريعة الانفعال، مظنة أن تتأثر بملابسات القضية " فتضل " عن الحقيقة، روعي أن تكون معها امرأة أخرى " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " وقد يكون المشهود له أو عليه امرأة جميلة تثير غيرة الشاهدة، أو يكون فتى يثير كوامن الغريزة أو عطف الأمومة.. إلى آخر هذه العواطف التي تدفع إلى الضلال بوعي أو بغير وعي. ولكن من النادر جداً حين تحضر امرأتان في مجال واحد، أن تتفقا على تزييف واحد، دون أن تكشف إحداهما خبايا الأخرى فتظهر الحقيقة! على أن شهادة الواحدة تعتبر فيما تعد المرأة خبيرة فيه أو مختصة به من شؤون النساء.
أما مسألة القوامة: فالضرورة تقضي أن يكون هناك قيم توكل إليه الإدارة العامة لهذه الشركة القائمة بين الرجل والمرأة، وما ينتج عنها من نسل، وما تستتبعه من تبعات. وقد اهتدى الناس في كل تنظيماتهم إلى أنه لا بد من رئيس مسئول، وإلا ضربت الفوضى أطنابها، وعادت الخسارة على الجميع. وهناك ثلاثة أوضاع يمكن أن تفترض بشأن القوامة في الأسرة: فإما أن يكون الرجل هو القيم، أو تكون المرأة هي القيم. أو يكونا معاً قيمين.
ونستبعد الفرض الثالث منذ البدء، لأن التجربة أثبتت أن وجود رئيسين للعمل الواحد أدعى إلى الإفساد من ترك الأمر فوضى بلا رئيس. والقرآن يقول عن السماء والأرض: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ".. " إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ". فإذا كان هكذا الأمر بين الآلهة المتوهمين فكيف هو بين البشر العاديين؟
وعلم النفس يقرر أن الأطفال الذين يتربون في ظل أبوين يتنازعان على السيادة، تكون عواطفهم مختلة، وتكثر في نفوسهم العقد والاضطرابات.
بقي الفرضان الأولان. وقبل أن نخوض في بحثهما نسأل هذا السؤال: أيهما أجدر أن تكون وظيفته القوامة، بما فيها من تبعات: الفكر أم العاطفة؟ فإذا كان الجواب البديهي هو الفكر، لأنه هو الذي يدبر الأمور في غيبة عن الانفعال الحاد الذي كثيراً ما يلتوي بالتفكير فيحيد به عن الطريق المباشر المستقيم، فقد انحلت المسألة دون حاجة إلى جدال كثير.
فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة، وبما يحتوي كيانه من قدرة على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته، أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت. بل إن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ولا تقيم له أي اعتبار. فإذا كان هذا من أثر التربية القديمة التي تترك طابعها في اللاشعور، وتكيف مشاعر المرأة دون وعي منها، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة، وصار لها كيان ذاتي مستقل، عادت فاستعبدت نفسها للرجل. فأصبحت هي التي تغازله وتتلطف له ليرضى! وتتحسس عضلاته المفتولة وصدره العريض، ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حين تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها!
على أن المرأة إذا تطلعت " للسيادة " في أول عهدها بالزواج وهي فارغة البال من الأولاد وتكاليف تربيتهم التي ترهق البدن والأعصاب، فسرعان ما تنصرف عنها حين تأتي المشاغل، وهي آتية بطبيعة الحال، فحينذاك لا تجد في رصيدها العصبي والفكري ما تحتمل به مزيداً من التبعات.
وليس مؤدى ذلك أن يستبد الرجل بالمرأة، أو بإدارة البيت. فالرئاسة التي تقابل التبعة لا تنفي المشاورة ولا المعاونة. بل العكس هو الصحيح. فالرئاسة الناجحة هي التي تقوم على التفاهم الكامل والتعاطف المستمر. وكل توجيهات الإسلام تهدف إلى إيجاد هذه الروح داخل الأسرة، وإلى تغليب الحب والتفاهم على النزاع والشقاق. فالقرآن يقول: " وعاشروهن بالمعروف ( ) " والرسول يقول: " خيركم خيركم لأهله ( ) " فيجعل ميزان الخير في الرجل هو طريقة معاملته لزوجته، وهو ميزان صادق الدلالة، فما يسيء رجل معاملة شريكته في الحياة إلا أن تكون نفسه من الداخل منطوية على انحرافات شتى، تفسد معين الخير أو تعطله عن الانطلاق ( ).
ولكن العلاقات " الرسمية " في داخل الأسرة موضع شبهات كثيرة تحتاج إلى بيان.
بعض هذه الشبهات خاص بالتزامات المرأة نحو الرجل، وبعضها خاص بموضوع الطلاق وموضوع تعدد الزوجات.
وأنا أعتقد أن الزواج مسألة شخصية إلى حد كبير، وأنه ككل تعامل بين شخصين، يعتمد قبل كل شيء على المميزات الشخصية والخصائص النفسية والعقلية والجسمية لكل من الطرفين، بحيث يصعب جداً أن يحكمه " قانون " عام. فإذا وجدت حالة يسودها الوفاق والوئام فليس من الضروري أن يكون ذلك لأن الزوجين يراعيان " الأصول " الزوجية كل نحو الآخر. وكثيراً ما نسمع عن أزواج لا يشتد بينهم الانسجام والمحبة إلا بعد شجار عنيف قد يتجاوز اليد واللسان! وإذا وجدت حالة من الشقاق والخلاف فليس من الضروري أن يكون السبب غلطة الزوج أو نشوز الزوجة. وكثيراً ما نسمع عن زوجين كل منهما في ذاته مثال كريم للإنسان، ولكن " مزاجهما " لا يتفق، وقد يبكيان حسرة على عدم إمكان التفاهم بينهما، ولكنهما مع ذلك لا يتفاهمان.
هذه مقتبسات من كلامه ولمن أراد الرجوع إلى كتابه فهو متوفر على النت في غير ما موقع منها موقع صيد الفوائد
تحياتي لكم استاذة مها
وفقك الله إلى كل خير
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
Bookmarks