القسم الثالث :- تعريف الاختلاف وأنواعه
لا يهمني هنا المعنى اللغوي للفظ الاختلاف الموجود في المعاجم كما لا يهمني الآن المعنى الاصطلاحي للاختلاف عند الفقهاء أو المحدثين أو المتكلمين أو الفلاسفة أو غيرهم.
ما يهمني هنا هو المعنى الذي يرتسم في ذهن الشاب البسيط وبكلمات أخرى يهمني المعنى الدارج عند العامة. لأنهم هم المعنيون بكلامي.
كثيراً ما نستخدم لفظ الاختلاف في كتاباتنا وكثير ما نقرأه وقد لا يتنبه البعض إلى أنه قد نختلف في فهمنا للاختلاف حيث قد يكون ما هو اختلاف في وجهة نظر البعض ليس باختلاف في وجهة نظر البعض الآخر والعكس.
ومن وجهة نظري هنالك اصطلاحين أو معنيين دارجين للاختلاف عند الناس والبعض يميز بين المعنيين والبعض قد يخلط بينهما.
المعنى الأول :- تعارض الآراء أو الأفكار وتناقضها.
المعنى الثاني:- تنوع الآراء أو الأفكار سواء تناقضت أم لم تتناقض.
والفرق نظرياً بين التنوع والتناقض واضح وجلي والتنوع أعم من التضاد فكل تناقض تنوع لكن ليس كل تنوع تناقض لكن الإشكالية عند التطبيق فمن الإشكاليات المنتشرة بين الناس هو خلطهم بين التنوع والتناقض سواء سمو ذلك اختلافاً أم لا
فيجعلون من بعض الاختلافات المتناقضة اختلافات تنوع (غير متناقضة) ومن هنا يقبلون كل الآراء المختلفة ويتسامحون فيها وآخرون يجعلون من بعض اختلافات التنوع (الغير متناقضة) متناقضات وعلى ذلك يتعصبون لرأي معين ويتشددون على البقية.
وليكن الاختلاف الذي نتحدث عنه هنا في مشاركتي بالمعنى الثاني لأنه معنى يشمل المعنى الأول
وبهذا نكون قد اتفقنا على أن الاختلاف الذي نتحدث عنه هو تنوع الآراء والأفكار سواء تناقضت أم لم تتناقض.
وعلى إثر هذا التعريف فالاختلاف ينقسم إلى قسمين منفصلين
1- الاختلاف المذموم :- وهو عبارة عن الأفكار المتعارضة المتناقضة التي لا يمكن جمعها.
2- الاختلاف الغير مذموم :- وهو عبارة عن الأفكار المتنوعة غير المتناقضة التي يمكن جمعها.
ومن هنا نضع سؤالا
ما نوع الاختلافات الموجودة عند المسلمين ؟ هل هي من النوع المذموم أم من النوع الغير مذموم؟
والجواب: يوجد بين المسلمين اختلافات مذمومة واختلافات غير مذمومة ويوجد نوع آخر سأتحدث عنه لاحقاً.
• أمثلة على الاختلاف المذموم.
- القول بجواز زواج المتعة مقابل القول بحرمة زواج المتعة (اختلاف تناقض)
- القول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي ومقابل القول بحرمته (اختلاف تناقض)
- القول بجواز الغناء مقابل القول بحرمته (اختلاف تناقض)
• أمثلة على الاختلاف الغير مذموم.
- القول بأن صلاة الوتر ثلاث ركعات مقابل القول بأن صلاة الوتر خمس ركعات (اختلاف تنوع)
لأن الوتر هو العدد الفردي وخمسة وثلاثة جميعها أعداد فردية.
- القول بفضل صيام عاشورا مقابل القول بفضل صيام الاثنين والخميس (اختلاف تنوع)
لأن صيام عاشورا فيه فضل وصيام الاثنين والخميس فيه فضل
- القول بصحة صلاة المرأة في المسجد مقابل القول بصحة صلاة المرأة في بيتها (اختلاف تنوع)
لأن كلا الصلاتين جائزتين
ويبقى في هذا القسم أن أنبه إلى نوع ثالث ومهم من أنواع الاختلاف ألا وهو الاختلاف الوهمي.
فما هو الاختلاف الوهمي؟؟
الاختلاف الوهمي هو تصور وجود تنوع أو تناقض بين الآراء في الذهن لكن في حقيقة الأمر الآراء هي رأي واحد. ويسمى هذا النوع من الاختلاف بالاختلاف اللفظي للدلالة على أن الآراء وان اختلفت في استخدام الألفاظ فجميعها لها مدلول واحد بمثابة لفظي (تلميذ وطالب). وقد يتنبه أصحاب الاختلاف اللفظي إلى هذا فيعلمون أنهم حقيقة غير مختلفين وقد لا ينتبهون إلى أن اختلافهم لفظي ويظنونه حقيقي وقد يكبر النزاع بينهم ويصل إلى حد الاقتتال.
• أمثلة على الاختلاف الوهمي
- حكم بعض أهل العلم على الخمر بالكراهة وحكم بعضهم عليه بالحرمة
فالمتبادر إلى الذهن أن هنالك اختلاف لكن في الحقيقة لا خلاف حقيقي بل هو مجرد خلاف لفظي لأن لفظ الكراهة استخدمه من استخدمه وهو يقصد الحرمة. واستخدام لفظ الكراهة للدلالة على الحرمة القطعية وارد وكثير في عصر السلف ثم فيما بعد في عصر الخلف أصبح للكراهة معنى مستقل لا يدخل في التحريم وأصبح معنى المكروه هو ما يثاب تاركه ولا يؤثم فاعله والحرام هو ما يؤثم فاعله ويثاب تاركه. ومن لم يتنبه إلى أن الألفاظ الشرعية قد تختلف في معانيها من عصر السلف إلى عصور الخلف سيظن بوجود اختلاف بين السلف والخلف.
- قول فرقة الجهمية أن الله ليس له كلام حقيقي بل كلامه مخلوق مقابل قول المعتزلة أن الله له كلام حقيقي وكلامه مخلوق.
وبيان كونه لفظي قد يطول لكن سأكتفي بذكره كمثال.
- وكثير من الاختلافات تكون من هذا الباب لكن قد تحتاج إلى تفصيل وتوضيح لبيان أنها خلافات لفظية وهذا سيسبب إطالة تخرجنا عن مقصود هذا القسم فلذلك فيما سبق كفاية.
وبقي شيء أخير في هذا القسم
الاختلاف سواء كان (حقيقي) مذموم أو غير مذموم أو كان خلافاً وهمياً (لفظياً) يقع في الأصول والثوابت ويقع في الفروع.
بكلمات آخري
هنالك خلاف مذموم في الأصول وهنالك خلاف مذموم في الفروع
هنالك خلاف غير مذموم في الأصول وهنالك خلاف غير مذموم في الفروع
هنالك خلاف وهمي في الأصول وهنالك خلاف وهمي في الفروع
وهنا لا بد من وقفة ضرورية عند معنى الأصول والفروع
فهنالك من يقسم الشرع إلى جانبين
- جانب العقائد (وهي أصول الدين)
- جانب الأحكام الفقهية (الفقه وهي فروع الدين)
وشخصياً هذا ما كنت عليه في السابق لكن بعد مطالعتي لكثير من كتابات بعض أهل العلم اقتنعت بأن
جانب العقائد فيه أصول وفروع
وجانب الفقه فيه أصول وفروع
مع العلم أن تقسيم الدين إلى فقه وعقيدة هو تقسيم وهمي تعليمي وإلا فالدين مترابط فقهه وعقيدته
والاختلاف في الأصول (عقدية أو فقهية) إن كان مذموماً فهو جد خطير وعليه تترتب أحكام الضلال والفسق والكفر
أما الاختلاف في الفروع فهو ليس بهذه الخطورة ويترتب عليه الخطأ والوهم لكن من الغلط تجاهله والتغاضي عنه. وإن شاء الله سأفصل هذا في قسم لاحق مع بيان الاختلاف الغير مذموم في الأصول والفروع.
يتبع إن شاء الله التطرق إلى بقية أقسام مشاركتي
Bookmarks